أمانة أبي عبيدة وتواضعه

كتابة:
أمانة أبي عبيدة وتواضعه

اتصاف أبي عبيدة بالأمانة

قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يصف أبا عبيدة: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أمِينٌ، وأَمِينُ هذِه الأُمَّةِ أبو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ)،[١]وتتجلّى أمانة أبي عبيدة في رعايته للمسؤوليّات والمهام الموكلة إليه؛ ففي غزوة أحد أحسّ أنَّ هدف المشركين النّيل من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقتله، فظلّ قريباً منه يدافع عنه ويُقاتل بين يديه، ثمّ إذا اضطر للابتعاد عنه أبقى ناظره متوجهاً إليه، فإن رأى الخطر قد اقترب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تقدّم مُسرعاً يذبّ الخطر عنه.[٢]


ثم أحاط جماعة من المشركين بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، ورأى أبو عبيدة سهماً يتوجّه ناحية الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لينتفض بكل قوته ويتخلص من المشركين لكنّه لم يستطع اللّحاق برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولمّا وصل إليه كان السهم قد غرز في وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- والدّم يسيل منه، وقد دخلت حلقات المغفر -رداء من حديد يكون على حجم الرأس يُلبس تحت القلنسوة- في وجنتي الرسول -صلى الله عليه وسلم-.[٢]


فلحق أبو بكر الصديق بالرسول -صلى الله عليه وسلم- لمساعدته، ولكن أبو عبيدة أسرع وطلب من أبي بكر الصديق أن ينزع بنفسه الحلقات من وجنتي الرّسول -صلى الله عليه وسلم-، وجاء في الحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان: (جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالوا: يا رَسولَ اللهِ، ابْعَثْ إلَيْنَا رَجُلًا أَمِينًا فَقالَ: لأَبْعَثَنَّ إلَيْكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ حَقَّ أَمِينٍ، قالَ فَاسْتَشْرَفَ لَهَا النَّاسُ قالَ فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ).[٣][٢]


اتصاف أبي عبيدة بالتواضع

روى ثابت البناني فقال: (كان أبو عبيدةَ أميرًا على الشامِ فخطب فقال : واللهِ ما منكم أحدٌ يَفْضُلُني بتُقًى إلا وددتُ أني في سلامِه)،[٤][٥] وفي طاعون عمواس كتب إليه عمر -رضيَ الله عنه- أنّه يريده، وطلب منه المجيء إليه، وكان حينها أبو عبيدة في مكان انتشر فيه الطاعون، فعلم أبو عبيدة أنّ عمر يريد أن يبعده عن المرض، فردّ عليه قائلاً: (إنِّي في جُندٍ منَ المسلمينَ لَن أرغبَ بنَفسي عنهُم)، فبكى عمر لمّا قرأ ما كتب أبو عبيدة، ثمّ علم أنّه قد مات.[٦]


صفات أخرى لأبي عبيدة

كان أبو عبيدة -رضيَ الله عنه- من أحبّ النّاس لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ ففي الحديث الذي سُئلت فيه عائشة -رضيَ الله عنها-: (أيُّ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَ أحبَّ إليهِ ؟ قالَت: أبو بَكْرٍ ، قلتُ : ثمَّ مَن؟ قالت : ثمَّ عمرُ ، قُلتُ : ثمَّ من؟ قالَت: ثمَّ أبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ، قلتُ: ثمَّ من؟ فسَكَتَت)،[٧] وكانت لهذه المكانة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أثرها في تعظيم الصّحابة واحترامهم لأبي عبيدة، فقد بعثه أبو بكر الصّديق -رضيَ الله عنه- بعد الانتهاء من حروب الرّدة إلى واقعة أجنادين التي انتهت بانتصار المسلمين، كما أمّره أبو بكر الصديق على العديد من الوقائع الأخرى.[٨]


وكان أبو عبيدة -رضيَ الله عنه- حسن الخلق، يُقدّم دائماً المصلحة العامّة التي يجتمع الناس عليها ليبتعد عن أسباب الخلاف والنزاع، مقتدياً بذلك بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا تَخْتَلِفُوا، فإنَّ مَن كانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا)،[٩] إضافة إلى ما عُرف عنه من الإنفاق في سبيل الله، حتّى أنَّه لم يُبقِ لنفسه شيئاً من المال الذي بعثه إليه عمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه-؛ بل قام بتقسيمه وتوزيعه كلّه.[١٠]


التعريف بأبي عبيدة

اسمه عامر بن عبد الله بن الجّراح، وأمّه أُميمة بنت غَنْم،[١١] يعدّ أحد السّابقين إلى الإسلام، أسلم على يد أبي بكر الصّديق -رضيَ الله عنه-، وبايع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قبل دخول الرّسول دار الأرقم، وكان من المهاجرين إلى الحبشة في الهجرة الثّانية، ثم عاد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُشارك معه في غزوة بدر وما بعدها من الغزوات، ولم تنتهي مشاركته في الجهاد بوفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ بل استمرّ مع الخلفاء الرّاشدين من بعده.[١٢]


وكان أبو عبيدة -رضي الله عنه- رحيماً بالمؤمنين، شديداً على الكافرين، وأحد العشرة المبشّرين بالجنّة، كما أنّه يجتمع في النّسب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في فهر، وروى عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- الكثير من الأحاديث، وقد أشار إليه أبو في بكر الصديق -رضي الله عنه- في سقيبة بني ساعدة للخلافة، فقال: (وأرضى لكم أحد الرجلين)، يريد بذلك عمر أو أبو عبيدة -رضيَ الله عنهما-، ولقّبه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأمين الأمّة، رضي الله عنه وأرضاه.[١٣]


المراجع

  1. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم:4382، صحيح .
  2. ^ أ ب ت خالد محمد خالد (2000)، رجال حول الرسول (الطبعة 1)، بيروت:دار الفكر ، صفحة 176-178. بتصرّف.
  3. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن حذيفة بن اليمان ، الصفحة أو الرقم:2420، صحيح .
  4. رواه ابن حجر العسقلاني، في الإصابة ، عن ثابت البناني ، الصفحة أو الرقم:254، إسناده جيد .
  5. محمد عويضة ، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 610. بتصرّف.
  6. شمس الدين الذهبي (1985)، سير أعلام النبلاء (الطبعة 3)، بيروت :مؤسسة الرسالة، صفحة 18-19، جزء 1. بتصرّف.
  7. رواه الترمذي، في سنن الترمذي ، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3657، حسن صحيح.
  8. محمد عويضة ، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 606-607. بتصرّف.
  9. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن مسعود ، الصفحة أو الرقم:2410 ، صحيح .
  10. محمد عويضة ، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 610-612. بتصرّف.
  11. ابن سعد (1968)، لطبقات الكبرى (الطبعة 1)، بيروت :دار صادر ، صفحة 409، جزء 3. بتصرّف.
  12. خالد محمد خالد (2000)، رجال حول الرسول (الطبعة 1)، بيروت :دار الفكر، صفحة 176. بتصرّف.
  13. محمد عويضة ، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 603-604. بتصرّف.
11074 مشاهدة
للأعلى للسفل
×