أمنا صفية بنت حيي سيرتها وقصص من حياتها

كتابة:
أمنا صفية بنت حيي سيرتها وقصص من حياتها

صفية بنت حيي

صفية بنت حيي هي من أمهات المؤمنين، التي أكرمها الله- تعالى بالزّواج من خير البشر -صلى الله عليه وسلم- وهي صفية بنت حيي بن أخطَب بن سَعية بن ثعلبة بن عُبَيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النَّضير من بني إسرائيل من ذريّة هارون بن عِمْران- عليه السّلام- وأمّها ضَرَّة بنت سَمَوْأل،[١] من بني قريظة، ووالدها كان سيّدبني النّضير، وزعيم اليهود في خيبر،[٢] وأحد علمائها الذين كان عندهم علمٌ بأنّ الرّسول محمد-صلى الله عليه وسلم- قد بُعث، وأصبح نبيًا، إلا أنّه كان من المستكبرين اليهود الذين لم يؤمنوا به؛ لأنّه كان نبيًا من العرب وليس منهم،[٣] وقد كانت صفية بنت حيي متزوجة من سلام بن مشكم القرظي الذي تركها فتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النّضيري أحد الزعماء المشهورين من اليهود والذي قُتل في يوم خيبر،[٢] حتى تزوجها النّبي-عليه السّلام- فأكرمها وأعزّ شأنها؛ لتكون من أمهات المؤمنين.

سيرة صفية بنت حيي

كانت صفية بنت حيي تقطن مع أهلها في خيبر، بعد أن أصبحتخيبر أكبر معقلٍ لليهود، نتيجة إجلاء بنو النّضير، وبنو قريظة إليها؛ بسبب نقضهم للعهود والمواثيق مع الرّسول-عليه الصلاة والسّلام- وكانت خيبر منطقة زراعيّة ومعروفة بقلاعها القويّة حتى غزاهم رسول الله بعد عقد صلح الحديبية في السّنة السّابعة من الهجرة، ومعه ألف وأربعمائة مقاتلٍ ما بين فارسٍ وراجلٍ،[٤] وبعد الانتصار السّاحق على اليهود جاء دحية الكلبي إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يطلب جاريةً من الأسرى، فقال له رسول الله: "اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً"[٥]،[٦] وكانت صفية بنت حيي من الأسرى الذين وقعوا بعد فتح حصون خيبر، فوقع اختياره عليها ثمّ استعادها النّبي-صلى الله عليه وسلم - لأنّها ابنة سيّد بنو النّضير وبنو قريظة واصطفاها لنفسه وخيّرها ما بين الإسلام والبقاء على دينها فاختارت الإسلام،[٧] وأعتقها، وجعل عتقها صداقها، فتزوجها النّبي-عليه السّلام- وأعزّها وأكرمها،[٨] وقد كان عمرها سبعة عشرة سنة،[٩] وقد تزوجها رسول الله-صلى الله عليه وسلم في الطّريق ما بين خيبر والمدينة، حيث مكث فيها ثلاث ليال، وأعدّ لها وليمة على شرفها ودعا المسلمين إليها، وعندما وصلوا إلى المدينة حجبها رسول الله بعباءته تكريمًا لشأنها كونها أصبحت من أمّهات المؤمنين،[١٠] ولقد رأى النّبي-عليه السّلام-أثرًا غريبًا على وجهها بعد أن تزوجها فأخبرته صفية بنت حيي أنّها رأت في منامها رؤيا تبشرها بما ستؤول إليه في المستقبل، فقد رأت بأنّ الشّمس نزلت حتى وقعت على صدرها أو رأت القمر قد وقع في حجرها فذكرت ذلك لزوجها كنانة بن الربيع ، فضربها على وجهها, وأخبرها بأنّها تُريد ملك الحجاز محمّدًا زوجًا وقد بقي أثر اللّطمة على وجهها، فسُرّ النّبي-صلى الله عليه وسلم- بما سمع من البشارة، وأخبرها أنّ الله -تعالى- قد حقّق لها هذه الرؤيا،[١١] وقد أراد النّبي-عليه الصلاة والسلام- من زواجه من صفية بنت حيي إكرامها وتقديرها، فصفية بنت حيي ابنة سيّد بنو النّضير، فزواجه -صلى الله عليه وسلم- منها رفعة لشأنها،[١٢] وتكريم لأصلها وأمّا من ناحية أخرى أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُؤلف قلوب اليهود في دخولهم في الإسلام.[١٣]

