أول من حيا رسول الله بتحية الإسلام

كتابة:
أول من حيا رسول الله بتحية الإسلام

أوّل من حيّا رسول الله بتحية الإسلام

أوّلُ من حيّا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بتحية الإسلام هو: الصحابيّ الجليل أبو ذرٍ الغفاريّ -رضي الله عنه- فقد قال: (كُنْتُ أَنَا أَوَّلَ مَن حَيَّاهُ بتَحِيَّةِ الإسْلَامِ، قالَ: فَقُلتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يا رَسولَ اللهِ، فَقالَ: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ)،[١][٢] وهو المعروف بِصدقِه، فقد قيل فيه: (ما أقلَّتِ الغبراءُ ولا أظلَّتِ الخضراءُ من رجلٍ أصدقَ لَهجةً من أبي ذرٍّ)،[٣] وكان -رضي الله عنه- عالماً، يوازي ابن مسعود في علمه، وهو من الصحابة الذين لم يشهدوا بدراً، لكنه أُلحِق مع القرّاء، وأوذيَ كثيراً في سبيل الله،[٤] يقول -تعالى-: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)،[٥] والتحيّة بمعنى المِلك، وقد كان الناس قديماً يقولون: حيّاك الله؛ بمعنى ملّكك الله، ثمّ أبدِلت هذه التحيّة بالسلام في الإسلام.[٦][٧]


صفات أبي ذرّ الغفاريّ رضي الله عنه

اختُلف في اسم أبي ذرٍ الغفاري، فقيل بُرَيْر، وقيل جُنادة، لكنّ الثابت والمشهور أنّ اسمه جنْدب بن جُنادة، كان يتعبّد قبل بعثة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بثلاث سنوات، فيقوم الليل بطوله حتى إذا كان آخر الليل نام من شدّة الجهد، فلمّا بعث الله نبيّه محمداً كان من السابقين إلى الإسلام؛ حيث كان رابع من دخل في الإسلام، وأوّل من حيّا رسول الله بتحيّة الإسلام، وعاهد رسول الله على الإيمان بالله، وعدم الشرك به، والزهد في الدنيا، وقد شُبّه بعيسى ابن مريم -عليه السلام- لكثرةِ عبادته، والْتزم بوصايا النبي، وكان يأتي للنبي فيَخدُمه ثم يتوجّه إلى مصلّاه متفرّغاً للعبادة، وكان مُحبّاً للعزلة وعالِماً، وهو أوّل من تكلّم في علم الفناء والبقاء، وكان طويلاً أبيضَ الرأسِ واللحية، أمّه رملة بنت وقيعة، وقد آخى رسول الله بينه وبين سلمان الفارسي،[٨] وتُوفّي -رضي الله عنه- في الرّبذة سنة اثنين وثلاثين، وغسّله ودفنه عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-.[٩]


وقد ثبت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال لأبي ذرّ: (يا أبا ذَرٍّ، إنِّي أراكَ ضَعِيفًا، وإنِّي أُحِبُّ لكَ ما أُحِبُّ لِنَفْسِي، لا تَأَمَّرَنَّ علَى اثْنَيْنِ، ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يَتِيمٍ)،[١٠] وروى عنه الكثير من الصحابة، منهم: أنس بن مالك، وجُبَير بن نفير، وزيد بن وهب، وسعيد بن المسيّب، وسفيان بن هانئ، وغيرهم الكثير، وذكر ابن عساكر في كتابه تاريخ دمشق أنّه كان شجاعاً مقداماً عالِماً، فلم يترك رسول الله شيئاً من وعاء عِلْمه إلّا وعلّمه له، ولم يترك هو شيئاً من ذاك العلم إلّا وأعطاه لمالك بن ضمرة.[١١]


فضل تحية الإسلام

خَلقَ الله -عزّ وجل- آدم -عليه السلام- ثم قال له: (اذْهَبْ فَسَلِّمْ علَى أُولَئِكَ النَّفَرِ، وهُمْ نَفَرٌ مِنَ المَلائِكَةِ جُلُوسٌ، فاسْتَمِعْ ما يُجِيبُونَكَ، فإنَّها تَحِيَّتُكَ وتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، قالَ: فَذَهَبَ فقالَ: السَّلامُ علَيْكُم، فقالوا: السَّلامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ اللهِ، قالَ فَزادُوهُ: ورَحْمَةُ اللهِ)،[١٢] فكانت هذه التحيّة هي تحيّة الإسلام، وهي أيضاً تحيّة أهل الجنّة،[١٣] وأكملُها وأحسنها قول المسلم: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، فهي دعاءٌ بالسلام والرحمة والبركة، والسلام اسمٌ من أسماء الله الحسنى، وهو من حق المسلم على أخيه المسلم، والابتداء به سنّةٌ على جميع النّاس، دون النظر إلى السنّ أو المكانة الاجتماعية أو الغنى والفقر، وفيه دلالةٌ على التواضع والبعد عن الكِبر، ويؤدّي لانتشار الألُفة والمودّة والمحبة بين الناس.[١٤]


وإفشاءُ السلام من موجبات الإيمان التي تنجّي صاحبها من النار وتدخله الجنّة، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أوَلا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحاببتُم؟ أفشوا السَّلامَ بينَكم)،[١٥] كما أنّها تحيّة المسلمين في الآخرة، قال -تعالى-: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ)،[١٦] فالله-تعالى- والملائكة يسلّمون على العباد بهذه التحيّة، والعباد يسلّمون على بعضهم بتحيّة الإسلام.[١٤] ويُشرع للشخص أيضاً: السلام عند الدخول إلى البيت سواءً كان فيه أهلُه أم لا، فإن كان فارغاً؛ فيقول: "السّلام علينا من ربنا"، وإن دخل مسجداً لا أحد فيه فيقول: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين".[٦]


المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2473، صحيح.
  2. أبو بكر بن أبي عاصم، الأوائل لابن أبي عاصم، الكويت: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، صفحة 108. بتصرّف.
  3. رواه الالباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 127، صحيح.
  4. سليمان العودة (2013)، شعاع من المحراب (الطبعة الثانية)، الكويت: دار المغني، صفحة 41، جزء 8. بتصرّف.
  5. سورة النساء، آية: 86.
  6. ^ أ ب منصور السمعاني (1997)، تفسير القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الوطن، صفحة 553، جزء 3. بتصرّف.
  7. أحمد بن علي الجصاص (1994)، أحكام القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 272، جزء 2. بتصرّف.
  8. أبو نعيم الأصبهاني (1998)، معرفة الصحابة (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الوطن، صفحة 557-558، جزء 2. بتصرّف.
  9. علي بن الحسن (1995)، تاريخ دمشق ، دمشق: دار الفكر، صفحة 176، جزء 66. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 1826، صحيح.
  11. شمس الدين الذهبي (1993)، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 406-408، جزء 3. بتصرّف.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2841، صحيح .
  13. مجموعة من المؤلفين (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية ، صفحة 1034، جزء 9. بتصرّف.
  14. ^ أ ب عبد الله آل جار الله (1418)، كمال الدين الإسلامي (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 67-69، جزء 2. بتصرّف.
  15. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 57، صحيح .
  16. سورة الأحزاب، آية: 44.
4205 مشاهدة
للأعلى للسفل
×