خلافة عثمان بن عفان
بعد وفاة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- شهيدًا اجتمع أمر المسلمين على خليفة جديد وهو عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- المُلقّب بذي النورين، فلمّا تولّى الخلافة تابع مسيرة من سبقوه في الفتوحات؛ ففتح تركيا وطبرستان -موطن الإمام الطبري- ونيسابور وخراسان وغيرها، ومن أهمّ أعماله أنّه أمر بنسخ القرآن وكتابته، وكذلك جمع المصاحف على حرف واحد بلغة قريش؛ والسبب في ذلك أنّ عدد المسلمين صار كبيرًا، ودخل أقوامٌ من العجم في الإسلام فصار اختلاف في القراءات، وكاد أن يصل الأمر إلى تحريف معاني الآيات، ولذلك كان هذا الأمر باجتهاد من أمير المؤمنين رضي الله عنه، وفي عهده حدثت أول معركة بحرية إسلامية وهي معركة ذات الصواري.[١]
أول معركة بحرية إسلامية
إنّ أول معركة بحرية إسلامية في تاريخ الإسلام هي معركة حدثت في خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- واسمها ذات الصواري، فبعد الانتصارات التي حققها المسلمون على الروم منذ عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحتى عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وتوغّلهم في إفريقيا جُنَّ جنون الرّوم وصمّموا على أن يستردّوا قليلًا من ماء وجههم الذي هدره المسلمون بانتصاراتهم المتلاحقة، فقصدوا الإسكندريّة -على أشهر الأقوال- فبلغ ذلك أمير المؤمنين، فأرسل إلى معاوية أن اركَب بأهل الشام، وأرسل إلى عبد الله بن أبي السرح أن خذ ما استطعت من المصريين، وأرسل إلى عمرو بن العاص أن يُعِينَ عبد الله بن أبي السرح بما يستطيع من الرجال، فخرجوا للقاء الروم تحت قيادة عبد الله بن أبي السرح، والرّوم تحت قيادة قسطنطين وهو ابن أخي هرقل، فكان قوام جيش المسلمين مئتي سفينة على أرجح الأقوال، وكان جيش الروم ألف سفينة، وقيل تسعمئة، وقيل ستمئة، فالتقى الأسطولان قريبًا من سواحل الإسكندريّة.
وكانت الريح لصالح جيش الروم، فأرسى المسلمون وقالوا للروم: الأمان بيننا اليوم، وبات المسلمون يدعون ويبتهلون لله ويسألونه النصر، وبات الروم يضربون بالنواقيس ويصلون، فلمّا أصبحوا خيّرهم المسلمون بين أن تكون المعركة في البحر أو أن ينزلوا إلى الساحل فيتقاتلون، فاختار الروم البحر لخبرتهم الطويلة فيه، فألهم الله تعالى المسلمين فكرة، وهي أن تقترب سفن المسلمين من سفن الروم، وينزل رجال يجيدون السباحة فيربطون السّفن مع بعضها بعضًا، سفن المسلمين مع سفن الروم، وبذلك تصبح المعركة بريّة، وسُمّيت المعركة ذات الصواري؛ لكثرة صواري السفن التي في المعركة، إذ كانت في المتوسّط نحوًا من ألف سفينة، وهو عدد ضخم في ذلك الوقت، وربما إلى اليوم، وقد أثخن المسلمين بالروم وكبّدوهم خسائر فادحة، فلم ينجُ منهم إلّا نفر قليل، وهرب قسطنطين إلى صقلية، فأخبر أهلها بما حدث، فتطيّروا منه لأنّه أهلكَ النّصرانيّة، فقتلوه، وحين وصل الخبر إلى خليفة المسلمين فإنّه سُرّ كثيرًا، وعاد المسلمون إلى ديارهم وقد تركوا شهداء كُثُر في تلك المعركة التي تكلّلت بالنصر، وهذه باختصار قصة أول معركة بحرية إسلامية.[٢]
نتائج معركة ذات الصواري
إنّ معركة ذات الصواري هي أول معركة بحرية إسلامية ركب فيها المسلمون البحر، وكانت خبرتهم قليلة جدًّا في ذلك الوقت بالبحر، ولكنّ توفيق الله تعالى لهم، وإلهامه لهم بتلك الخطة الذكية، كان له الأثر الأكبر في الانتصار في هذه المعركة، وكذلك حقّق هذا الانتصار نتائج كثيرةً للمسلمين فتحت أمامهم أبوابًا كثيرةً لم يكونوا يظنّون حدوثها لولا رحمة الله لهم، ومن تلك النتائج أنّ هذه المعركة:[٣]
- وضعَت حدًّا لسياسة الروم مع المسلمين، فصار المسلمون يتقدّمون ولا يخشون الروم بعد أن انكسرت شوكتهم في نفوس المسلمين، وأدرك الروم أنّ المسلمين اليوم ليسوا كما كانوا أمس، وبذلك انتهى حكم الروم للبحر المتوسط الذي كان اسمه بحر الروم، وصار بحيرة إسلامية.
- فتح المسلمون بعد هذه المعركة جزر كريت وصقلية والبليار وسردينيا وغيرها.
- فتحَت المجال أمام المسلمين ليدرسوا علوم البحر والطرائق البحرية وكيفية صناعة السفن الحربيّة، وصار المجال مفتوحًا أمام المسلمين لتشكيل أسطول بحري مُنظَّم.
- كانت درسًا لمن جاء بعدهم في كيفية الإيمان بالعقائد الصحيحة؛ إذ كان الروم أسياد البحر، والمسلمون لا يعلمون عن القتال في البحر شيئًا، ولكنّ إيمانهم المطلق بالله ودعواتهم في جوف الليل ليلة المعركة مكّنتهم من الانتصار على الروم بثقة عالية، وكان المسلمون واثقين بربّهم، فمكّن لهم الله تعالى ونصرهم على عدوّه وعدوّهم، وهذه أبرز النتائج التي جناها المسلمون بعد أول معركة بحرية إسلامية هي معركة ذات الصواري.[٣]
المراجع
- ↑ "ثالث الخلفاء عثمان بن عفان (2)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "موقعة "ذات الصواري"."، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 25-12-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "معركة ذات الصواري"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-12-2019. بتصرّف.