أهمية اللغة العربية في فهم الإسلام

كتابة:
أهمية اللغة العربية في فهم الإسلام

اللغة العربية

تُعدُ اللغةُ هي الفكر الناطق، ومعجزةُ الفكر العظيمةِ، وللغةِ أهميةٌ كبيرةٌ في حياةِ الأُمم؛ فهي أداةٌ تُنقلُ بها الأفكارُ والمفاهيم، وهي التي تُنشئُ روابط الاتصال بين الأمةِ الواحدةِ، وتعملُ على تقاربهم، وانسجامِهم، وتشابهِهم، واللغةُ العربيةُ وهي لُغة العرب، وهي المعجزةُ التي جاءَ بها كتاب الله، فهي لغةُ القرآن، وبها حملَ العرب رسالةَ الإسلام إلى العالمِ كله، ومنها تركت كثيرًا من الشعوب لغتها الأصلية، وتمسكت بلغةِ القرآن، فلما تركوا دينهم، وأحبوا الإسلام، تركوا لغتهم وأحبوا اللغة العربية، وقامَ الأعاجم ممن دخلوا الإسلام، بشرح قواعد اللغة العربية، لغيرهم ممن يحتاجون لها، فظهرَ، علماءُ النحو والصرف والبلاغة، وهي اللغة الحضارية الأولى، وأقدمُ اللغاتِ التي أبقت على خصائصها، من تراكيبٍ وألفاظٍ، ونحو وصرف وأدب، وظهرت أهمية اللغة العربية في فهم الإسلام، في جوانبَ عديدة، فهي الأداة التي نقلت الثقافة العربية على مر الزمان، وحملت رسالة الإسلام، وما نشأ عنها من ثقافاتٍ، وحضاراتٍ، وباللغة العربيةِ توحدَ العرب عبرَ العصور، وازدادت أواصرُ الارتباطِ بينهم.[١]

أهمية اللغة العربية في فهم الإسلام

وبما أنّ اللغة هي أساسٌ للتواصل بين الناس، وهي من أدواتِ التفكير، ووعاءٌ للعلمِ والمعرفةِ، ومن هنا تميزت اللغة العربية عن غيرها من اللغات؛ بأنها لغة الدين الإسلامي، فكتاب الله نزل باللغة العربية، حيثُ قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}،[٢] وقال تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}،[٣] وخاطبَ رسول الله قومه بلسانهم، حيثُ قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}،[٤] فأساسُ الدين الإسلامي، ومصادرهُ الأولى هي القرآن والسنة، كانا باللغةِ العربيةِ، ولفهم كتابِ الله وسنةِ نبيهِ، ومعرفةِ أسرارِهما، واستنباطِ الحُكمِ الشرعي منهما، كانَ لا بدُ من فَهمِ اللغةِ العربيةِ، والتمكن منها، وهذا ما أدركَهُ العُلماء القُدماء، وهو أهمية اللغة العربية في فهم الإسلام، وفهم القرآن الكريم، والحديثِ النبوي الشريف، وقيلَ عن الشافعي: "أقام الشافعي علمَ العربية وأيامَ الناس عشرين سنة، فقلنا له في هذا، فقال: ما أردت بهذا إلا استعانةً للفقه"، فقد قضى الإمامُ الشافعي عشرينَ سنة، يغترفُ من فيضِ اللغةِ العربيةِ، وما تعلقَ بها من علوم، ليتفقَهَ في الدينِ الإسلامي، ويفهمَ مصادرهُ التشريعية، وهو من قال: "أصحاب ُالعربية جِنُّ الإنس، يُبصرون ما لم يبصرْ غيرُهم".

