محتويات
أين هبط آدم وحوّاء
إنّ الأخبار التي وردت في موطن نزول آدم وحواء ظنّية محتملة، فلم ترد نصوصٌ معتمدةٌ في ذلك، فمن الممكن أن تصحّ، ومن الممكن ألّا تصح،[١] ورُوي عن عليّ بن أبي طالب، وابن عبّاس، وقتادة -رضي الله عنهم- أنّ آدم -عليه الصّلاة والسّلام- هبط في الهند، على جبلٍ يُقالُ له "نَوذ" من أرض "سرنديب"، وأمّا حوّاء فهبطت في جدّة، وتعارفا في عرفات؛ فلذلك سُمّيت بهذا الاسم، ثُمّ سار آدم -عليه الصّلاة والسّلام- حتى أتى جمعاً فَازْدَلَفَتْ إِلَيْهِ حَوَّاءُ، ولذلك سُمِّيت المُزْدَلِفة، وقيل: إنّ آدم -عليه الصلاة والسلام- هبط في البرّيّة.[٢][٣]
وقيل: هبط آدم -عليه الصلاة والسلام- بالهند وأُنزل معه الحجر الأسود،[٤][٥] وعن سُليمان أنّ آدم -عليه الصلاة والسلام- هبط بالهند، وهبطت حواء بجدة،[٦] وقيل: إنه هبط بدجناء في أرض الهند، وعن ابن أبي حاتم أنّه هبط في أرضٍ بين مكة والطائف،[٧] تُسمّى دجنا، وعن ابن عُمر -رضي الله عنه- أنّ آدم -عليه الصلاة والسلام- هبط بالصفا، وحواء بالمروة.[٨]
قصّة خروج آدم وحواء من الجنة
إسكان الله لآدم وحوّاء الجنة ونهيهما عن الشجرة
أَسْكن الله -تعالى- آدم -عليه الصلاة والسلام- مع زوجته في الجنة، وأمرهم بالابتعاد عن نوعٍ من الشجر، لِقولهِ -تعالى-: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)،[٩][١٠] ولم يأتِ في القُرآن أو السُنة ما يُبيّن نوع هذه الشجرة، والسّبب في نهي الله -تعالى- لهم عن الأكل منها؛ فمن الممكن أن يكون في أكلها ضرر، أو يكون ذلك ابتلاء من الله لآدم -عليه الصلاة والسلام-، وامتحاناً له،[١١] وكان ذلك بعد أن خلقه الله -تعالى- وأمر الملائكة بالسّجود له.[١٢]
إغراء إبليس ووسوسته لهما
بعد أن سكن آدم -عليه السلام- الجنّة، وطلب الله -تعالى- منه عدم الاقتراب من الشجرة، جاء إليه الشيطان وألقى في نفسه[١٣] بأن يأكل منها هو وزوجته، لِقولهِ -تعالى-: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ)،[١٤][١٥] ولِقوله -تعالى-: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ)؛[١٦] والمقصود: حملهما على الزّلل، من خلال كلامه وقسمه لهما بأنّ الأكل منها يجعلهما خالدين وملكين، لِقولهِ -تعالى-: (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَن هـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلّا أَن تَكونا مَلَكَينِ أَو تَكونا مِنَ الخالِدينَ)،[١٤][١١] وجاء في رواية حمزة قوله: فَأَزَالَهُمَا، وهو من الإزالة، أي الإبعاد؛ أي أبعدهما عن الجنة وليس عن الشجرة.[١٧]
أكل آدم وحواء من الشجرة
بعد أن أطاع آدم -عليه السلام- الشيطان، وقرّر أن يأكل ويتذوّق من الشجرة هو وزوجته ليتعرّفا عليها، أظهر الله -تعالى- سوأتهما وعوراتهما، فأخذا من ورق الأشجار وغطَّيا أنفسهما، لِقولهِ -تعالى-: (فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَت لَهُما سَوآتُهُما وَطَفِقا يَخصِفانِ عَلَيهِما مِن وَرَقِ الجَنَّةِ)،[١٨][١٩] وتعددت أقوال العُلماء في كيفية إغواء الشيطان لهما، فقيل إنّه كان عن طريق المُشافهة وهو قول الجمهور، وقيل إنّه كان عن طريق الوسوسة لهما.[٢٠]
وأمّا الشجرة التي أكلا منها، فقيل إنّها البُرّ، وهو قول ابن عباس -رضي الله عنه-، وقيل: الكرم، وهو قول السّدي، وقيل: التين، وهو قول جُريج، وقيل: الكافور، وهو قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وقيل: العلم، وهو قول الكلبيّ، وقيل: إنّها شجرة الخُلد التي كانت تأكل منها الملائكة، وهو قول ابن جدعان.[٢١]
توبة آدم وزوجته واستغفارهما
بعد أن عصى آدم -عليه السلام- وزوجته أمر الله -تعالى- بأكلهما من الشجرة التي نهاهما عنها، ألهمهُ الله -تعالى- كلمات التوبة، فقالها وتاب عليه، لِقولهِ -تعالى-: (قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ)،[٢٢] وجاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنّها: "سبحانك اللّهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدّك ولا إله إلا أنت، ظلمت نفسي، فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، فقَبِل الله -تعالى- توبتهما واستغفارهما له.[٢٣][٢٤]
خروجهما من الجنة وهبوطهما إلى الأرض
بعد قبول الله -تعالى- لتوبتهما، أمرهما بالهُبوط إلى الأرض هو وزوجته وإبليس، وهو قول ابن عباس -رضي الله عنه- وبعض السّلف، لِقوله تعالى: (قالَ اهبِطوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ)،[٢٥] فالقصد بالعداوة؛ أي التي تكون بين الإنسان والشيطان،[٢٣] وذكر الله -تعالى- قصّتهما في سورة ص، وكان ذلك في العهد المكيّ، وأمّا في العهد المدنيّ فكانت في سورة البقرة، ومُلخّص القصة كما يأتي:[٢٦]
- إخبار الله -تعالى- الملائكة بأنه خَلَق بشراً من طين، ثُمّ أمرهم بالسّجود له.
