محتويات
تعبد الرسول قبل البعثة
في الوقت الذي كان غالبية العرب قبل الإسلام يعبدون الأصنام ، وكان من العرب قِلة قليلة لم يكونوا يعبدون الأصنام، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- من هؤلاء القلة القليلة وكان عليه السلام يُبغِضُ هذه الأفعال، حيثُ إنه كان يذهب إلى غار حراء ليتفكر في هذا الكون العظيم وخالِقه.[١]
مكان تعبد الرسول قبل البعثة
غار حراء هو المكان الذي كان يذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان من كل عام، حيث كان يأخذ معه الزاد من الطعامٍ والماء ما يكفيه لبضعةٍ أيام، والغار في اللغة هو بيت منحوت في الجبل، فإذا اتسع كان كهفاً.[٢]
وكان -صلى الله عليه وسلم- يجلسُ في الغار لوحدَه لا يؤنسه أحد، ويقع غار حراء شمال شرقي المسجد الحرام على جبل حراء بأعلى مكة على يسار الذاهب منها إلى مِنى، وبينه وبين مكة نحو 4.8 كيلو مترات، ويرتفع قرابة 634 متراً.[٣]
كيف تعبد الرسول قبل البعثة
لم يكن هناك طقوس معينة كان يقوم بها النبي -صلى الله عليه وسلم- في غار حراء، إنما كان يتفكر في عظمة الخالق وعظمةِ الخلق، والسبب من وجودنا في هذه الحياة، ومصيرُ البشر بعد الموت، كان النبي عليه السلام يبحثُ عن إجاباتٍ على الأسئلة الوجودية التي لن يجيب عليها صنمٌ أو شمسٌ أو بشر، وكان تعبُد النبي -صلى الله عليه وسلم-في غارِ حراء آخر مراحِل ما قَبلَ بعثته -صلى الله عليه وسلم-.[٤]
عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (أوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ في النَّوْمِ، فَكانَ لا يَرَى رُؤْيا إلَّا جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلاءُ، وكانَ يَخْلُو بغارِ حِراءٍ فَيَتَحَنَّثُ فيه -وهو التَّعَبُّدُ- اللَّيالِيَ ذَواتِ العَدَدِ قَبْلَ أنْ يَنْزِعَ إلى أهْلِهِ، ويَتَزَوَّدُ لذلكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِها).[٥]
وبقي النبي على تلك الحال إلى أن نزل عليه الوحي مع سيدنا جبريل -عليه السلام-، وكان أول ما نزل على النبي عليه الصلاة والسلام قوله -تعالى-: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)،[٦] وبعد نزول الوحي وجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ضالته، ووجد الإجابات التي كان يبحث عنها، كما ورد في قوله -تعالى-: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)،[٧] وبعد نزول الوحي لم يعد غار حراء المكان الذي يتعبد فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الحكمة من اختيار مكان تعبد الرسول قبل البعثة
- الجمع بين الخلوة والتعبد والنظر إلى بيت الله الحرام، ولا تجتمع هذه المزايا العظيمة إلاّ في غار حراء الذي يطل على الكعْبة والنظرُ إلى البيت عبادَة.[٨]
- بُعد غار حراء عن الناس وصعوبة الوصول إليه، مما يسهل على النبي الاختلاء الكامل بنفسه دون أن يُعكر صفوه أحد ودون أن يزعجه أحد.[٨]
- اختلاء النبي في غار حراء كان سبباً لتنقية روحه، واقترابه من الحق، وبعده عن الباطل، حتى نزول الوحي.[٩]
- تربية للمسلم حتى يتيقن أنّه لا يكمل إسلامه مهما كان متحلياً بالفضائل قائماً بألوان العبادات، حتى يجمع إلى ذلك ساعات من العزلة والخلوة يحاسب فيها النفس، ويراقب الله تعالى.[١٠]
تعبد الرسول بعد البعثة
لم يعد النبي -صلى الله عليه وسلم- يذهب إلى غار حراء ليتعبد فيه بعد نزول الوحي، وذلك لأن النبي وجد خالقَهُ، وبدأ جبريل -عليه السلام- بالنزول عليه لتعليمِه أمور دين الله، ومن ثُم بدأ جبريل بتعليمِه كيف يَعبُدُ الله، ثم أوكل الله إليه مهمة الدعوة إلى الإسلام، فانشغل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة الى الله وبالعبادة التي يرتضيها الله من صلاة وصيام وغيرها من العبادات[١١]
أماكن تعبد الرسول بعد البعثة
بعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ بالدعوةِ الى الله، وكان هناك مرحلتان للدعوة، الدعوة الجهرية والدعوة السرية.[١٢]
المرحلة الأولى وهي الدعوة السرية
كان النبي يدعو أقرب الناسِ إليه إلى الإسلام، ومن ثم بدأ بالدعوة الجهرية لسائر البشر، أثناء الدعوة الجهرية لم يتاح للمسلمين الجهر بعبادة الله، إنما اقتصرت عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في الاجتماع في دار الأرقم وتعليم المسلمين ما نزل من القرآن [١٣]
المرحلة الثانية وهي الدعوة الجهرية
أما في هذه المرحلة بعد بروز الإسلام للعلن، فإنّ الأماكن التي تعبد فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرة منها:-
- صلاة النبي-صلى الله عليه وسلم- داخل الكعبة، (أتيَ ابنُ عمرَ في منزلِهِ فقيلَ هذا رسولُ اللَّهِ قد دخلَ الكعبةَ فأقبَلتُ، فأجدُ رسولَ اللَّهِ قد خرجَ وأجدُ بلالًا على البابِ قائمًا فقلتُ: يا بِلالُ أصلَّى رسولُ اللَّهِ في الكَعبةِ؟ قالَ: نعَم قُلتُ: أينَ؟ قالَ: ما بينَ هاتينِ الاسطُوانتينِ رَكْعتينِ، ثمَّ خرجَ فصلَّى رَكْعتينِ في وجهِ الكعبةِ).[١٤]
- صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسجد قباء كل يوم سبت قال ابن عمر رضي الله عنه: (كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأْتي مَسْجِدَ قُباءٍ كُلَّ سَبْتٍ ماشِيًا وراكِبًا).[١٥]
- صلاة النبي-صلى الله عليه وسلم- في بيته، فكان يصلي السنن في بيته إلا الفريضة يصليها في المسجد جماعة، قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: حينما سُئلت عن صلاة النبي قالت: ( كانَ يُصَلِّي في بَيْتي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَخْرُجُ فيُصَلِّي بالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكانَ يُصَلِّي بالنَّاسِ المَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بالنَّاسِ العِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتي فيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ فِيهِنَّ الوِتْرُ، وَكانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا، وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا، وَكانَ إذَا قَرَأَ وَهو قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهو قَائِمٌ، وإذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ وَسَجَدَ وَهو قَاعِدٌ، وَكانَ إذَا طَلَعَ الفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ).[١٦]
كيف تعبد الرسول بعد البعثة
بعد البعثة كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تلقى الوحي من جبريل -عليه السلام-، فكان يعبد الله كما أمر حق عبادته في كافة الأمور:
- كان -صلى الله عليه وسلم- القدوة في الهمة العالية في العبادة. فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: افلا اكون عبدا شكورا).[١٧]
- كان يصوم كل اثنين وخميس، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ( كانَ النبي يصومُ الاثنينِ والخميسَ).[١٨]
- كان أكثر الناس تصدقاً، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أجودَ النَّاسِ بالخيرِ).[١٩]
- كان -صلى الله عليه وسلم- ذاكراً لله شاكراً لنعمه، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ علَى كُلِّ أحْيَانِهِ).[٢٠]
ملخص المقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخلو بنفسه في غار حراء قبل نزول الوحي بفترة قليلة، ثم بعد أن نزل إليه الوحي توجه النبي لعبادة الله حيث أمره، ودعا الناس إلى الإسلام.
المراجع
- ↑ رفاعة الطهطاوي (1998)، نهاية الايجاز في سيرة ساكن الحجاز (الطبعة 1)، مصر:دار الذخائر، صفحة 47، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة، صفحة 474. بتصرّف.
- ↑ اسلام ويب (28/08/2016)، "غار حراء"، اسلام ويب. بتصرّف.
- ↑ جامعة المدينة العالمية، اصول الدعوة وطرقها (الطبعة 1)، السعودية:جامعة المدينة العالمية، صفحة 84، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه محمد بن اسماعيل البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم: 4956، حديث صحيح.
- ↑ سورة العلق، آية:1
- ↑ سورة الضحى، آية:7
- ^ أ ب حمزة محمد قاسم (1999)، كتاب منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، سوريا:مكتبة دار البيان، صفحة 35، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد الغزالي (2006)، كتاب فقه السيرة للغزالي (الطبعة 1)، سوريا:دار القلم، صفحة 90. بتصرّف.
- ↑ محمد البوطي (2005)، كتاب فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة (الطبعة 25)، سوريا:دار الفكر، صفحة 61. بتصرّف.
- ↑ محمد ابو زهرة (2004)، خاتم النبيين صلى الله عليه واله وسلم، مصر:دار الفكر ، صفحة 206، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ صفي الرحمن المباركفوري (2006)، الرحيق المختوم (الطبعة 1)، لبنان:دار الهلال، صفحة 64. بتصرّف.
- ↑ محمد بن صامل السلمي (2010)، صحيح الاثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (الطبعة 25)، السعودية :مكتبة روائع الممكلة، صفحة 103، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:397، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1193 ، حديث صحيح.
- ↑ رواه مسلم بن الحجاج، في صحيح مسلم، عن عائشة ام المؤمنين، الصفحة أو الرقم:730 ، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح ابخاري، عن عائشة ام المؤمنين، الصفحة أو الرقم:4837، حديث صحيح.
- ↑ رواه ابن ماجة، في سنن ابن ماجة، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1426 ، حديث صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله ابن عباس، الصفحة أو الرقم:3440 ، حديث صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن ام المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم:373 ، حديث صحيح.