محتويات
أكل مال اليتيم من الكبائر
أجمع العُلماء على أنَّ أكل مال اليتيم ظُلماً من الكبائر، كما أجمعوا على أنَّ من وُلِيَ يتيماً وكان غنيَّاً؛ فلا يحلُّ له أن يأكُل من ماله شيئاً، لِقولهِ -تعالى-: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)،[١][٢] وتوعَّد الله -تعالى- من أكَلَ مال اليتيم ظُلماً بالوعيد والعذاب الشَّديد يوم القيامة، بقوله -عزَّ وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا).[٣][٤]
كما ويجب فيمن يكون وليَّاً على مال اليتيم أن يجتمع فيه عدّة صفاتٍ هي: التكليف، والإسلام، والعدالة، وآخر الشروط أن يكون ممن لديه القدرة على التصرُّف في ما أُوكل إليه من مال هذا اليتيم، فإن اجتمعت فيه هذه الصفات فيجب عليه أن يقوم على مال اليتيم بضميرٍ وإحسانٍ، والحرص على المحافظة عليه وعدم تضييعه، وعدم الأخذ منه لنفسه دون وجه حقٍّ.[٤]
كما أنَّ أكلَ مال اليتيم ظلماً وتجبُّراً يعدُّ من الكبائر التي حذَّرنا منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: (اجتَنِبوا السَّبعَ الموبقاتِ. قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ وما هي؟ قالَ: الشِّركُ باللَّهِ، والشُّحُ، وقتلُ النَّفسِ الَّتي حرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليتيمِ، والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ، وقَذفُ المحصَناتِ الغافِلاتِ المُؤْمِناتِ)،[٥][٦] وجاء عن الصَّحابة الكِرام أنَّه لمَّا نزل قولهُ -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)،[٧] أصبحوا لا يُخالطوهم في الطَّعام وغيره خشية أن يلحقهم إثمٌ من أكل مال اليتامى، ولكن سمح لهم بِمُخالطتم بالتي هي أحسن،[٨] وبيّن أن النَّهيَ المقصود كان بأكل مال اليتيم بالإسراف والظُلم.[٩]
صور أكل مال اليتيم
توجد العديد من الصُّور التي تدلّ على الأكل من مال اليتيم، وهي ليست مُقتصرةً بالأكل، وإنَّما تشمل جميع الاستعمالات، وتمَّ تخصيص الأكل بالذِّكر؛ لأنَّه الغالب في وجوه الانتفاع، ومن هذه الصور ما يأتي:[١٠]
- عدم المُحافظة على ماله، وتسليمه لليتيم ناقصاً، أو ضمُّ مال اليتيم إلى مال الوصيِّ، لِقولهِ -تعالى-: (وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ).[١١][١٢]
- الاقتراب من ماله لغير فائدة أو إتلافها، وعدم استثمارها بالطَّريقة التي تعود عليه بالفائدة.[١٣]
- الانتفاع به، كأن يشتري الوليّ لنفسه بيتاً أو غيره، أو يشتري منه لليتيم ما لا ينتفع به،[١٤] والقيام بإسرافه وتبذيره.[١٥]
عقوبة أكل مال اليتيم ظلماً
وعد الله -تعالى- من يأكل أموال اليتامى ظُلماً بالنَّار يوم القيامة،[١٦] وذكر أنَّهم يُبعثون يوم القيامة والنَّار تتأجَّج من أفواههم، وعدَّه النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلام- من الكبائر، وممَّا جاء في بيان عُقوبته، قولهُ -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)،[٣][١٧] وحذَّر الله -تعالى- ورسوله -عليه الصلاة والسلام- في كثيرٍ من الأدلَّة من الاقتراب من مال اليتيم بغير وجه حقٍّ، كقوله -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)،[٧][١٨] وجاء عن السديِّ: إنَّ أكل مال اليتيم سببٌ لإخراج النَّار واللّهب من قبر من يأكله، وإخراج النَّار من فمه، ومسامعه، وأُذنيه، وعينيه،[١٩] وثبت في الكِتاب والسُنة والإجماع أنّ أكل أموال اليتيم سببٌ من أسباب دخول النّار.[٢٠]
الحكمة من تحريم أكل مال اليتيم
توجد العديد من الحِكم لتحريم أكل مال اليتيم، ومنها ما يأتي:[١٢][٢١]
- ضعف اليتيم وفَقْده لأبيه وعدم استطاعته الدِّفاع عن نفسه.[٢٢]
- حثّ الشّرْع على العطف على اليتيم والإحسان إليه وسدّ محلِّ والده في ذلك، وأكل ماله مُخالفٌ لهذا كُلِّه.[١٠]
حكم التصرُّف بمال اليتيم
يجوز للوليِّ القائم على شؤون اليتيم أن يتصرَّف بماله بما فيه مصلحةٌ له، فإن كان الوليُّ غنيَّاً؛ فلا يجوزُ له أخذُ شيءٍ من ماله، وإن كان الوليُّ فقيراً؛ فإنه يجوزُ له أخذ الأُجرة من مال اليتيم بما هو معقولٌ من غير استغلالٍ أو تبذيرٌ، لِقولهِ -تعالى-: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ)،[١] ونُقل عن بعض العُلماء كأبي العاليّة وعُبيدة السلمانيِّ أنَّ ما أخذه الوليُّ الفقير عليه أن يردَّه في حال يُسره؛ لأنَّ مال اليتيم على الحظر لا على الإباحة، وإنَّما أُبيح للحاجة فيُردّ بَدَله.[٢٣]
