أوفى من السموأل

كتابة:
أوفى من السموأل

قصة مثل: أوفى من السموءل

من هو السموءل المقصود في المثل؟


قالوا في المثل العربي قديمًا: "أوفى من السموءل" إذا أرادوا أن يضربوا المثل في غاية الوفاء، والسموءل المقصود هنا هو السموءل بن عادياء اليهودي[١]، صاحب حصن الأبلق[٢]، وقصة المثل تعود إلى أنّ امرأ القيس بن حجر الكندي الشاعر المعروف حينما أراد السفر إلى الروم ليستعين بقيصر على الثأر لأبيه فإنّه قد أودعَ دروعه وسيوفه عند السموءل، وخرج قاصدًا بلاد الروم، ولكن بعد ذهابه جاء ملك من ملوك الشام إلى السموءل طالبًا دروع امرئ القيس وسيوفه، فلم يعطِه إيّاها السموءل، فبقي محاصرًا لحصنه زمنًا، والسموءل لا يعطيه شيئًا.[١]


حدثَ أن ظفرَ ذلك الملك بابن السموءل، فهدده إمّا أن يترك الدروع والسيوف وإمّا أن يقتل ابنه، فقال السموءل إنّه لن يخفر ذمّته مع امرئ القيس، وأمّا ابنه فشأن الملك إن أراد فليقتله وإلّا فليطلقه، فقتل الملك ابن السموءل ومضى خائبًا إلى بلاده، فصارت قصة السموءل وحفظه للأمانة مضرب المثل بين العرب، ولذلك قالوا: "أوفى من السموءل"،[١] وبعد أن أعاد السموءل الدروع إلى ورثة امرئ القيس بعد موته أنشد قائلًا:[٣]


وفيت بأدرع الْكِنْدِيّ إِنِّي

إِذا مَا خَان أَقوام وفيتُ

بنى لي عاديًا حصنًا حصينًا

إِذا مَا سامني ضيمًا أَبيتُ

وَقَالُوا عِنْده كنز رغيب

وَلَا وَالله أغدرُ مَا مشيتُ



للاطّلاع على سيرة السّموأل، ننصحك بقراءة هذا المقال: نبذة عن الشاعر السموأل.


قصيدة الأعشى في وفاء السموءل

كيف خلّد الأعشى قصة السموءل؟


ذات يوم وقع الأعشى أسيرًا في يد رجل من كلب كان الأعشى قد هجاه، فكان أن صدفَ الأعشى شريح بن السموءل، فعرفه فناداه بقصيدة يذكّره فيها بمجد أبيه وحماية من يستجير به، فلخّص الأعشى في هذه القصيدة قصة السموءل كاملة مذ أعطاه امرؤ القيس دروعه وسيوفه وحتى مجيء الملك الشامي وأداء السموءل لأمانته في النهاية مع أنّه يشاهد ابنه يُذبح أمامه، فقال الأعشى:[٤]


شُرَيْحُ لا تَتْرُكَنَّي بَعْدَ مَا عَلِقَتْ

حِبالَكَ اليَوْمَ بَعْدَ القِدِّ أظْفارِي

قَدْ طُفْتُ ما بَينَ بَانِقْيَا إلى عَدَنٍ

وَطالَ في العُجْمِ تَرْحالي وَتَسيارِي

فكانَ أوْفاهُمُ عَهْدًا وَأمنَعَهُمْ

جارًا أبوكَ بعُرْفٍ غيرِ إِنكارِ

كالغيثِ ما اسْتَمْطَرُوهُ جادَ وابِلُهُ

وعندَ ذِمَّتِهِ المُسْتَأْسِدُ الضَّاري

كنْ كالسَّموءلِِ إذْ سارَ الهُمَامُ له

في جَحْفَلٍ كَسَوادِ اللّيلِ جَرَّارِ

جَارُ ابنِ حَيَّا لِمَنْ نَالَتْهُ ذِمَّتُهُ

أوْفَى وَأمْنَعُ مِنْ جَارِ ابنِ عَمَّارِ

بالأبْلَقِ الفَرْدِ مِنْ تَيْمَاءَ مَنْزِلُهُ

حِصْنٌ حَصِينٌ وجارٌ غيرُ غدَّارِ

إذْ سامَهُ خُطَّتَيْ خَسْفٍ فَقالَ له:

مَهْمَا تَقُلْهُ فإنِّي سَامِعٌ حَارِ

فَقالَ: ثُكْلٌ وَغَدْرٌ أنتَ بَينَهُما

فاخترْ وما فيهما حظٌّ لِمُخْتَارِ

فَشَكَّ غيرَ قليلٍ ثمّ قالَ لهُ:

اذْبَحْ هَدِيَّكَ إِنِّي مَانِعٌ جَارِي

إنَّ لهُ خَلَفًا إنْ كنتَ قاتِلَهُ

وَإنْ قَتَلْتَ كَرِيمًا غَيرَ عُوَّارِ

مالاً كثيرًا وعِرْضًا غيرَ ذي دَنَسٍ

وَإِخْوَةً مثلَهُ ليسوا بأَشْرَارِ

جَرَوْا عَلى أدَبٍ مِنِّي بِلا نَزَقٍ

ولا إذا شَمَّرَتْ حَرْبٌ بأَغْمَارِ

وَسَوْفَ يُعْقِِبُنِيِهِ إنْ ظَفِرْتَ بِهِ

ربٌّ كريمٌ وبِيْضٌ ذاتُ أطهارِ

لا سِرُّهُنَّ لدينا ضَائِعٌ مَذِقٌ

وكَاتِمَاتٌ إذا اسْتُودِعْنَ أَسْرَارِي

فقالَ تَقْدِمَةً إذْ قامَ يَقْتُلُهُ:

أَشْرِفْ سَمَوْءَلُ فانظرْ للدَّمِ الجاري

أأقتُلُ ابْنَكَ صَبْرًا أوْ تَجيءُ بِهَا

طَوْعًا فَأنْكَرَ هَذا أيَّ إنْكَارِ

فشكَّ أَوْدَاجَهُ والصَّدرُ في مَضَضٍ

عليهِ مُنْطَوِيًا كاللَّذعِ بالنّارِ

واختارَ أَدْرَاعَهُ ألا يُسَبَّ بها

وَلمْ يكُنْ عَهْدُهُ فِيهَا بِخَتَّارِ

وَقالَ: لا أشْتَرِي عارًا بمَكْرُمَةٍ

فاختارَ مَكْرُمَةَ الدُّنيا على العارِ

وَالصّبْرُ مِنْهُ قَدِيمًا شِيمَةٌ خُلُقٌ

وزَنْدُهُ في الوفاءِ الثَّاقبُ الوَارِي

المراجع

  1. ^ أ ب ت أبو هلال العسكري، جمهرة الأمثال، صفحة 345. بتصرّف.
  2. الأعلم الشنتمري، أشعار الشعراء الستة الجاهليين، صفحة 125. بتصرّف.
  3. الزمخشري، المستقصى في أمثال العرب، صفحة 435. بتصرّف.
  4. أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني (الطبعة 3)، بيروت:دار صادر، صفحة 87، جزء 9. بتصرّف.
3563 مشاهدة
للأعلى للسفل
×