أنواع المسرحية وتاريخها

كتابة:
أنواع المسرحية وتاريخها



نشأة المسرحية في الأدب الغربي

لقد كان لظهور المسرحية ونشأتها في العالم جذور اختُلف عليها، وتفصيل ذلك كما يأتي:


بدايات ظهور المسرحية

كانت البدايات الأولى لظهور المسرحيات عند الغرب لدى اليونان، حيث ظهرت المسرحيات الإغريقية التي جاءت نتيجة معتقداتهم الدينية، فلمّا تنوّعت مظاهر الطّبيعة اعتقد اليونان بوجود إله لكلٍّ من هذه المظاهر، وأبرز ما آمنوا به كان الإله "ديونيسوس" أو "ياخوس" إله النماء والخصب.[١]


أمّا الإنكليز، فقد نشأت لديهم المسرحية أيضًا من منبعٍ ديني؛ لأنّ طقوس العبادة في المذهب "الكاثوليكي" تحوي العديد من مظاهر المسرح كالغناء والموسيقى، وإلقاء الكلمات الخطابية، ولبس الألوان الزاهية وغيرها.[١]


لمّا كان عامّة الشّعب أميًّا لا يتقن القراءة والكتابة، لجأ رجال الكنيسة إلى تمثيل قصص التوراة ليعرفها العامة، فمثّلت بدايةً باللغة اللاتينية ثمّ الإنكليزية.[١]


موضوعات المسرحية

أمّا موضوعات هذه المسرحيات، فقد كان دينيًّا فقط في بداية الأمر، ثمّ ما لبث أن أُدخل عليه بعض الدروس الأخلاقية، واستمرّت هذه المسرحيات إلى أوائل القرن السّابع عشر، في القرن السادس عشر ظهر نوع جديد من أنواع المسرحيات كان يعرض في حفلات الطبقات العليا، فيملؤون به الفراغ بين وقتين، وقد سُمّيت "رواية الفترة".[١]


أمّا المسرحية الرومانية، فقد كانت تقليدًا للمسرحيّة اليونانية، وأوّل من اشتهر من كتّاب المسرح الروماني "بلوتس" و"ترنس" اللذَين يعود إليهما فضل إحياء بعض الملاهي الإغريقية، وكان لهؤلاء أثر واضح فيما بعد، فقد أخذت معظم المسرحيات الأوروبيّة الحديثة موضوعاتها عن "بلوتس".[١]


أمّا المأساة فكاتبها "سنكا" الذي كان له أثرٌ واضحٌ في المأساة الأوروبية أيضًا، أما فرنسا فقد أخذوا أصول هذا الفن عن الرومان والإغريق، وقد تأثّروا تأثّرًا كبيرًا بكتاب الشّعر لأرسطو، واستطاعوا أن ينشئوا مذهبًا مستقلًّا هو المذهب الاتّباعي، وهكذا فقد كانت المسرحية في كل ما جاء بعد المسرحية الإغريقية يخطو خطوها.[١]


ظهور المسرحية في الأدب العربي

يرى بعضهم أنّ المسرحية العربية أقدم من الإغريقية، وتفصيل الآراء فيما يأتي:


المسرحية العربية وعلاقتها بالفراعنة

لقد ذكر المؤرّخ "هيرودوت" الإغريقي إلى أنّ أوّل ظهور للمسرحيّة لدى العرب كان عندما قام كهنة مصر بإجراء طقوسهم الدّينيّة في عرض تمثيلي يستمد قصصه من بحث "إيزيس" عن "أوزوريس"، وقد بقيت هذه المسرحيات تمثّل إلى القرن الخامس قبل الميلاد.[١]


كانت أحداث القصّة تدور حول "إيزيس" التي تبحث عن جثة زوجها "أوزوريس" ويساعدها ابنها "حورس" الذي ينتقم من "ست" إله الظلمة لأنّه تسبّب في موت والده، ويتمكنّان أخيرًا من إعادة "أوزوريس" إلى الحياة.[١]


ذكر "هيرودوت" أنّ الإغريق قد أخذوا فن المسرح عن الفراعنة القدماء، وثمّةَ نقطة مشتركة بين المسرحيتين، وهي أنّ كلاً من "أوزوريس" و"دنيسوس" يرمز إلى النماء والخصب، ولمّا دخل العرب إلى مصر، وانتشر الإسلام ظهر الأدب العربي، وظهرت فيه بعض أصول الأدب المسرحي، إلّا أنّها لم تكتمل وتتطوّر كباقي الأمم.[١]


