أنواع الأنساق الثقافية
لقد ظهرت الأنساق الثقافية إثر تشكل النقد الثقافي، الذي ظهر كردة فعل على أدبية الأدب التي تتناول النص بمعزل عن محيطه، وقد أخذت حيزًا عريضًا في البحث النقدي منذ عدة قرون إلى وقتنا الحالي، فإن النقد الثقافي يتناول النص بشكل أعمق من مجرد الأدبية، بل يتجاوز ذلك إلى معرفة المعاني الخفية التي يحملها النص، [١]وللنقد الثقافي نسقان رئيسان، هما:
النسق المضمر
ظهر النسق المضمر سابقًا على شكل هجاء، الذي يرتبط بالطريقة المناسبة لمواجهة الخصم ودحره، فإن النصوص الأدبية عامة، والشعرية خاصة التي تكثر من المديح، هي في الحقيقة تخبئ معان معينة من الهجاء والتحقير داخل كلماتها كمضمر نصوصي نسقي، وهذا هو الشكل الذي يظهرعليه الخطاب المهيمِن، فإن الغاية المرجوة من النقد الثقافي وتحليل الأنساق الخاصة به، هو كشف اللثام عن الكثير من المغازي التي تتضمنها، ولا تعلن عنها بشكل مباشر.[٢]
إن النقد الثقافي ما هو إلا نشاط أو فعالية تهتم بالأنساق الثقافية بالنص ليس بوصفه مادة جمالية، بل على أنه نسق ثقافي يؤدي وظيفة نسقية ثقافية تضمر ماهو مضاداً للعلن، أي أن النص قد يضم معنيين، معنى ظاهر ومعنى آخر باطن، فيقوم التحليل الثقافي على المقابلة بينهما.[٣]
لقد خرج عبد الله الغذامي لنا بأفكار حداثية تسعى للنهوض بالواقع العربي التي تسيطر على موروثاته وأعرافه، فقد استطاع من الولوج إلى طرق تشريح النص الأدبي، وصولا إلى النقد الثقافي بأنساقه المضمرة.[٤]
- نموذج على النسق المضمر
إن خير مثال نتحدث فيه عن المعنى المضمر في الأنساق الثقافية هو الشعر، فحينما أراد أبو ذؤيب أن يمدح المرأة؛ من باب إعطاء الاحترام والقيمة لها، قال:
"وأصبحت أمشي في ديار كأنها
- خلاف ديار الكاهلية عُور"[٥]
ومن معاني (العور) هوانكشاف الستر، فكان يقصد بأن الأرض الخالية من النساء أرض مكشوفة، وتصبح عورة لغياب المرأة، إلا أن هذا الكلام عزز صورة الموؤودة لدى قبيلة الشاعرالذين أخذوا البيت بمعنى آخر يقصد أن الأرض الخالية من وأد النساء تبقى فارغة.[٦]
النسق العلني
والذي يقصد به المعنى الظاهر، والواضح للقارئ البسيط الذي يتناول المادة اللغوية من الجانب الظاهر اليسير لها، فإن معرفة السياق وإدراكه عملية ضرورية جدا لتذوق النص الأدبي وتفسيره، فكل عمل أدبي يختلف عن غيره في خصائص اللغة المستخدمة داخل العمل لإبداعي.[٧]
- نموذج على النسق العلني
يمكننا القول إن النسق العلني أكثر سهولة، ووضوحا من المضمر الذي يحتاج إلى تفكير وتدبير في النص؛ فمن ضمن النماذج الواضحة، ما قاله الشاعر أبو تمام في ديوانه:
"لا تنكري عطل الكريم من الغنى
- فالسيل حرب للمكان العالي".[٨]
فإن معرفة البيت يتطلب معرفة السياق الثقافي الذي قيل فيه؛ حتى لا يُفهم بمعنى آخر الأمر الذي قد يحرك الأخيلة، والدخول في سياقات أخرى بعيدة عن النص، فيوضح عبد الله الغذامي أن العديد من الأشخاص يتناولون النص بوصفها مقالة دون النظر إلى سياق الكلام والموقف.[٧]
المراجع
- ↑ عبد الله الغذامي، النقد الثقافي، صفحة 13. بتصرّف.
- ↑ عبد الله الغذامي، النقد الثقافي، صفحة 162. بتصرّف.
- ↑ سمير خليل، النقد الثقافي من النص إلى الخطاب، صفحة 7. بتصرّف.
- ↑ سمير خليل، النقد الثقافي من النص إلى الخطاب، صفحة 41. بتصرّف.
- ↑ أبو ذؤيب، ديوان الهذليين، صفحة 138.
- ↑ عبد الله الغذامي، الكتابة ضد الكتابة، صفحة 24. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد اللعة الغذامي، الخطيئة والتكفير، صفحة 13-14. بتصرّف.
- ↑ أبة تمام، ديوان أبي تمام، صفحة 302.