خلافة عثمان بن عفان
الخليفة عثمان بن عفان هو ثالث الخلفاء الراشدين إذ تولَّى الخلافة بعد مقتل الخليفة عمر بن الخطاب، وقد تميَّز عهد خلافة عثمان بالفتوحات الإسلامية، حيثُ فُتِحت أذربيجان وأرمينيا وجزيرة قبرص وشمال أفريقيا، وبدأ في عهده غزو الروم بحرًّا وبرًّا، كما أرسل حملة لغزو الأندلس، وهو أو من كان يفكر في فتح مدينة القسطنطينية والالتفاف عليها من غرب أوروبا عن طريق إسبانيا،[١] ويعود له الفضل في إزالة الخلافات حول قراءات القرآن الكريم، وقد حصل في آخر خلافته الكثير من الأمور، وحيث حدث تمرُّد كبير أدى لمقتله محاصرًا في بيته في عام 656م ودُفن بعد ثلاثة أيام بظروف سيئة جدًّا،[٢] وفي هذا المقال سيدور الحديث حول قصة إحراق المصاحف في زمن عثمان.
إحراق المصاحف في زمن عثمان
كان القرآن الكريم في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُحفظ في صدور الرجال، ولم يكن هناك سبب يستدعي جمعه في كتاب واحد، فلم يكن المسلمون يخافون على القرآن من الاختلاف أو الضياع، وقد كان ينزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مفرَّقًا حسب الأحداث والأسباب والوقائع التي يمر بها المسلمون، وكان البعض يكتب بعضًا من القرآن الكريم في صحف أو على حجارة بيضاء رقيقة، وبقي الأمر على هذا الحال حتى وقعت معركة اليمامة في زمن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- التي قُتل فيها عدد كبير من القراء، فأمر الخليفةُ أبو بكر بإشارةٍ من الصحابي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يقوم زيد بن ثابت بتتبع القرآن وجمعه في كتاب واحد وذلك خوفًا من موت حفظةِ القرآن وشيوخ القراء ومن أشهرهم: ابن مسعود وأبيّ بن كعب وزيد وآخرون، فجمع زيد بن ثابت القرآن في صحف بقيت عند أبي بكر حتى وفاته ثمَّ عند عمر بن الخطاب خلال فترة خلافته ثمَّ عند ابنته حفصة بنت عمر، وقد وردت هذه الرواية في صحيح البخاري.[٣]
وعندما كانت خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وتحديدًا في الفترة التي عاد فيها الصحابي حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- من غزو أذربيجان وأرمينيا، حيثُ دخل على أمير المؤمنين عثمان بن عفان فورَ عودته، وأخبره أنَّ يتدارك أمر المسلمين وكتاب الله تعالى مشيرًا إلى اختلاف قراءات القرآن بين المسلمين والتنازع الواقع فيما بينهم، فأمر عثمان -رضي الله عنه- بعضَ الصحابة وعلى رأسهم زيد بن ثابت أن يأخذوا المصحف الموجود عند حفصة بنت عمر وينسخوا منه عدد من النسخ ثمَّ يوزِّعوها على جميع الأمصار الإسلامية، وقد ورد هذه القصة كاملةً في صحيح البخاري فقد روى أنس بن مالك: "أن حذَيفَةَ بن اليمَانِ قدمَ علَى عُثْمَانَ وكانَ يُغَازِي أهْلَ الشَّأْمِ في فَتحِ أرْمِينِيَةَ، وأَذْرَبِيجَانَ مع أهْلِ العِرَاقِ، فأفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ في القِرَاءَةِ، فَقالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ أدْرِكْ هذِه الأُمَّةَ، قَبْلَ أنْ يَخْتَلِفُوا في الكِتَابِ اخْتِلَافَ اليَهُودِ والنَّصَارَى، فأرْسَلَ عُثْمَانُ إلى حَفْصَةَ: أنْ أرْسِلِي إلَيْنَا بالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا في المَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إلَيْكِ، فأرْسَلَتْ بهَا حَفْصَةُ إلى عُثْمَانَ، فأمَرَ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ، وعَبْدَ اللَّهِ بنَ الزُّبَيْرِ، وسَعِيدَ بنَ العَاصِ، وعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا في المَصَاحِفِ، وقالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ: إذَا اخْتَلَفْتُمْ أنتُمْ وزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ في شيءٍ مِنَ القُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بلِسَانِ قُرَيْشٍ، فإنَّما نَزَلَ بلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا حتَّى إذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ في المَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إلى حَفْصَةَ، وأَرْسَلَ إلى كُلِّ أُفُقٍ بمُصْحَفٍ ممَّا نَسَخُوا، وأَمَرَ بما سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ في كُلِّ صَحِيفَةٍ أوْ مُصْحَفٍ، أنْ يُحْرَقَ"،[٤] بعد ذلك أمرَ الخليفة عثمان أن تُجمعَ بقية المصاحف الموجودة بين الناس وتُحرق جميعها دون استنثاء، وقد كان هذا الفعل بوافقة علي بن أبي طالب وبقية الصحابة -رضي الله عنهم-، وقد وردَ عن علي بن أبي طالب أنه قال: والله لو ولِّيت لفعلت مثل الذي فعل.[٥]
المصحف العثماني
يشيرُ مصطح المصحف العثماني إلى المصحف الذي اعتمده الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بعد أن أشار إلى بعض الصحابة بعمل نسخ من المصحف الذي كان لدى حفصة بنت عمر-رضي الله عنها- وهو المصحف الذي جُمعَ في زمن أبي بكر الصديق، لكنَّ الله شرحَ صدر الصحابي الجليل عثمان لهذا العمل فجمع كل المصاحف على حرفٍ واحد وعلى رسمٍ واحد ووزعها في ست نسخ على الأمصار، وهو الرسم الذي بقيَ متَّبعًا مع بداية طباعة القرآن في البندقية عام 1530م، ولم يعد جائزًا كتابة المصحف بشكل يخالف المصحف العثماني،[٦] وقد كان هذا المصحف خاليًا من التشكيل والتنقيط وأصبحت القراءات في كل ولاية تابعة لرسم المصحف الذي وردَ من عند عثمان، وقد منعَ الخليفة القراءات التي خالفت خط هذه النسخ، وقد أيده الصحابة جميعهم في ذلك وساعدوه على القيام بهذا الفعل، وأخذَ المسلمون بالمصحف العثماني وأجمعت عليه الأمة، وتلقته بقبول ترتيب الآيات والسور والكلمات والحروف، ولم يعد أحد يستطيع أن ينكر المصحف العثماني أبدًا، فقد أصبح إمام ودليل المسلمين على شكله الحالي، حيثُ أخذ شكله النهائي من حيث الترتيب وتمَّ حصره ومنع وقوع أي زيادة أو نقصان فيه أو أن يتمَّ استبدال لفظ مكان لفظٍ آخر، وصار حجةً للقراء إلى يوم القيامة، وأصبحت كل قراءة حتى وإن صحَّت سندًا وكانت موافقةً للغة العربية شاذةً إذا ما خالفت رسم المصحف العثماني مثل بعض القراءات التي جاءت في بعض مصاحف الصحابة والتابعين، لأنها خرجت عن المصحف الذي أجمعت الأمة عليه على مدار قرون طويلة، لذلك لا يجوز الخروج عن المصحف العثماني أبدًا وكل ما خالفه يعتبرُ بدعةً وخطأً يجبُ عدم الأخذ به.[٧]
المراجع
- ↑ "نبذة مختصرة عن الخلفاء الراشدين الأربعة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-09. بتصرّف.
- ↑ "استشهاد عثمان بن عفان"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-09. بتصرّف.
- ↑ "هل جمع القرآن الكريم في عهد النبوة في مصحف واحد؟"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-09. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:4987، حديث صحيح.
- ↑ "إحراق المصاحف في زمن عثمان"، books.google.com.lb، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
- ↑ "هل يجوز كتابة غير القرآن بالرسم العثماني ؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-09. بتصرّف.
- ↑ "رسم المصحف"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-09. بتصرّف.