ويجوز للوليِّ الأخذ من مال اليتيم عند الضَّرورة والحاجة على سبيل الاستقراض، وما عدا ذلك فهو من قبيل أكل ماله بالحرام، ويكونُ ضامناً لما استهلكه أو أتلفه؛ لأنَّ الوليَّ قائمٌ على مصلحة اليتيم وماله، فلا يجوز له التصرُّف إلَّا وفق هذه المصلحة،[٢٤] وذهب الحنابلة إلى استثناء ما فرضه الحاكم للغني من الأخذ من مال اليتيم،[٢٥] وذكر ابنُ عباس -رضي الله عنه- حكم الجواز للوليِّ الفقير أن يأخُذ من مال اليتيم بالمعروف، وبما يقدر به على القيام بماله وشؤونه،[٢٦] فالوليُّ هو أمينٌ على أموال اليتيم، ولا يعمل بها إلَّا وفق مصلحة اليتيم ومنفعته.[٢٧]
المراجع
- ^ أ ب سورة النساء، آية: 6.
- ↑ أيمن خميس (2009)، أحكام اليتيم المالية في الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية، غزة: الجامعة الإسلامية، صفحة 28. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة النساء، آية: 10.
- ^ أ ب عمر بن مانع (2007)، حقوق اليتيم في الشريعة الإسلامية، الرياض: جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، صفحة 144. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 144، صحيح.
- ↑ ابن بطال أبو الحسن (2003)، شرح صحيح البخارى (الطبعة الثانية)، السعودية: مكتبة الرشد، صفحة 185، جزء 8. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة الأنعام، آية: 152.
- ↑ محمد بن جرير (2001)، تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 590، جزء 14. بتصرّف.
- ↑ محمد بن جرير، أبو جعفر الطبري (2001)، تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 590، جزء 14. بتصرّف.
- ^ أ ب صالح الفوزان (2002)، إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (الطبعة الثالثة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 350، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 2.
- ^ أ ب محمد القلموني (1990)، تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، صفحة 281، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي (1422هـ)، التفسير الوسيط (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1346، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ عبد الله الغنيمان، شرح فتح المجيد، صفحة 5، جزء 75. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي (1422هـ)، التفسير الوسيط (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفكر، صفحة 287، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي (1418 هـ)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الفكر المعاصر، صفحة 268، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 3743، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ سليمان اللاحم (2003)، حقوق اليتامى كما جاءت في سورة النساء (الطبعة الأولى)، الرياض: دار العاصمة للنشر والتوزيع، صفحة 80، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ مكي القيسي (2008)، الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه (الطبعة الأولى)، الشارقة: جامعة الشارقة، صفحة 1236، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ "عقوبة آكل مال اليتيم"، www.islamweb.net، 30-5-2001، اطّلع عليه بتاريخ 12-4-2021. بتصرّف.
- ↑ عبد الله الغنيمان، شرح فتح المجيد، صفحة 11، جزء 74. بتصرّف.
- ↑ موسى شاهين (2002)، فتح المنعم شرح صحيح مسلم (الطبعة الأولى)، مصر: دار الشروق، صفحة 294، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد المكي (1985)، التيسير في أحاديث التفسير (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الغرب الإسلامي، صفحة 309، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد الآملي، أبو جعفر الطبري (2000)، تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 594، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ خالد المشيقح (2004)، الإفادة من مال اليتيم في عقود المعاوضات والتبرعات (الطبعة السادسة والثلاثون)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 326، جزء 125. بتصرّف.
- ↑ أبو بكر النيسابوري (2004)، الإشراف على مذاهب العلماء (الطبعة الأولى)، الإمارات: مكتبة مكة الثقافية، صفحة 455، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ محمد حسن، أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، صفحة 17، جزء 47. بتصرّف.