- إخبارُ الله -تعالى- بمخالفة إبليس لأمره؛ بعدم السجود لآدم -عليه السلام-، ثمّ سؤال الله -تعالى- له عن سبب مُخالفته، وكان ذلك بسبب استكباره.
- طَرْد الله -تعالى- لإبليس من الجنة، واستحقاقه للّعن، وطلبه البقاء إلى يوم القيامة، واستجابة الله -تعالى- له.
العبرة من خروج آدم وحواء من الجنة
توجد العديد من الحِكَم لِخُروج آدم -عليه الصلاة والسلام- وزوجته حواء من الجنة، ومنها:
- بيان شدّة عداوة الشيطان للإنسان، والتحذير منه ومن وساوسه، لِقولهِ -تعالى-: (يا بَني آدَمَ لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطانُ كَما أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ)؛[٢٧][٢٨] أي لا يُضلّنّكم ويخدعنّكم الشيطان، ويُبعدُكم عن الجنة كما فعل مع أبويكم آدم وحواء.[٢٩]
- الحذر من فتنة الشيطان، وخُبثه، وكيده، ووساوسه؛ كالتّخويف من الفقر والقلق منه، أو صرف الإنسان عن الصلاة، أو إلهاء الإنسان عن ذكر الله -تعالى-، لِقوله -تعالى-: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ).[٣٠][٣١][٣٢]
المراجع
- ↑ أحمد بن مصطفى المراغي (1946)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 93، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عز الدين ابن الأثير (1997)، الكامل في التاريخ (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 34، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن الرازي ابن أبي حاتم (1419)، تفسير القرآن العظيم (الطبعة الثالثة)، السعودية: مكتبة نزار مصطفى الباز، صفحة 1454، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ محمد بن إسحاق المكي الفاكهي (1414هـ)، أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه (الطبعة الثانية)، بيروت: دار خضر، صفحة 90، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ يوسف بن عبد الله النمري (2000)، الاستذكار (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 201، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ ابن عساكر (1995)، تاريخ دمشق، دمشق: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 109، جزء 69. بتصرّف.
- ↑ محمد بن علي الشوكاني (1414هـ)، فتح القدير (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الكلم الطيب، صفحة 84، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، الدر المنثور، بيروت: دار الفكر، صفحة 135، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 35.
- ↑ مجير الدين بن محمد العليمي (2009)، فتح الرحمن في تفسير القرآن (الطبعة الأولى)، سوريا: دار النوادر، صفحة 505-506، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد بن مصطفى المراغي (1946)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 91، جزء 1.
- ↑ محمد الطاهر بن عاشور (1984)، التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 428، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي (1998)، تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكلم الطيب، صفحة 559، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة الأعراف، آية: 20.
- ↑ مجير الدين بن محمد العليمي (2009)، فتح الرحمن في تفسير القرآن (الطبعة الأولى)، سوريا: دار النوادر، صفحة 506، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 36.
- ↑ محمد الطاهر بن عاشور (1984)، التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، تونس: الدار التونسية للنشر، صفحة 434، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 22.
- ↑ مجير الدين بن محمد العليمي (2009)، فتح الرحمن في تفسير القرآن (الطبعة الأولى)، سوريا: دار النوادر، صفحة 507، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد بن علي الشوكاني (1414هـ)، فتح القدير (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكلم الطيب، صفحة 81، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ علي بن محمد البصري البغدادي، الشهير بالماوردي، تفسير الماوردي = النكت والعيون، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 209، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 23.
- ^ أ ب أحمد بن مصطفى المراغي (1946)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 92، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سراج الدين عمر بن علي بن عادل (1998)، اللباب في علوم الكتاب (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 559، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 24.
- ↑ عبد العظيم إبراهيم محمد المطعني (1992)، خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية (الطبعة الأولى)، القاهرة: مكتبة وهبة، صفحة 340، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 27.
- ↑ فخر الدين الرازي (1420 هـ)، مفاتيح الغيب = التفسير الكبير (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 223، جزء 14. بتصرّف.
- ↑ حافظ الدين النسفي (1998)، تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكلم الطيب، صفحة 562، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة المجادلة، آية: 19.
- ↑ إبراهيم بن عمر السكران (2014)، رقائق القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الحضارة للنشر والتوزيع، صفحة 144، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمَّد بن لطفي، بن عبد اللطيف، بن عمر الصبَّاغ (1999)، الخشوع في الصلاة (الطبعة الثالثة)، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 85، جزء 1. بتصرّف.