أنواع كفالة اليتيم
إنّ كفالة اليتيم بإحضاره إلى بيت الكافل وضمّه إلى أسرته من أعلى مراتب الكفالة، حيث يتربّى مع الأبناء ويأكل ممّا يأكلون، ويُعامل مثلهم، وينال مثل ما ينالون من الرعاية والإحسان والتربية، وتستمر هذه الكفالة حتى يبلغ اليتيم سنّ البلوغ، وقد كان هذا الشكل من الكفالة هو السائر بين الصحابة -رضوان الله عليهم-، وذلك بحسب ما ورد في السنة النبوية الشريفة، فقد جاءت زينب زوجة عبد الله بن مسعود وامرأةٌ من الأنصار تسألا رسول الله إن كانت تُجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتامٍ في حجورهما، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لهما أجْرانِ: أجْرُ القَرابَةِ، وأَجْرُ الصَّدَقَةِ).[١][٢]
وتتحقّق الكفالة أيضاً من خلال الإنفاق على اليتيم دون وجوده في بيت كافله، كما هو الحال في عصرنا، فيدفع الكافل النفقة لليتيم نفسه أو لِمن يتولّى أمره، أو يقوم بدفع النفقة للجمعيات الخيرية التي توصلها لمُستحقّيها، وهذه المنزلة أدنى من المنزلة الأولى، لكنّها متضمَّنةً لكفالة اليتيم، ومن يقوم بها يدخل في قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا)،[٣] أمّا فيما يتعلّق بمقدار المبلغ المدفوع، فإنّ ذلك يعتمد على المستوى المعيشي في البلد الذي يعيش فيه اليتيم، بحيث يغطّي المبلغ الحاجات الأساسية له دون الكماليّات، فيغطّي مأكله، ومشربه، وملبسه، وتعليمه، ومسكنه، بحيث لا يشعر فيه بالاختلاف عن أبناء عمره ممّن ليسوا أيتاماً، ويجوز أن يشترك أكثر من شخصٍ في كفالة اليتيم الواحد.[٢][٤]
ويقوم بعض الناس بدفْع المال إلى بيت الأيتام، بحيث يتمّ الإنفاق منه على جميع من تتولّى رعايتهم هذه الدار؛ فإن كان كافياً للنفقة والرعاية فهي كفالة، وينال صاحبه به أجر كافل اليتيم برفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنّة، وإن لم يكن كافياً ينال الأجر والثواب بقدر ما دفعه، ولربّما نال به الأجر الأكبر كونه قد نفع به عدداً أكبر من الأيتام،[٥] ويُطلق لفظ الوَصاية -بفتح الواو- على من يُعيّنه الوليّ أو القاضي من أجل حفظ ورعاية مال اليتيم، وفي الاصطلاح الشرعي هي استخلاف شخصٍ يقوم على القاصر بالتعهّد والرعاية، والوصيّ بعد الموت هو مَن يستخلفه الميت قبل وفاته للتصرّف في أمواله وممتلكاته، والوصيّ هو من يُعيّنه الأب أو الجد قبل الوفاة على القاصر أو فاقد الأهلية أو ناقصها، ليقوم برعايته والتصرّف في أمواله.[٦]
فضل كفالة اليتيم
إنّ لكفالة اليتيم فضائل عديدة، وفيما يأتي بيانٌ لها:[٧]
- الحصول على الأجر المضاعف إن كان اليتيم من الأقارب؛ فيحصل على أجر الصدقة وأجر القرابة.
- الدلالة على الاتّسام بالطيبة، والتعامل بأصل الفطرة السليمة.
- المسح على رأس اليتيم وكفالته وتطييب خاطره يُليّن القلب ويُذهب القسوة عنه، وتعود على الكافل بالخير العظيم في الدنيا والآخرة.
- انتشار المودّة والمحبّة بين أفراد المجتمع المسلم، والبعد عن الحقد والكراهية.