واللغة العربية تعلقَ بها العديد من العلوم، منها علمُ النحو، وعلم الصرف، وعلم البيان، وعلمُ المعاني، والبديع، وغيرها من العلوم، وهذه العلوم كانت عندَ صحابةِ رسول الله ملكةً وسليقةً، ولا يحتاجونَ لتعلمها، وبعدَ انتشارِ الإسلام في شتى البلاد، واختلاطِ الأعاجمِ مع المسلمينَ والعرب، وكَثُرت بينهم المعاملة والمصاهرة، والتعاملات الاقتصادية، والتعليم، فدخلَ اللسانُ العجميُ إلى العرب، وظهرَ الخطأ في كلامِهم، وظهرَ هذا في خلافةِ علي بن أبي طالب، ورويَ أنه هو من طلبَ من أبي الأسود الدؤلي، أن يضعَ أصولًا في علمِ النحو؛ لكي لا تضيعَ اللغةَ العربية، ومن العلومِ المُهمةِ، والتي تُحدِّد قواعدَ استنباط الأحكام، هو علم أصول الفقه، وهو استباطُ الأحكام الشرعيةِ من أدلتها التفصيليةِ، وهو القرآن الكريم، والسُنة النبويةِ، وقد تمَ كتابتَهُ وتدوينُهُ في اللغةِ العربيةِ، وإذا ما تمَ نقلهُ إلى لُغة أُخرى، سيخلُ بمقاصدِهِ، فهو من الأدواتِ المُهمةِ للمُجتهد، وهنا ظهرت أهمية اللغة العربية في فهم الإسلام، فهي اللغةُ التي دُوِّنَ بها علم أصول الفقه، الذي يُعدُ ضروريًا في فهمِ الإسلام، وهي اللغة الفصحى، والأصيلة، التي لم تتغير ولم تبتعد عن أصلِها، وبعدَ هذا التوضيح، عن أهمية اللغة العربية في فهم الإسلام، تتلخصُ عدةِ نقاطٍ، ومنها ما يأتي:[٥]

  • اللغة العربية هي وعاءُ الإسلام، ومستودع الثقافةِ لَهُ، وهي محتوى ما كُتبَ على مَدى الزمن.
  • لفهم الإسلامِ، ينبغي تَعلم اللغة العربية، ومن لا معرفةَ لَه باللغة، لا يتجاوز الحدود في الحديثِ عن الدين الإسلامي.
  • من شروطِ الاجتهاد، والترجيح بينَ أقوالِالأئمةِ، وبيان مواطنِ الضعفِ والقوةِ، والصوابِ والخطأ، هو معرفة اللغة العربية، ومن يملكُ هذهِ الملكة مؤهلٌ لذلك.
  • من لا يعرف قواعدَ اللغة العربيةِ، ومقاصدَ الخطابِ العربي، لا يسلم من الوقوعِ في خطأ في الفَهمِ، ويكونُ استباطه للأحكام من القرآن والسُنة، بعيدةً كُل البعدِ عن المقاصِد التي جاءَ بها الشرع.
  • لا يُكتفى للاجتهادِ ولفهمِ الإسلام، الإلمامُ فقط في علومِ اللغة العربية، بل يجب معرفة ما كانَ عليهِ العرب من عاداتٍ، وقت نزول القرآن الكريم؛ ذلك لأن الآيات كانت تتنزل عليهم مراعيةً لما هم عليهِ من أعراف.
  • لمن أراد فهم القرآن الكريم، والسنة النبوية، والعلوم الإسلامية بالعموم، من غيرِ العرب، ينبغي عليهم بذل ما بوسعهم لتعلمِ اللغة العربيةِ، وينبغي على المسلمين نشر العربية، بين المسلمين الذين لا يعرفونَ اللغة، أو معرفتهم بها قليلة.

سمات اللغة العربية

وللغةِ العربيةِ ما يُميزها عن غيرها من اللغات، حتى أنّ أحد المستشرقين قال في اللغةِ العربيةِ: "من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القوية، وتصل إلى درجة الكمال عند أمَّة من الرُّحَّل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها؛ بكثرة مفرداتها، ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها"، ومن سمات اللغة العربية، ما يأتي:[٦]

  • السعة والمرونة: فهي من أكثرِ اللغاتِ مرونةً، وسعةً، ويتجلى هذا في كثرةِ ألفاظِها، وتنوعِ كلماتِها، والاطراد في قياس أبنيتها، وأساليبِها المتنوعةِ، ومنطقِها العذب، ومخارجها الواضحةِ.
  • ثبات الأصول: وعدمِ تبديلها وتحريفها، فهي اللغةُ التي كتبَ بها الأجداد، وفهمها الأحفاد، وهي اللغةُ في الجاهليةِ، واللغةُ المعاصرة، وهي ذاتُ فروعٍ مرنةٍ، وألفاظها ثابتةٌ، وهي اللغة التي حافظت على روابطِها الاشتقاقية، مما حافظَ على استمرارِ شخصيتها خلال العصور، والحفاظُ على الأصل وعلى الهوية، هي صفةٌ من صفاتِ العرب، واكتسبت هذه الصفةِ لُغتهم أيضًا، وهذا ما يُمكِّن خاصيتها الاشتقاقيةِ، من تمييزِ الأصيلِ من الغريبِ والدخيلِ.
  • الاختصار والإيجاز: وهذه من أوضحِ صفاتِ اللغة العربية، ومما يميز العرب، والإيجازُ في اللغة جاءَ على صورٍ عديدةٍ، منها الإيجازُ في الحرف، حيثُ تكتب الحركات في العربيةِ فوق الحرف أو تحته، على عكسِ غيرِهِا من اللغات، التي تأخذُ بها الحركة حجمًا كالحرفِ، والحرف المكرر في اللغةِ العربيةِ يتمُ اختصارهُ بحركةٍ لا تأخذُ الحيز، وهي الشدة، وغير ذلك الكثير من صورِ الإيجازِ في الحرف، ومن صورِ الإيجاز أيضًا، الإيجاز في الكلمات، والإيجاز في التراكيب، وأمثلتُهُ كثيرة منها إضافةُ الضمير إلى الكلمة، والإيجاز في اللغة المكتوبة، ومثالهُ عندَ ترجمةِ اللغةِ العربيةِ إلى غيرها من اللغات، تكونُ الترجمة العربية أقلَّ من الأصل.[٧]
  • الأصالة: أنّ اللغة العربية تُعد من أقدم اللغات على الأرض، وأكثرها أصالةً.[٨]