قصص من حياة صفية بنت حيي

كانت صفية بنت حيي من النّساء اللاتي امتزنَّ بالجمال والخلق والنسب والحسب مع زهدها وورعها،[١١] وقد كانت معروفة بفطنتها وصفاء عقلها،[٣] وقد روت عن النّبي- عليه الصلاة والسّلام- عشرة أحاديث،[١٤] وروى عنها علي بن الحسين وإسحاق بن عبد الله بن الحارث وكنانة مولاها،[١٥] وكانت زوجات النّبي-عليه السّلام- تغار منها، لكنّ رسول الله كان يرعاها رعاية خاصّة, كونها امرأة غريبة عن قريش، فكلّ نسائه قُرشيّات وكذلك حتى يعوضها خيرًا؛ لأنها فقدت بعضًا من أهلها وقومها،[١٦] ومن مواقفه الدّالة على رعايته لها أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- حجّ بنسائه فبرك جمل صفية فبكت، فلما علِم -عليه السّلام- جعل يمسح دموعها بيده فبقيت تبكي حتى نهاها،[١٧] فقال رسول الله لأمّ المؤمنين زينب بنت جحش: "أفْقِري أُختَكِ جَملًا. -وكانتْ مِن أكثَرِهنَّ ظَهرًا- فقالتْ: أنا أُفقِرُ يَهوديَّتَكَ!  فغضِبَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، وكانت هي تجلّ رسول الله وتحترمه، وتعظّم شأنه، فقد روى الحافظ ابن حجر أنّه في أحد الغزوات أراد رسول الله وضع فخذه حتى تصعد على الفرس فرفضت وضع قدمها على فخذ النّبي -عليه السّلام- ووضعت ركبتها على فخذه إجلالًا وتقديرًا،[١٨] ومن مواقفها التي تبين مدى حرصها على النّصيحة ووعظ النّاس أنّ مجموعة اجتمعوا في بيتها، يذكرون الله تعالى ويتلون القرآن، حتى تلوا آية من الآيات فيها موضع سجدة فسجدوا، فخاطبتهم من وراء حجاب قائلة: "هذا السّجود وتلاوة القرآن، فأين البكاء ؟"[١٩] 

قصة صفية بنت حيي وقدومها إلى المدينة

عندما وصل رسول الله ومعه صفية بنت حيي، أنزلها في بيت الصّحابي الحارث بن نعمان، حتى يُهيأ لها بيتًا بجانب المسجد النّبوي كباقي زوجاته، وحتى يتعرّف عليها نساءه فأخذنّ نساء الأنصار يتوافدنَّ على بيت الحارث بن نعمان؛ ليتأكدوا من حُسنِ إسلامها، وكانت من الوافدات السّيدة عائشة فسألها رسول الله عن رأيها، فقالت: "رأيت يهودية من اليهوديات" فأخبرها رسول الله بأن لا تتكلم هكذا؛ لأنها أسلمت وحسُن إسلامها،[٢٠] فقد ظهرت في هذا الموقف غيرة السّيدة عائشة عندما رأت جمالها، إلّا أن الموقف يُظهر الموقف العدائي لليهود المتأصّل عند المسلمين منذ عهد النّبي موسى لذلك أراد رسول الله أن يُعلِّم المسلمين طريقة التّعامل مع اليهود المسالمين، وأنّ الله -تعالى- أمر بحسن معاملتهم وعدم الإساءة إليهم، إذا لم يعتدوا على المسلمين، وأحلّ الزواج منهم.[٢٠]

قصة صفية بنت حيي مع زواجات النّبي عليه الّسلام

منذ قدوم السّيدة صفية بنت حيي إلى المدينة المنورة، وعيشها مع أمهات المؤمنين، ظهرت الغيرة بينهنّ كطبيعة النّساء، فأخذت زوجات النّبي-صلى الله عليه وسلم- يتنافسنّ في الحصول على رضاه-صلى الله عليه وسلم- إلّا أنّ رسول الله كان يجبر خاطرها وظهر ذلك في الموقف الذي حصل مع زوجته[١]حفصة أنها كانت تُعاير صفية ينت حيي وتخاطبها باليهوديّة وأنها ابنة يهودي، فبكت صفية وواسها رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وقال لها: "وإنَّكِ لابنةُ نَبِيٍّ وإنَّ عمَّكِ لنبيٌّ وإنَّكِ لتحتَ نبيٍّ ففيمَ تفخرُ عليكِ ثمَّ قالَ اتَّقي اللَّهَ يا حفصةُ"[٢١] ومن مواقفها المشهورة في مرض رسول الله الذي تُوفيَ فيه، أنّها تمنّت أن يصيبها ما أصابه -صلى الله عليه وسلم- وكانت زوجاته مجتمعاتٍ عنده فتغامزنّ فيما بينهنّ، فأقسم لهنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنّها صادقة.[٢٢]

