محتويات
يوسف عليه السلام أوّل من تمنّى الموت
يُعدُّ نبي الله يوسف -عليه السلام- أول من تمنى الموت، فقد جاء عن قتادة: أنّه لم يتمنَّ الموت أحدٌ قبله، وقيل: أنّه لم يتمنَّ الموت، وإنما كان المقصود أن يموت على الإسلام، وهذا هو القول المُعتبر عند أهل التفسير،[١][٢] وكان السببُ في تمنيه الموت؛ أنه عند اكتمال نِعم الله -تعالى- عليه؛ بِلمّ شمله، واجتماع المُلكِ له، وقُرّةِ عينه في أهله واجتماعهم له، واستشعاره بِقُرب الموت منه،[٣] وفي الغالب فإن اكتمال النِعم يُنذرُ بِقُرب الأجل، وكان ذلك في قولهِ -تعالى-: (رَبِّ قَد آتَيتَني مِنَ المُلكِ وَعَلَّمتَني مِن تَأويلِ الأَحاديثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالأَرضِ أَنتَ وَلِيّي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ تَوَفَّني مُسلِمًا وَأَلحِقني بِالصّالِحينَ)،[٤][٥] وقد ذكر الإمامُ القُرطبيّ أنّ تمني الموت من الأُمور المكروهة، ويُوَجَّه تمنّي يوسف -عليه السلام- ذلك الأمر؛ أنّه كان جائزٌ في شريعته، كما يُوَجّه ذلك بقول الجُمهور: أنّه لم يتمنّ الموت، وإنّما تمنى الموت على الإسلام.[٦]
تمني السيدة مريم الموت
تُعدُ السيدة مريم ممن تمنى الموت، لِقولهِ -تعالى-: (فَأَجاءَهَا المَخاضُ إِلى جِذعِ النَّخلَةِ قالَت يا لَيتَني مِتُّ قَبلَ هـذا وَكُنتُ نَسيًا مَنسِيًّا)،[٧][٨]ووجّه الإمامُ القُرطبيّ ذلك من وجهين:[٢]
- الأول: الخوف من مظنّة الشّر والسوء بها في دينها، وتعييرها بذلك؛ ممّا قد يؤدّي بها إلى الفتنة.
- الثاني: الخوف من وُقوع قومها في عرضها ورميها بالزنا.[٣]
حكم تمني الموت
حكم تمني الموت حال الفتن
يجوز للإنسان أن يتمنى الموت؛ في حال الخوف على دينه ونفسه من الفِتنة، وورد في ذلك العديد من الأحاديث النبوية، كقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بقَبْرِ الرَّجُلِ فيَقولُ: يا لَيْتَنِي مَكانَهُ)؛[٩] وذلك بسبب كثرة الفِتن والمِحن الذي تذهب بدينه وماله وأهله، ونُقل عن عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كان يقولُ في دُعائه: اللّهم، قد ضعفت قوتي، وكبرت سنين، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مُقصِّر، وذلك من باب الخوف على نفسه من التقصير والفِتنة، فكان ذلك من باب التّديُن،[١٠] وكان النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- يقول في دُعائه -عليه الصلاةُ والسلام-: (لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ مِن ضُرٍّ أصابَهُ، فإنْ كانَ لا بُدَّ فاعِلًا، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أحْيِنِي ما كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لِي)،[١١] وجاء في الشرائع السابقة ما يؤكّد ذلك؛ كتمنّي يوسف -عليه السلام- والسيدة مريم الموت في حال الفتن،[٨] فيجوز للإنسان تمنّى الموت إن كان من باب التّديُن، والقُرب من الله -تعالى-، وحُباً في لِقائه.[١٢]
حكم تمني الموت يأساً وقنوطاً
يُنهى الإنسان عن تمني الموت؛ إن كان ذلك لأجل أمرٍ دُنيويّ،[١٢] كالمرض، أو الخوف، أو الفقر؛ لأن ذلك يدُل على عدم الرضا، وفيه مُنافاةٌ للصبر الذي أمر الله -تعالى- به عباده، وفي ذلك سخطٌ على قدر الله -تعالى-،[١٣] فيكون تمني الموت المنهي عنه؛ في حال القُنوط واليأس من الحياة، مع كثرة المصائب، وقلة صبرهِ عليها.[١٤]
المراجع
- ↑ قاسم عاشور (2001)، 1000 سؤال وجواب في القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ابن حزم، صفحة 319. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد بن أحمد المقدم (2008)، بصائر في الفتن (الطبعة الثانية)، الإسكندرية: الدار العالمية للنشر والتوزيع، صفحة 132. بتصرّف.
- ^ أ ب شمس الدين القرطبي (1425 هـ )، التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع، صفحة 117. بتصرّف.
- ↑ سورة يوسف، آية: 101.
- ↑ مصطفى بن العدوى شلباية، سلسلة التفسير لمصطفى العدوي، صفحة 10، جزء 30. بتصرّف.
- ↑ شمس الدين القرطبي (1964)، الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار الكتب المصرية، صفحة 269، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 23.
- ^ أ ب مصطفى بن العدوى شلباية، سلسلة التفسير لمصطفى العدوي، صفحة 9، جزء 30. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 7115، صحيح.
- ↑ محمد بن أحمد المقدم (2008)، بصائر في الفتن (الطبعة الثانية)، الإسكندرية: الدار العالمية للنشر والتوزيع، صفحة 133-135. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5671، صحيح.
- ^ أ ب محمد بن أحمد المقدم (2008)، بصائر في الفتن (الطبعة الثانية)، الإسكندرية: الدار العالمية للنشر والتوزيع، صفحة 135. بتصرّف.
- ↑ محمد بن إبراهيم التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 720، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ محمد متولي الشعراوي، تفسير الشعراوي - الخواطر، مصر: مطابع أخبار اليوم، صفحة 476، جزء 1. بتصرّف.