فضل اللغة العربية

من فضلِ اللغةِ أنها اللغة التي نزلَ بها القرآن الكريم، حيثُ قالَ الله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}،[٩] وقالَ ابن تيميةُ في فضل اللغة العربية: "فإنّ اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون"، وقال ابن قيّم الجوزيّة: "وإنّما يعرف فضل القرآن مَنْ عرف كلام العرب، فعرف علم اللغة وعلم العربية، وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها، ورسائلها"،[١٠] ومن فضل اللغة العربيةِ ما يأتي:[١١]

  • اللغة العربية هي اللغة التي اصطفاها الله تعالى، وأُنزلَ بها القرأن الكريم.
  • اللغة العربية هي أداة من أدوات تعلّم كتاب الله تعالى، والمعرفةُ بها هي ما تُساعدَ على فهمه، وفهم آياتِهِ.
  • اللغة العربية تساعد على فهم الحديث النبوي الشريف، وحفظِهِ، وشرحِهِ وتوضيحِهِ والعمل به.
  • تعلّم اللغة العربية، وتعليمها للناس يساعد على نشر العلوم الإسلامية، والشرعية، ففهم الإسلام قائمٌ على فهم اللغة العربيةِ.
  • من يُعلّم اللغة العربية، يكتسب الأجر من الله تعالى، لعظمِ هذه اللغة وفضلها.
  • جاء في فضلِ اللغةِ العربيةِ العديد من الاقوالِ للعلماء، التي تبين فضل اللغة العربية على سائر اللغات، منها قول ابن تيمية: " وما زال السلف يكرهون تغييرَ شعائرِ العربِ حتى في المعاملات وهو التكلّم بغير العربية إلاّ لحاجة، كما نصّ على ذلك مالك والشافعي وأحمد، بل قال مالك: مَنْ تكلّم في مسجدنا بغير العربية أُخرِجَ منه. مع أنّ سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها، ولكن سوغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام"، وقال أيضًا: "اعلم أنّ اعتياد اللغة يؤثر في العقلِ والخلقِ والدينِ تأثيراً قويّاً بيّناً، ويؤثر أيضاً في مشابهةِ صدرِ هذه الأمّةِ من الصحابةِ والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقلَ والدينَ والخلقَ، وأيضاً فإنّ نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ، فإنّ فهم الكتاب والسنّة فرضٌ، ولا يُفهم إلاّ بفهم اللغة العربية، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب".[١٠]

المراجع

  1. "اللغة العربية ومكانتها بين اللغات"، www.saaid.net، 2020-05-14. بتصرّف.
  2. سورة يوسف، آية:2
  3. سورة فصلت، آية:3
  4. سورة إبراهيم، آية:4
  5. "أهمية اللغة العربية في فهم الإسلام"، www.alukah.net، 2020-05-15. بتصرّف.
  6. "سمات اللغة العربية"، www.alukah.net، 2020-05-15. بتصرّف.
  7. "سمات اللغة العربية: الإيجاز والاختصار"، www.alukah.net، 2020-05-15. بتصرّف.
  8. "أهمية اللغة العربية ومميزاتها"، www.alukah.net، 2020-05-15. بتصرّف.
  9. سورة الشعراء، آية:192-195
  10. ^ أ ب "فضل اللغة العربية على سائر اللغات واللهجات"، www.islamweb.net، 2020-05-15. بتصرّف.
  11. "فضل تعليم اللغة العربية"، islamqa.info، 2020-05-15. بتصرّف.
3440 مشاهدة
للأعلى للسفل
×