محتويات
أمثلة مشروحة على التورية
تعدّ التورية لغة مصدر ورّيت، إذًا سترته وأظهرت غيره، أما التورية اصطلاحا فهي أن يذكر المتكلم لفظًا مفردًا له معنيان؛ أحدهما قريب ظاهر غير مراد، والآخر بعيد خفي هو المراد بقرينة، ولكنّه ورّي عنه بالمعنى القريب، فيتوهم السامع لأول وهلة أنه مراد وليس كذلك، وتقوم التورية على ركنين أساسيين، هما كما يأتي:[١]
- المّورى به: وهو المعنى القريب الذي لم يقصده المتكلم ويُظن لأول وهلة أنه المراد من الكلام.
- المّورى عنه: وهو المعنى البعيد الذي يقصده المتكلم، ولكنه يخفى على السامع.
وهناك أمثلة كثيرة على التورية، نذكر منها ما يأتي:
مثال 1
- قول الشاعر ابن سناء الملك:[٢]
أما والله لولا خوف سخطك
لهان على محبك أمر رهطك
ملكت الخافقين فتهت عُجبا
وليس هما سوى قلبي وقرطك
نلاحظ في قول الشاعر (ابن سناء الملك) تورية واضحة في لفظة الخافقين، والتي تعني المشرق والمغرب ولكنه المعنى القريب الذي لا يقصده الشاعر، أما المعنى المقصود فهو قلب الشاعر وقرط المحبوبة، وقد ظهر المعنى البعيد في اللفظ صراحة.
مثال 2
- قوله تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ"[٣]
نلاحظ هنا أن المعنى القريب لكلمة (جرحتم)، يأتي بمعنى الجرح الذي يصيب الجسم، بينما المعنى البعيد المراد حقيقة من كلمة جرحتم هو ارتكاب الذنوب وهو المعنى المقصود من قوله تعالى.
مثال 3
- قول البحتري:[٤]
ووراء تسدية الوشاح مليّة بالحسن
تملح في القلوب وتعذب[٥]
نلاحظ في هذا البيت الشعري البحتري أن التورية جاءت في لفظة (تملح)، فهي المورّى به، وتحمل معنى الملوحة في الأشياء وهي عكس العذوبة، ولكنه مراد قريب لا يُلتفت إليه لأنه بالتأكيد غير مقصود، والأقرب للصحة أنه أراد معنى مورّى عنه بعيد وهو الملاحة والحسن، والذي يبين ذلك اللفظة اللازمة وسبقتها وهي مليّة بالحسن والجمال.[٦]
مثال 4
- قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)[٧]
جاءت التورية من القرآن في الآية الكريمة في كلمة (استوى)، والمعنى القريب لها هو استقرار الله تعالى على العرش تنزّه سبحانه عن ذلك، أما المعنى البعيد فهو السلطة والملك، ولكن لم يذكر في المعنى القريب أو البعيد أي لازمة تدل على المعنيين فهي تورية مجردة.[٨]
مثال 5
- قول الشاعر صلاح الدين الصفدي:[٩]
وصاحب لما أتاه الغنى
تاه ونفس المرء طماحه
وقيل هل أبصرت منه يدا
تشكرها قلت ولا راحه
نلاحظ هنا أن التورية كانت في كلمة "راحه"، فإن بحثنا في ذلك وجدنا المعنى القريب هو راحة اليد وهو معنى غير مقصود، والمراد حقيقة عكس التعب والشقاء في طلب الأشياء فهو المعنى البعيد الذي يخفيه الشاعر.[١٠]
أنواع التورية
ويُشار إلى أنّ للتورية أنواعًا متعددة، وهي على النحو الآتي:[١١]
- المجردة، والتي لا تُذكر فيها أيّ من لوازم المعنى القريب، ولا المعنى البعيد.
- المبينّة، وهنا يُذكر لازم للمورّى عنه وتكون قبل أو بعد لفظ التورية.
- المرشحة، هي التي اقترنت بما يلائم المعنى القريب، وسميت بذلك لتقويتها به؛ لأن المعنى القريب غير مطلوب وغير مقصود، واستخدام اللازمة تقوى به.
- المهيأة، وهذا النوع من التورية يتميز بعدم وقوع التوريّة إلا بلفظ قبلها أو بعدها.
المراجع
- ↑ أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 363. بتصرّف.
- ↑ "أما والله لولا خوف سخطك"، الديوان. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية:60
- ↑ "عارضنا أصلا"، الديوان. بتصرّف.
- ↑ البحتري، ديوان البحتري، صفحة 10644. بتصرّف.
- ↑ ابن حجة الحموي، خزانة الأدب وغاية الأرب، صفحة 539. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية:5
- ↑ عبد العزيز عتيق، علم البديع، صفحة 126. بتصرّف.
- ↑ "وصاحب لما أتاه الغنى"، الديوان. بتصرّف.
- ↑ محمد طاهر اللادقي، المبسط في علوم البلاغة، صفحة 220. بتصرّف.
- ↑ السيد أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة، صفحة 233. بتصرّف.