المسرحية بعد الإسلام

من الصّور التي ظهرت فيها إرهاصات المسرح تمثيل الشّيعة لقصّة مقتل الحسين، كذلك قد ظهر في عهد الخليفة العباسي المهدي رجل صوفي عرف بالتقوى والصّلاح، وكان يخرج في يومين من الأسبوع يرشد الناس إلى ما فيه هدايتهم، وهذا العمل هو يشبه إلى حدّ ما "المسرحية الأخلاقيّة" التي اعتنت بها الكنيسة فيما بعد.[١]


كذلك هناك مظهر آخر من مظاهر التمثيلية، وهو روايات خيال الظل أيام المماليك والأيوبيين التي كانت تدور بدايةً حول ملهاة الطبقة العليا من الشعب، ولعلّ أشهر من ألّف في هذا النوع "ابن دانيال الكحال" الذي توفي سنة 710هـ، ومن الروايات المشهورة في هذا الصنف رواية "غريب وعجيب".[١]


بقي المسرح على هذه الحال؛ إذ لم يكن العرب في حالة من القوّة والنهضة تمكّنهم من التطوير والتّكميل، فقد تعرّض العرب في هذا الوقت إلى ضغوطات متعدّدة من قبل القوى الحاكمة التي أمسكت العرب.[٢]


أدى ذلك إلى انتشار الجهل والتّخلّف بين الناس، فانصرفت اهتمامات العرب من الإبداع إلى الأمور الحياتية المهمة، فالمسرحية الحديثة بشكلها الحالي لم يعرفها العرب إلّا بعد عصر النهضة، وبعد الاتّصال بالآداب الغربية.[٢]


أنواع المسرحية

ظهرت المسرحية في بادئ الأمر على نوعين رئيسين هما "المأساة" و"الملهاة"، ثمّ نشأت فيما بعد أنواع ثانوية أخرى، وهذه الأنواع هي: الميلودراما أو "المسرحية الموسيقية"، والماسك، والمسرحية الشعرية، والمسرحية الفكرية، والمسرحية الاجتماعية، وفيما يأتي بيان ذلك.[٣]


المأساة

هي نوع من أنواع العمل الدرامي الذي يقوم على قصة جادة تدور أحداثها حول بطل معيّن، وتنتهي إلى نهاية مصيرية لبطل هذا العمل، وقد نشأ هذا الفن الأدبي اليوناني في بداياته على شكل مسرحيات دينية،[٤] وذلك عندما وضع "أسخيلوس" أوّل مسرحية شعرية وهي "الضّارعات" عام "525-456" ق. م.[١]


انتقل هذا الفن إلى المؤلفين الإنكليز خصوصًا، ومن بعدهم إلى الأوروبيين، وذلك مثل المسرحي الإنكليزي الأشهر "وليام شكسبير"، وجاء بعده الألماني "غوته"، بعدها انتقلت إلى الإنسان البطل في عصر النهضة، ولاحقًا لم تعد البطولة تستخدم إلا للدلالة على الشخصية الرئيسة في المسرحية.[٤]


أصبح مفهوم المأساة في العصور الحديثة مرتبطًا بنهايتها الحزينة التي تتطلب هزيمة البطل أو موته.[٤]


الملهاة

هي عمل درامي مسرحي تتصف شخصياته بالمرح؛ إذ تكون فيها من التناقض والمفارقات، ما يجعلها مرحة تبعث الفرح والسرور في النفس، ويقصد من هذا النوع من المسرحيات الإمتاع والتسلية مع إيصال المعنى المراد،[٤] ظهر هذا النوع في أوائل القرن السابع عشر.[٤]


أخذ مظهرين: الأوّل يقوم على قصّة جادة؛ فتسير أحداث المسرحية إلى نهاية مأساوية إلى أن يظهر في آخر مشهد اثنين كوميديين يحملان طابعًا سعيدًا، والثاني يخلط بين المأساة والملهاة في كل أجزاء المسرحية.[٤]


تمتاز الملهاة بتناولها للشخصيّات غير المهمّة، كما تهتم بأمور الحياة العامة، وتنقسم الملهاة إلى عدة أنواع، وأهمّها ما يأتي:[٤]

  • الملهاة الرومانتيكية

هذه الملهاة تكون عادة قريبة من مفهوم الرواية المعروف اليوم، ومن أبرز كتّابها وليام شكسبير، ولعلّ أبرز مسرحيّاته في هذا المجال:مسرحيّة روميو وجولييت.

  • ملهاة الأخلاق

تحكي هذه الملهاة الأوضاع والأمور المعروفة في الحياة المعاصرة، وهذا النوع قريب من القصة، وهذا النوع من المسرحيات يتناول نوعًا من التجربة غير مألوف لدى الناس كثيرًا، ويعالجه معالجة أقرب إلى العطف عليه، ومن أبرز كتّابها الكاتب جورج برنارد شو ولعلّ أبرز مسرحياته في هذا المجال مسرحية "ثلاث مسرحيات للمتطهرين".


