أنواع العذاب المذكورة في القرآن الكريم

كتابة:
أنواع العذاب المذكورة في القرآن الكريم

مفهوم العذاب

العذاب في اللغة: الضرب الشديد، وتدل كلمة العذاب على النكال والعقوبة، وتستعمل كلمة العذاب كذلك لدلالة على الأمور الشاقة، فقد وصف الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- السفر بأنّه قطعة من العذاب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذابِ، يَمْنَعُ أحَدَكُمْ نَوْمَهُ وطَعامَهُ، فإذا قَضَى نَهْمَتَهُ مِن وجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إلى أهْلِهِ"،[١] والفرق بين العذاب والعقاب أنّ العقاب يُنبئُ عن الاستحقاق، فالفاعل يستحق العقاب على فعله، أما العذاب فقد يكون مستحقًا وقد يكون غير ذلك، فالتعذيب المستحق أو المشروع في الإسلام كالحدود والقصاص والتعزيرات، والتعذيب غير المشروع: كتعذيب المظلومين والأسرى ونحو ذلك.[٢]

أنواع العذاب المذكورة في القرآن الكريم

تعددت أنواع العذاب المذكورة في القرآن الكريم، فلا تكاد تخلو سورة من ذكر أنواع العذاب التي ستصيب العصاة والكافرين لقاء أعمالهم، ومن أنواع العذاب الواردة في القرآن الكريم:

العذاب المهين

العذاب المهين ورد في القرآن الكريم بحق الكافرين بالله -تعالى- والمنافقين، ففي حق الكافرين فقد قال سبحانه: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}،[٣] فهذه الآية نزلت في اليهود حيث بخلوا بأموالهم أن ينفقوها في سبيل الله تعالى، وكذلك أمروا الأنصار ألّا ينفقوا من أموالهم مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهم أيضًا يكتمون ما في التوراة من أمر الرسول -صلّى اللهع ليه وسلّم- ووجوب إتباعه،[٤] وقال الله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ}،[٥] فهذه الآية أيضًا نزلت في حق اليهود، حيث إنّهم كفروا بما جاء به الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- حسدًا وليس لشك أو اشتباه بما جاء به، حيث كانوا يتمنون أنّ تكون النبوة فيهم، فكانوا بذلك يستحقون الغضب من الله تعالى؛ بسبب تضييعهم للتوراة وتبديلها وبسبب كفرهم بالإسلام،[٦] وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}،[٧] فقد قال ابن عباس -رضي الله عنه- أنّ هذه الآية نزلت في الذين طعنوا في الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عندما تزوج من صفية بنت حيي بن أخطب، فقد توعدهم الله -تعالى- بالطرد من رحمته وبالعذاب المهين في النار.[٨]

العذاب العظيم

توعد الله -تعالى- العصاة المذنبين في القرآن الكريم بالعذاب العظيم، ففي حادثة الإفك يقول الله -تعالى- للخائضين في أمر عائشة رضي الله عنها: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}،[٩] فالله -تعالى- برحمته وفضله لم يُعجّل العقوبة لهم لقاء كذبهم،[١٠] وفي قطع الطريق والخروج على الناس بالسلاح وهو ما يطلق عليهم بقطاع الطريق أو المفسدون في الأرض قال سبحانه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}،[١١] فهؤلاء يرجع أمرهم إلى ولي الأمر، فإذا كانوا قد يقتلوا يقتلون، وإذا أخذوا أموال الناس يقتلون أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو يُحبسون أو يُشردون في البلاد، وهذا كله عائد إلى ولي الأمر فيما يراه من مصلحة المسلمين،[١٢] وفي القتل العمد لمؤمن قال سبحانه: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}،[١٣] فهذه الآية نزلت في مقيس الكناني، وكان قد أسلم وعندما علم بمقتل أخيه هشام في بني النجار ولم يُعلم من هو القاتل، فقام بقتل رجل يٌقال له الفهري من بني نجار وهرب إلى مكة كافرًا مرتدًا، وعند فتح مكة ودخول المسلمين إليها أمرهم الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بقتله، فالذي يرتكب الكبائر في الإسلام لا يُخلد في النار إلّا إذا كان مستحلًا لها،[١٤] وفي العذاب المهين زيادة في الإهانة والتحقير والإذلال والخزي عن ألم العذاب، وقد يُقرن بين العذاب المهين والعذاب العظيم كما في قول الله تعالى: {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ۖ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}،[١٥]فقد توعد الله -تعالى- من يسخر ويستهزئ بآياته بالعذاب المهين والعذاب العظيم في نار جهنم.[١٦]

العذاب الأليم

والعذاب الأليم هو العذاب المؤلم الموجع، وقد قال سبحانه في حق المنافقين: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}،[١٧] ووصف الله -تعالى- في القرآن الكريم العذاب بالأليم في ثلاثين موضعًا تقريبًا،[١٨] وقال سبحانه في حق من يبيعُ دينه وإيمانه من أجل دنياه ويشتري بها ثمنًا قليلًا: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}،[١٩] فهولاء لا يكلمهم الله -تعالى- يوم القيامة كلامًا يسرهم، ولا ينظر إليهم بالرحمة والخير، ولا يُثني عليهم ولا يطهرهم من الذنوب،[٢٠] وقال سبحانه في حق الذين يخترصون الكذب عليه ويتخلقونه ويقولون هذا حلال وهذا حرام من عند أنفسهم ومن غير علم: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}،[٢١] فهؤلاء لن يخلدوا في الدنيا فمتاعهم فيها قليل ومن ثم لهم العذاب الأليم لقاء كذبهم على الله تعالى،[٢٢] وفي القرآن الكريم أنواع أخرى من العذاب كالعذاب الشديد، والعذاب المقيم، والعذاب الغليظ، وعذاب السعير، وعذاب الجحيم.[٢٣]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:5429، حديث صحيح.
  2. "العذاب"، al-maktaba.org، 2020-05-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  3. سورة النساء، آية:37
  4. "تفسير: (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا)"، www.alukah.net، 2020-05-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية:90
  6. "تفسير: (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله) "، www.alukah.net، 2020-05-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  7. سورة الأحزاب، آية:57
  8. "الأحزاب"، al-maktaba.org، 2020-05-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  9. سورة النور، آية:14-15
  10. "القول في تأويل قوله تعالى " ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا ""، islamweb.net، 2020-05-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  11. سورة المائدة، آية:33
  12. "تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...}"، binbaz.org.sa، 2020-05-21، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
  13. سورة النساء، آية:93
  14. "تفسير قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها "، islamweb.net، 2020-05-21، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
  15. سورة الجاثية، آية:9-10
  16. "تفسير آية 10"، quran.ksu.edu.sa. بتصرّف.
  17. سورة البقرة، آية:10
  18. "ألفاظ العقاب في القرآن"، www.islamweb.net، 2020-05-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  19. سورة آل عمران، آية:77
  20. "تفسير آية: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ...) "، www.alukah.net، 2020-05-21، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
  21. سورة النحل، آية:116-117
  22. "تفسير: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا)"، www.alukah.net، 2020-05-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  23. "آيات ورد فيها عذاب أليم"، www.almaany.com، 2020-05-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
12341 مشاهدة
للأعلى للسفل
×