محتويات
ما هي أهم موضوعات شعر بشار بن برد؟
اشتُهر العصر العباسيّ بغناه الأدبيّ ولمع فيه أسماء لقامات كبيرة، ومن أشهرهم: بشّار بن برد الّذي عُرف بفصاحته وقوّة شعره، ولم يعتمد ابن برد على موضوع شعريّ واحد، بل نوّع بين الفخر والغزل والهجاء والرثاء والمدح والحكمة كل هذه الموضوعات كان لها نصيب في شعره الّذي لم يصل كاملًا إلينا؛ لضياع جزء كبير منه.[١]
الفخر
لم يقصّر بشّار في هذا الغرض فقد أعطاه حقّه فحمّل الألفاظ الرّصينة معاني حماسيّة عالية؛ ليُحمّس قلوب الرّجال ويُنفث فيهم روح الشّجاعة والبسالة، وكثيراً ما نجده في شعره يفخر بالعرب تارة وبالفرس أخرى، كما أنّه كان يكثر من فخره بنفسه.[٢]
من قصائده التي يفخر فيها بنفسه:
عَبدَ إِنّي إِلَيكَ بِالأَشواقِ
- لِتَلاقٍ وَكَيفَ لي بِالتَلاقي
أَنا وَاللَهِ أَشتَهي سِحرَ عَينَي
- كِ وَأَخشى مَصارِعَ العُشّاقِ
وَأَهابُ الحَرسِيَّ مُحتَسِبَ الجُن
- دِ يَلُفُّ البَريءَ بِالفُسّاقِ
فَاِصبِري مِثلَما صَبَرتُ فَإِنَّ ال
- صَبرَ حَظٌّ مِن صالِحِ الأَخلاقِ[٣]
الغزل
اشتهر بشار بالتفنن في الغزل، ونراه أحيانًا يقترب من القدماء في نظمه لشعره الغزلي، وأكثر ما قاله في الغزل كان ضمن العصر الأموي، ونجد أنّ أبياته الغزليّة فيها طابع عصره الأوّل فألفاظه أمويّة وعباراته كذلك، ففي غزله العفيف نجده لينًا ذا قلب رقيق، ينتابه الشّوق ساعة والحنين إلى المحبوبة ساعة أخرى فهو يشكو الغرام وألم الفراق.[٤]
يقول في إحدى قصائده:
أَبيتُ أَرمَدَ ما لَم أَكتَحِل بِكُمُ
- وَفي اِكتِحالٍ بِكُم شافٍ مِنَ الرَمَدِ
وَكُلُّ حِبٍّ سَيَستَشفي بِحِبَّتِهِ
- ساقَت إِلى الغَيِّ أَو ساقَت إِلى الرَشَدِ
إِنّي وَعَيشِكِ يا عَبّادَ فَاِستَمِعي
- لَو أَبتَغي فَوقَ هَذا الحُبِّ لَم أَزِدِ
كَأَنَّ قَلبي إِذا ذِكراكُمُ عَرَضَت
- مِن سِحرِ هاروتَ أَو ماروتَ في عُقَدِ
ما هَبَّتِ الريحُ مِن تِلقاءِ أَرضِكُمُ
- إِلّا وَجَدتُ لَها بَرداً عَلى الكَبِدِ
وَلا تَيَمَّمتُ أُخرى أَستَسِرُّ بِها
- إِلّا وَجَدتُ خَيالاً مِنكِ بِالرَصَدِ[٥]
الهجاء
هو من الموضوعات الأولى الّتي نظم فيها بشّار بن برد شعره؛ لاضطرام ناره بين جميع الشّعراء، خاصةً بين علمي الهجاء في ذلك العصر: جرير والفرزدق، فكان من الطّبيعيّ أن يجري على لسانه وهو لم يبلغ العاشرة من عمره حتى، فغلب هجاؤه على مدحه.[٦]
كان الناس يشكو بشار لأبيه فكان يضربه ضربًا مبرحًا؛ ليُثنيه عن هجائهم ولكنّ بشّار كان يُجيبه: قل لهم: {لَيسَ عَلَى الأَعمى حَرَجٌ}، فعادوا يُرددون شكواهم لبرد ابنه فتلا عليهم الآية فانصرفوا وهم يقولون: فِقه برد أغيظ لنا من شعر بشّار، وقد كان يقول بشّار: هجوت جريرًا فأعرض مني واستصغرني، ولو أجابني لكنت أشعر النّاس.[٧]
من أبرز قصائده في الهجاء، قوله في هجاء عمرو بن العلاء التميمي النحوي المعروف، إذ يقول:
اِرفُق بِعَمرٍو إِذا حَرَّكتَ نِسبَتَهُ
- فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ مِن قَواريرِ
ما زالَ في كيرِ حَدّادٍ يُرَدِّدُهُ
- حَتّى بَدا عَرَبِيّاً مُظلِمَ النورِ
إِن جازَ آباؤُهُ الأَنذالُ في مُضَرٍ
- جازَت فُلوسُ بُخارى في الدَنانير[٨]
الرّثاء
كان للرثاء نصيب من شعر بشّار بن برد، فعندما نسمعه يرثي أحدًا نكاد نبكي معه لشّدة رصانته للأبيات وقوّة حبكه لأساليبه، ولعلّ من أشهر الحوادث الّتي ساقته إلى الكتابة في هذا الغرض هو موت ابنه محمّد الّذي جزع عليه، فقال له من يُواسيه: أجـر قدمته وفرط افترطته، فقال: ولـد دفنتـه، وثكل تعجلته، وغيـب وعدتـه فانتظرتـه، والله لـئن لـم أجزع للنقص لا أفراح للزيادة، وقال:[٩]
أَجارَتَنا لا تَجزَعي وَأَنيبي
- أَتاني مِنَ المَوتِ المُطِلِّ نَصيبي
كَأَنّي غَريبٌ بَعدَ مَوتِ مُحَمَّدٍ
- وَما المَوتُ فينا بَعدَهُ بِغَريبِ