- دلالة على محبّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، لأنّ في الكفالة إكرام وإحسان لمن كان يتيماً مثله -عليه الصّلاة والسّلام-.
- تطهير المال وتنميته، وحصول البركة والتوسّع فيه، كما أنّها من الأخلاق الفاضلة التي عظّمها الإسلام ومدح صاحبها.
- دلالة على تخلّق المرأة بأخلاق الإسلام وصلاحها إذا قامت برعاية أبنائها بعد وفاة زوجها، وفوزها بالجنّة.
- مرافقة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الجنّة،[٧] فقد قال رسول الله: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا)،[٨] فما بين منزلة النبي في الجنّة وكافل اليتيم كما بين السبّابة والوسطى.[٩]
- كفالة اليتيم والنّفقة عليه من أعظم أبواب الخير التي حثّت الشريعة عليها، قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).[١٠][٩]
- الرحمة بأبناء مَن مات من المسلمين، والإحسان إليهم، وقضاء حاجاتهم، فمَن كان محسناً معهم أحسن الله إليه.[١١]
والأطفال غير معلومي الأب والأم يأخذون حكم اليتيم في هذه المسألة، ولعلّهم أشدّ حاجة للعطف والحنان وتقديم الرعاية اللازمة، وذلك لعدم وجود ومعرفة أحدٍ من أقاربهم يلجؤون إليه عند الحاجة، مع ضرورة التنبّه إلى عدم جواز إضافتهم إلى دفتر العائلة، لِما في ذلك من ضياعٍ للأنساب، كما يجب مراعاة الأحكام الشرعية بعد بلوغه سنّ الرشد من حُرمة الخلوة والنظر وما إلى ذلك، إلا إذا وُجد رضاع يحلّل ذلك.[١٢]
مدة كفالة اليتيم
يبقى اليتيم تحت جناح العائلة التي تكفله حتى يعتمد على نفسه أو يستطيع أن يستغني عنهم، ويصل إلى هذه المرحلة بإنهاء مرحلة التعليم والحصول على العمل، أمّا البنت المكفولة فالمدّة إلى زواجها، قال -تعالى-: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)،[١٣][١٤] وتستمر كفالة اليتيم حتى وصوله سنّ البلوغ، فإذا بلغ وكان محتاجاً أو فقيراً يُعطى من المال على وجه الصدقة وليس الكفالة،[١٥] وعندما يبلغ يرتفع عنه وصف اليُتم،[١٤] والأصل في مسؤولية رعاية الأبناء أنّها تقع على عاتق الوالدين، فإن فُقد الآباء انتقلت هذه المسؤولية إلى الأقارب بالتدريج، فإن عجزوا انتقلت هذه الرعاية إلى المجتمع.[١٦]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 1000، صحيح.
- ^ أ ب حسام الدين عفانة (1430)، فتاوى يسألونك (الطبعة الأولى)، الضفة الغربية: مكنبة دنديس، صفحة 230-232، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 6005، صحيح.
- ↑ حسام الدين عفانة (2010)، فتاوى د حسام عفانة، صفحة 65، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 16007، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ تسنيم استيتي (2007)، حقوق اليتيم في الفقه الإسلامي، صفحة 52. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، جدة: دار الوسيلة للنشر والتويع، صفحة 3264، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 5304، صحيح.
- ^ أ ب حسام الدين عفانة (1430)، فتاوى يسألونك (الطبعة الأولى)، الضفة الغربية: مكتبة دنديس، صفحة 299، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 215.
- ↑ محمد الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 9، جزء 255. بتصرّف.
- ↑ محمد المنجد (2009)، القسم العربي من موقع (الإسلام، سؤال وجواب)، صفحة 634، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 6.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 72، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فتاوى اللجنة الدائمة، الرياض: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، صفحة 242، جزء 14. بتصرّف.
- ↑ التكافل الاجتماعي، السعودية: الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 21. بتصرّف.