وحدة الأمة
يقول الله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾،[١] وقد فسر أهل العلم أولي الأمر مرة بأنهم الأمراء،[٢] ومرة بأنهم العلماء،[٣] فإذا عصت الأمة الأمراء أو العلماء، فلا شك بأن ذلك سوف يضعفها ويفرقها، حيث تتعدد القيادات وتكثر الانقسامات؛ فطاعة ولي الأمر مما يبث الأمن ويجمع الأمة، ويزيد الأمة قوة وهيبة فيقطع أطماع الأعداء فيها[٤]
وطاعة ولي الأمر تنعكس بصلاح الفرد، ثم بصلاح المجتمع، ثم بصلاح الأمة كلها؛ وهذا من الخير الذي لا يصح أن تفرط به الأمة،[٥] يقول -صلى الله عليه وسلم-: (لا طاعَةَ لمخلوقٍ في معصيةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-)،[٦] فطاعة ولي الأمر تعود بالخير والنفع على الأمة؛ لأن ولي الأمر لا يطاع إلا بالمعروف.
وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعاقبة من أراد شق طاعة ولي الأمر وتفريق الجماعة؛ لأن ذلك مقدمة لوقوع الفتن فقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن أتاكُمْ وأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ علَى رَجُلٍ واحِدٍ، يُرِيدُ أنْ يَشُقَّ عَصاكُمْ، أوْ يُفَرِّقَ جَماعَتَكُمْ، فاقْتُلُوهُ)،[٧] وشدة العقوبة تدل على خطورة شق طاعة الحاكم.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (فمَن أرادَ أنْ يُفَرِّقَ أمْرَ هذِه الأُمَّةِ وهي جَمِيعٌ، فاضْرِبُوهُ بالسَّيْفِ كائِنًا مَن كانَ)،[٨] فالاجتماع على طاعة الحاكم أمرٌ لا يصح أن يخل به أحد؛ مهما كانت منزلته وقدره في البلاد، فمصلحة الأمة في الاجتماع على ولي أمرها مقدمة على أيٍ شخص مهما كانت منزلته.
مجابهة الفتن
لولي الأمر واجبات كثيرة تتعلق بالفرد والجماعة منها إقامة الصلاة،[٩] والعدل والأمن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة القضاء وحفظ الحدود والحقوق،[١٠] فإذا لم يكن لولي الأمر طاعة وقعت الفتن في المسائل السابقة كلها؛ بسبب غياب سلطان ولي الأمر في المجتمع،[١١] وقد سيطرت الفتن على الدول التي ظهرت بها مخالفة ولي الأمر، الذي أدى لضعف الحكم في تلك الدول فضعفت وانهارت في آخر الأمر.[١٢]
وطاعة ولي الأمر تعطيه القوة اللازمة لأن يفرض الحق على الخلق؛ وإن ضعفت طاعة ولي الأمر ضعفت طاعة الناس له، وعندها تظهر القلاقل والفتن في المجتمع،[١٠] ولأهمية طاعة ولي الأمر، ولدوره في القضاء على الفتن؛ أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسمع والطاعة، ولو كان ولي الأمر عبد حبشي، يقول أبو ذر -رضي الله عنه-: (إنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمع وَأُطِيعَ، وإنْ كانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعَ الأطْرَافِ).[١٣]
أي أن من تولى الحكم فله الطاعة، ولو كان مقطوع الأنف والأصابع، أي أنه من أهل العمل والكَدِّ وليس من أهل الحكم والسياسة؛[١٤] والسبب في ذلك أن الفتن تندفع عن الأمة بطاعة الحاكم مهما كان، وغياب الطاعة تؤدي إلى إغراء ضعاف النفوس على إثارة الفتن في المجتمع،[١٥] ومن خرج عن طاعة ولي الأمر فقد أوقع الأمة في الفتن والحرج، أضعاف ما جاء لها من الخير، فقلما يخرج إنسان على طاعة الحاكم، إلا وتكون الفتن بعد خروجه أضعاف الفتن قبل خروجه.[١٦]
إصلاح شؤون البلاد
يتحقق بطاعة ولي الأمر صلاح لأحوال العباد والبلاد، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:[١٧]
- تتفرغ الأمة للبناء والعمران، بدلاً من التطاحن والفتن عند غياب طاعة ولي الأمر.
- تصلح شؤون البلاد الأمنية، ويزول الخوف والقلق في داخل المجتمع.
- طاعة ولي الأمر تؤدي إلى الاستقرار الاقتصادي وتتحسن معايش الناس.
- تعد وحدة الصف بين الحاكم والمحكوم من أسباب تماسك البلاد؛ الأمر الذي يقطع أطماع الأعداء من الخارج ويردع أصحاب الأهواء والفتن في داخل البلاد.
المراجع
- ↑ سورة النساء ، آية:59
- ↑ الشيزري، المنهج المسلوك في سياسة الملوك، صفحة 626. بتصرّف.
- ↑ ابن حجر العسقلاني، إتحاف المهرة، صفحة 258. بتصرّف.
- ↑ محمد حسن عبد الغفار، مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية، صفحة 1. بتصرّف.
- ↑ أحمد حطيبة، شرح رياض الصالحين، صفحة 1. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد شاكر ، في المسند ، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:248، إسناده صحيح.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عرفجة بن أسعد، الصفحة أو الرقم:1852، صحيح.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عرفجة بن شريح أو ضريح أو شريك، الصفحة أو الرقم:1852، صحيح.
- ↑ محمود شيت خطاب، بين العقيدة والقيادة، صفحة 54. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الكريم الخضير ، التعليق على تفسير القرطبي، صفحة 3. بتصرّف.
- ↑ عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمن في حياة الناس وأهميته في الإسلام، صفحة 41. بتصرّف.
- ↑ راغب السرجاني ، الأندلس من الفتح إلى السقوط، صفحة 11. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:1873، صحيح.
- ↑ أبو العباس القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، صفحة 37. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم، صفحة 301. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، صفحة 493. بتصرّف.
- ↑ سليمان الحقيل، متطلبات المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار، صفحة 22. بتصرّف.