صَبَرتُ عَلى خَيرِ الفُتُوِّ رُزِئتُهُ
- وَلَو لا اِتِّقاءُ اللَهِ طالَ نَحيبي [١٠]
المدح
حافظ بشّار على معالم شعر المدح من التّراث القديم، فنرى فيه جزالة الصّياغة ومتانة الجمل ورصانتها، كما تمثّل مضمون المدّاحين القدامى في المنهج، إذ كانوا يستهلون قصائدهم بالوقوف على الأطلال والنّسيب والغزل ووصف البعير ورحلتها ثمّ ينتقلون إلى وصف الطبيعية وما فيها من حيوانات ليدخلوا في مدائح القبائل وأفرادها وذكر مآثرها مع زرع بعض الحكم فيها.[١١]
على هذا المنوال نسج بشّار بن برد مدائحه الّتي كان يقولها لا لإعجاب بالممدوح بل لكسبه والتّودد إليه، ومع أخذه لسنة من قبله في المدح إلّا أنّه يسمعك المعجب المطرب، والتّشبيه البديع الأخّاذ، ويرفع الممدوح إلى أرقى الدرجات، فيُطمع به الملوك والسّلاطين بقدر ما يُخيفهم منه.[١٢]
من إحدى قصائد المديح لبشار قصيدته في مدح الخليفة الأموي مروان بن محمد بن مروان، إذ يقول:
جَفا وِدُّهُ فَاِزوَرَّ أَو مَلَّ صاحِبُه
- وَأَزرى بِهِ أَن لا يَزالَ يُعاتِبُه
خَليلَيَّ لا تَستَنكِرا لَوعَةَ الهَوى
- وَلا سَلوَةَ المَحزونِ شَطَّت حَبَاِئبُه
شَفى النَفسَ ما يَلقى بِعَبدَةَ عَينُهُ
- وَما كانَ يَلقى قَلبُهُ وَطَبائِبُه[١٣]
الحكمة
لم تكن الحكمة غرضًا مستقلًا بذاته عند بشّار، ولكنّه كان ينثرها في ثنايا أشعاره من الموضوعات الأخرى، ولأنّ الحكمة تتوارثها الأجيال حقبةً بعد حقبة كان يعمل بشّار على إحكام صياغة جملها وضبط متانة ألفاظها وعبارتها؛ لتبقى خالدةً على مرّ الزّمن.[١٤]
كان يضفي الجمال على قصائده بشيء من الحكمة، فتتمسّك القصيدة كلّها ببعض أبيات يزرع فيها تجاربه وخبراته في هذه الحياة، فيقول بشّار عن المشورة والاستعانة بالصّديق:[١٥]
إِذا بَلَغَ الرَأيُ المَشورَةَ فَاِستَعِن
- بِرأيِ نَصيحٍ أَو نَصيحَةِ حازِمِ
وَلا تَجعَلِ الشُورى عَلَيكَ غَضاضَةً
- مَكانُ الخَوافي قُوَّةٌ لِلقَوادِمِ
وَما خَيرُ كَفٍّ أَمسَكَ الغُلُّ أُختَها
- وَما خَيرُ سَيفٍ لَم يُؤَيَّد بِقائِمِ [١٦]
يتبيّن لنا مما سبق امتلاك بشّار بن برد موهبة شعرية كبيرة، فرغم فقده لحاسة البصر إلّا أنّه استطاع بجودة شعره وعمق معانيه أن يأخذنا إلى عوالم من الفن البديع والشّعر العميق، ويستحلّ مكانةً كبيرةً في دراسات العلماء وكتب المصنفين بشخصيته الفذّة وعقله الفريد.
المراجع
- ↑ هاشم مناع، بشار بن برد حياته وشعره، صفحة 100. بتصرّف.
- ↑ الرشيد محمد حاج أحمد، البديع في شعر بشار، صفحة 39-41. بتصرّف.
- ↑ "عبد إني إليك بالأشواق"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2021.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الأول، صفحة 216. بتصرّف.
- ↑ "يا حب طال تمنينا زيارتكم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2021.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الأول، صفحة 202. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الأول، صفحة 202. بتصرّف.
- ↑ "أهم موضوعات شعر بشار بن برد"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2021.
- ↑ الرشيد محمد حاج أحمد، البديع في شعر بشار، صفحة 42. بتصرّف.
- ↑ "أجارتنا لا تجزعي وأنيبي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/12/2021.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الأول، صفحة 209. بتصرّف.
- ↑ شوقي ضيف، العصر العباسي الأول، صفحة 209. بتصرّف.
- ↑ "جفا وده فازور أو مل صاحبه"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2021.
- ↑ هاشم مناع، بشار بن برد حياته وشعره، صفحة 103. بتصرّف.
- ↑ هاشم مناع، بشار بن برد حياته وشعره، صفحة 103. بتصرّف.
- ↑ "أبا مسلم ما طول عيش بدائم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/12/2021.