حياة صفية بنت حيي بعد وفاة رسول الله

عاصرت صفية بنت حيي عهد الخلفاء الرّاشدين بعد وفاة رسول الله وظلَّت قائمة على سنّته، ففي عهد الخليفة عمر بن الخطّاب ظهر حلمها وتواضعها في موقف الجارية التي أتت إليه تقول له أنّ صفية بنت حيي تذكر أصلها اليهودي، فهي تحب السّبت الخاصّ باليهود، وتتعامل مع اليهود وتزورهم فبعث إليها يسألها، وقد كان جوابها ينمّ عن رسوخ الإيمان في قلبها فقد أخبرته أن الله أبدلها عن يوم السّبت بيوم الجمعة، وأمّا صلتها لليهود فإن لها رحمًا تصلهم، وعاتبت الجاريّة لماذا فعلت ذلك وما الذي دعاها إلى قول هذا الأمر، فقالت لها: إنّ الشّيطان حملها على ذلك فأعتقتها وجعلتها حرة وأمّا في خلافة عثمان وما حدث فيها من مصاعب فقد وقفت في محنته وكانت له عونا في شدته،[٣] حتى تجّمع شمل المسلمين.

وفاة صفية بنت حيي

عاشت السّيدة صفية بنت حيي- رضي الله عنها- في بيت النّبوة ثلاث سنوات فكان يُقسم لها كما يقسم لباقي زوجاته ويعاملها بالّلين ويرعاها ويُظهر لها حبّه،[٢٣] وما زالت نساء النّبي- عليه السّلام- يغرنّ من جمالها، حتى أدركن أنّها أكبر منافسٍ لهنّ في حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد ذكرت أمّ المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أنّها قالت: "ما أرى هذه الجاريّة إلا ستغلبنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" إلا أنّ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كان أكبر مسانديها، يواسيها ويسلّيها، وقد وأدركت صفية بنت حيي زمن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه- ثمّ تُوفيت سنة خمسين للهجرة،[٢٤] وقيل سنة اثنتين وخمسين،[١] وقد حققت كلّ معاني الأخوة والمحبة بينها وبين نساء النّبي-صلى الله عليه وسلم- عندما قدمت لهنّ الحليّ والذهب من باب المودّة لهنّ، وكذلك أعطت فاطمة الزّهراء قرطٌ من ذهب كانت تلبسه في أذنها،[٢٥] وأوصت لعائشة -رضي الله عنها- بألف دينار، وقد دفنت بالبقيع،[٢٦] فرضي الله عنها. 

المراجع

  1. ^ أ ب "صفية بنت حيي"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "الحديث الرابع صفية"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت "السيدة صفية"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
  4. "ملخص أحداث غزوة خيبر"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-26. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1365، حديث صحيح.
  6. "الحكمة من زواج النبي من صفية بنت حيي"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-26. بتصرّف.
  7. "صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-26. بتصرّف.
  8. "صفية أم المؤمنين ( ع )"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-26. بتصرّف.
  9. "صفية أم المؤمنين ( ع )"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-26. بتصرّف.
  10. " قصة صفية بنت حيي بن أخطب"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-26. بتصرّف.
  11. ^ أ ب "السيدة صفية"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 08/08/2020. بتصرّف.
  12. "الحكمة من زواج النبي من صفية بنت حيي"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  13. "(10) صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 08/08/2020. بتصرّف.
  14. " صفية أم المؤمنين"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
  15. "صفية أم المؤمنين ( ع )"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
  16. "(10) صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 08/08/2020. بتصرّف.
  17. " صفية أم المؤمنين"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-26. بتصرّف.
  18. "فضل صفية بنت حيي رضي الله عنها"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
  19. "صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
  20. ^ أ ب "صحابيات صفية بنت حيي"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-17. بتصرّف.
  21. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3894، صحيح.
  22. "السيدة صفية"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
  23. "صحابيات صفية بنت حيي "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
  24. "صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
  25. "صفية أم المؤمنين ( ع )"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
  26. "صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
5979 مشاهدة
للأعلى للسفل
×