الميلو دراما: المسرحية الموسيقية

لقد بدأ استخدام هذا المصطلح مع بداية القرن التاسع عشر الميلادي، وقد كانت أول ميلودراما كاملة كتبها جان جاك روسو، فالميلو دراما تعني المسرحية الموسيقية، وهذا المدلول لا يدلّ على شيء محدّد نوعًا ما؛ إذ تعتمد هذه المسرحية على الوقائع أكثر من اعتمادها على الشّخصيّات، وتميل إلى العواطف الحادة، وتهمل المعنى الكوميدي.[٤]


الماسك

هذا النوع هو ليس بمسرحية، إنّما يشبه المسرحيّة، وهو نوعٌ من الاحتفال في الهواء الطلق، وقد اشتهر في إنجلترا في القرن السادس عشر وبدايات القرن السابع عشر، وهذا النوع يختص بحفلات أعياد الميلاد.[٤]


يتضمّن الحديث العاطفي، والحوار، والملابس، والمناظر، والموسيقى، والرقص، ولكن على أن تربط بين هذه العناصر جميعها قصّة بسيطة تحمل رمزًا بسيطًا.[٤]


أكثر مكانٍ كانت قد انتشر به هذا النوع من المسرحيات هو بلاط الملوك، حيث يمثّل أدوار هذه المسرحية النبلاء ورجال البلاط، ولمّا اشتهر هذا النوع اتّجه إليه أفضل الكفايات في الموسيقى والمسرح والزخرفة، لكنّ هذه الحفلات كانت تكلّف أثماناً باهظة.[٤]


أشهر الكتّاب في هذا النوع هو: "بن جونسون"، وأشهر ماسك أُلّفت هي "Camus" التي ألّفتها "ملتن".[٤]


المسرحية الشعرية

تقوم هذه المسرحية على تصوير مأساة تاريخية، وهذه المسرحية تكون لغتها لغة شعرية، حيث يوظّف الكاتب في هذا النوع من المسرحيّات الشّعر في شعر المعاني التي يريد أن يخرج بها من المسرحيّة، وهذا النوع من المسرحيّات هو نوع كثير الانتشار.[٤]


ظهر هذا النوع في بواكير ظهور المسرح منذ ظهور البدايات الإغريقية وكذلك الفراعنة، ومن أشهر المسرحيات التي كتبت في هذا النوع من المسرح عند العرب: مسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقي.[٤]


المسرحية الفكرية

يسمّى كذلك المسرح الذهني، إنّ هذا النوع من المسرحيات يتناول الكاتب فيه الصّراع في هذه الحياة بمختلف أشكاله، ولا سيّما مشكلة الصراع بين الخير والشر، ذلك الصراع الأزلي، وكذلك تتناول هذه المسرحيات المشكلات الإنسانية الكبرى.


ظهر هذا الفن على يد توفيق الحكيم في مسرحية أهل الكهف التي كتبها عام 1933م، وأشهر من كتب في هذا المجال المسرحي هو توفيق الحكيم نفسه في مسرحيّاته الأسطوريّة، وهذا النوع من المسرحيات من الصعب تمثيله على خشبة المسرح، ومنها: مسرحية بجماليون لتوفيق الحكيم.[٤]


المسرحية الاجتماعية

هذا النوع من المسرحيات هو النوع الذي يتناول المشكلات الاجتماعية، ثمّ يقترح لها حلولًا لمعالجتها، فهذه المسرحيات تقدّم صورة آنية عن المجتمع، وقد كانت الصّحف تنشر هذا النوع أحيانا، لذا كانت هذه المسرحيات ذات فصل واحد.


هذه المسرحية هي من المسرحيات قليلة الحضور على الساحة الفنيّة وتسمّى باللغة الإنجليزية One - act play، ومن أمثلتها مسرحية "ميجور باربرا" أو "الرائد باربرا" لجورج برنارد شو.[٤]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س عمر الدسوقي، المسرحية نشأتها وتاريخها وأصولها، صفحة 5 - 20. بتصرّف.
  2. ^ أ ب علي صابري، المسرحية نشأتها، ومراحل تطورها ودلائل تأخر العرب عنها، صفحة 1 - 17. بتصرّف.
  3. ابتسام شيبان، سيكولوجيا الشخصية في المسرح الجزائري، صفحة 5 - 14. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط عز الدين إسماعيل، الأدب وفنونه دراسة ونقد، صفحة 138 - 150. بتصرّف.
4967 مشاهدة
للأعلى للسفل
×