أهمية علو الهمة

تعريف علو الهمة

تعريف الهمة في اللغة: قال الرازي: "الهمة واحدة الهمم، يقال: فلان بعيد الهمة، بكسر الهاء وفتحها، وهمَّ بالشيء أراده"،^[١] أما التعريف الاصطلاحي، فقد عرف الجرجاني الهمة بقوله: "توجه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية إلى جانب الحق، لحصول الكمال له أو لغيره".^[٢]

أهمية علو الهمة

ترتقي الأمم والجماعات بمقدار ما تسمو به همّتها، فعالي الهمة يتطلع دائمًا إلى إتقان العمل، ويسابق في فعل الخير، ويبحث عن معالي الأمور، ويكون قدوة صالحة لمجتمعه، فرب همة أحيت أمة، وعالي الهمة لا يرضى بما دون القمة، وإذا كانت النفوس كبارًا لم تشعر بالتعب ولا بالنصب، وإنّما تتطلع إلى أعلى مراتب النجاح، وتتسابق في الخير والفلاح،^[٣] وفيما يأتي بيان صورٍ من علو الهمة في الإسلام.

الوصول إلى مراتب عليا في العبادة

يؤدّي المسلم الصلاة المفروضة، ثم يصلّي السنن التابعة للفرائض، ويجتهد في قيام الليل والتهجد، ويؤدّي زكاة ماله المفروضة، ثم يتصدّق زيادة عن الزكاة المفروضة، ويصوم رمضان ثم يتقرّب إلى الله تعالى بصيام النوافل، فالفرائض حقّ للعبودية، والنوافل ليصل إلى درجة المحبة.^[٤]

الوصول إلى الحق

يبحث المسلم عن الحق مهما بذل في سبيل ذلك من جهدٍ وعناء، وقد ضحّى الصحابة في سبيل الحق بالأرض والمال، وبذلوا الغالي والنفيس، وكم ضحوا بمكانتهم وجاههم ليفوزوا برضوان الله تعالى وجنته.^[٥]

السير على خطى الصحابة والسلف

كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم أصحاب همم عالية، ومن نماذج الصحابة الذين كان لهم طموح عالي المستوى الصحابي ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه، فيقول: (كُنْتُ أبِيتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فأتَيْتُهُ بوَضُوئِهِ وحَاجَتِهِ فَقالَ لِي: سَلْ فَقُلتُ: أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ. قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ؟ قُلتُ: هو ذَاكَ. قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ).^[٦]

وهذا الصحابي عمرو بن الجموح وقد كان أعرجًا، وقد عذر الله تعالى الأعرج من حضور القتال، يأتي النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ أُحُدٍ فقال: يا رسولَ اللهِ مَن قُتِل اليومَ دخَل الجنَّةَ؟ قال: نَعم، قال: فوالَّذي نفسي بيدِه لا أرجِعُ إلى أهلي حتَّى أدخُلَ الجنَّةَ، فقال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ: يا عمرُو لا تأَلَّ على اللهِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (مَهلًا يا عُمَرُ فإنَّ منهم مَن لو أقسَم على اللهِ لَأبَرَّه: منهم عمرُو بنُ الجَموحِ يخُوضُ في الجنَّةِ بعَرْجَتِه).^[٧]

الوصول للمراتب العلمية العالية

لا يرضى المسلم أن يتوقف عند حدٍ معين في طلب العلم، بل يطلب العلم من المهد إلى اللحد، ولا يشبع من طلب العلم والارتقاء فيه، فقد رفع الله تعالى أهل العلم مراتب عالية، ووصفهم بـأنهم أكثر الناس خشية لله، وشعارهم في ذلك قوله تعالى: ﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾.^[٨]

علو الهمة في القرآن والسنة

• قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾.^[٩]
• قال تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾.^[١٠]
• قال تعالى: (إذا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فإنَّه أوْسَطُ الجَنَّةِ، وأَعْلَى الجَنَّةِ).^[١١]
• قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن أصْبَحَ مِنْكُمُ اليومَ صائِمًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن تَبِعَ مِنْكُمُ اليومَ جِنازَةً؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن أطْعَمَ مِنكُمُ اليومَ مِسْكِينًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن عادَ مِنْكُمُ اليومَ مَرِيضًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ما اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ).^[١٢]

درجات علو الهمة

ومن درجات علو الهمة ما يأتي:^[١٣]

• يطمح إلى الوصول إلى الفردوس الأعلى.
• يسعى لمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.
• يحب ما يحبه الله تعالى ورسوله.
• يكثر من النوافل القولية والعملية لينال محبة الله تعالى.
• يبقى في تعلم مستمر ولا يشبع من طلب العلم.
• يؤدي الصلوات بهمة عالية في أول وقتها.

أسباب كسب علو الهمة

الإيمان بالله سبحانه وتعالى أعظم باعثٍ للهمة، فهو من أقوى الأسباب على بعث الهمم على الإقدام والحزم والجد والتشمير، فهو يقوي الإدراك، ويشحذ القريحة، فكلما قوي إيمان الإنسان علت همته، كما أنّ الصحبة الصالحة لها دورٌ كبيرٌ في الحث على علو الهمة، وتدبر سير أصحاب الهمم العالية تشحذ العزيمة وتقوي الهمة.^[١٤]

المراجع

1. ↑ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، مختار الصحاح، صفحة 705.
2. ↑ علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني، التعريفات، صفحة 275.
3. ↑ محمد بن موسى الشريف، الهمة طريق القمة، صفحة 27. بتصرّف.
4. ↑ محمد إسماعيل المقدم، علو الهمة، صفحة 209. بتصرّف.
5. ↑ محمد إسماعيل المقدم، علو الهمة، صفحة 298. بتصرّف.
6. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن ربيعة بن كعب الأسلمي، الصفحة أو الرقم:489.
7. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:7024.
8. ↑ سورة طه، آية:114
9. ↑ سورة الأحزاب، آية:23
10. ↑ سورة آل عمران، آية:133
11. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:7423.
12. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1028.
13. ↑ مجموعة من المؤلفين، موسوعة الأخلاق الإسلامية الدرر السنية، صفحة 445. بتصرّف.
14. ↑ حسين بن محمد المهدي، صيد الأفكار، صفحة 33.