كيف نجنب الأطفال ألم الوخز المتكرر عند أخذ نقطة الدم لتحليل نسبة الجلوكوز ؟ ما هو الجديد الذي وافقت عليه إدارة الطعام والدواء الأميركية؟ اليك اخر الإنجازات العلمية كما يذكرها الدكتور قيس أبو طه:
إن من أصعب الأشياء التي يعاني منها الأطفال هي الوخزات اليومية في أصابعهم الصغيرة لأخذ نقطة الدم لتحليل نسبة الجلوكوز، لهذا السبب، فإن العلماء والباحثون منذ مدة طويلة يحاولون إيجاد الوسيلة التي تجنب الطفل هذا الالم.
لاشك أن هذه المحاولات تطورت كثيراً خلال العقدين الماضيين، فقد كان أول جهاز محمول لتحليل جلوكوز الدم من إنتاج شركة بوهرنكر الألمانية، وكان حجمه أكبر من الهاتف الكلاسيكي المعروف، وأذكر انني في عام ١٩٨٢ كنت من أوائل الأطباء استخداماً لهذا الجهاز. تطورت هذه الأجهزة حتى أصبحت أصغر حجماً وأكثر دقة، حتى أن كمية الدم اللازمة للتحليل أصبحت تعادل واحد من عشرة أجزاء من نقطة الدم العادية. شاهد بالفيديو: أساسيات استخدام الادوية مع الاطفال
وبعد تطور علم أشعة الليزر في عام ٢٠٠٢، قرأت عن جهاز ليزر يأخذ نقطة الدم بدون ألم يذكر، وتحمست لهذا الجهاز لرغبتي في ان أخفف من الم وخز الأصابع لمرضاي، وخاصة الأطفال، ورغم غلاء تكلفته في ذلك الوقت والاحتياطات اللازمة للتعامل مع أشعة الليزر، إلا أنني توقفت عن استعماله عندما شعرت أن أشعة الليزر المسلطة على الإصبع تسبب ألما لا يقل عن ألم الوخز. وأذكر أيضا أن أول مضخة للإنسولين التي صنعت في أوائل الستينات كانت في حجم الحقائب التي تحمل على الظهر، وأصبحت الآن في حجم أصغر تلفون محمول.
ومؤخراً، في نهاية العام الماضي، منحت إدارة الطعام والدواء الامريكية (FDA) موافقتها لجهاز من صناعة شركة أمريكية يقوم بتحليل جلوكوز الدم عن بعد، أي بدون وخز الاصبع للحصول على نقطة من دم المريض.
حل لمشكلة وخز الإصبع
قلنا إن العلماء والشركات المتخصصة في جميع أنحاء العالم يعملون ليلاً نهاراً للوصول الى حل لمشكلة وخز الاصبع وسخروا لهذا الهدف جميع التطورات التكنولوجية المتاحة، وتسمى هذه المحاولات: متابعة نسبة جلوكوز الدم عن بعد، أي بدون تدخل جراحي ( Non invasive glucose monitoring ).
كانت أولى هذه المحاولات في أوائل التسعينات، حيث جاءت أخبار عن ساعة تلبس حول الرسغ أطلق عليها ساعة بيندرا (Pendra)، تعمل من خلال إطلاق شحنة كهربائية صغيرة الى جلد الرسغ من شأنها أن تسبب تعرق الجلد ويقوم الجزء الخلفي من الساعة والمزود بمادة خاصة بتحليل العرق الذي يخرج من الجلد بتحليله، وقياس نسبة جلوكوز الدم، والساعة مجهزة أيضاً بمنبه يصدر صفيراً منبها عندما تنخفض نسبة جلوكوز الدم الى مستويات خطيرة.إلا أن تجارب عديدة بينت أن نتائجها غير دقيقة ولم تستطع الحصول على موافقة الـ (FDA)، فتم سحبها من الاسواق.علاج السكري بالاعشاب، هل هو ناجع؟
ولم تتوقف المحاولات، فكانت هناك تجارب باستخدام الأشعة تحت الحمراء، وعلى الأشعة الصوتية وعلى صبغة الفلور، وصولاً الى تحليل دموع العين الذي يتغير مع نسبة جلوكوز الدم.
ولكن ماذا عن الإنجاز الأخير الذي أعلن عنه في الشهر الماضي وحاز على اعتراف إدارة الطعام والدواء الامريكية؟
جاءت الموافقة على جهاز يستطيع أن يحلل نسبة الجلوكوز في الدم بدون وخز الاصبع للحصول على نقطة الدم، وهذا بلا شك، إنجاز عظيم لانه يساعد المرضى على المراقبة المستمرة لجلوكوز الدم. ولكن الشركة لم تعط تفاصيل كثيرة عن هذا الجهاز لأنه غير متوفر تجاريا ويتوقع أن يطرح في الأسواق في نهاية شهر كانون ثاني- يناير الحالي. فوائد الحلبة في علاج السكري وغيره الكثير!
ولكن المعلومات المتوفرة هي أن هذا الجهاز يتكون من جزأين :
الجزء الأول هو المجس او الجزء الحساس (Sensor)، المبني على تكنولوجيا النانو (Nano) وهذا المجس عبارة عن شريحة الكترونية تحتوي على سلك رفيع مثل الشعرة، يغرز تحت الجلد، وعادة في منطقة البطن، ومن خلال الإشارات التي يرسلها هذا السلك يستطيع المجس معرفة نسبة الجلوكوز في الدم. وهنا تكمن العبقرية في سر صناعة هذا المجس، وتقول الشركة أنها في العام القادم سوف تبدأ باستعمال الجيل القادم، الذي يعتبر أكثر دقة وأصغر حجماً.
أما الجزء الثاني وهو الجزء الذي يستقبل نسبة الجلوكوز ويستطيع إرسالها لاسلكياً الى اجهزة اخرى، ولذلك يسمى المرسل (Transmitter).
من أجل أن يستفيد المرضى وخاصة الاطفال من هذا الجهاز، دعونا نلخص لكم منظومة عمله المتكاملة: المجس (Sensor) يحلل نسبة جلوكوز الدم ، و يرسلها الى المرسل (Transmitter)، ومنه لاسلكياً الى هاتف ذكي مبرمج لاستقبال قراءات نسب جلوكوز الدم، ومنه إلى مضخة الأنسولين المبرمجة ايضاً لكي تعطي المريض جرعة الأنسولين الصحيحة في الوقت المناسب. فيديو وتقرير مصور: العلاج الطبيعي لمرض السكري
إن هذه المنظومة المتكاملة قد تمكننا من الوصول إلى فكرة البنكرياس الصناعي، وهذا لا شك انجاز علمي بامتياز.
وقد استطاعت الشركة المنتجة ان تجمع هذه المنظومة في جهاز واحد وافقت عليه الـ FDA، ولكنه حتى الان لا يتوافر في الاسواق.
وأود هنا ان أذكر أن الشركة المنتجة ذكرت في موقعها أن باب الحجز مفتوح لهذا الإنجاز، وأن المجس يحتاج إلى تغييره كل أسبوع، أو أسبوعين على الأكثر، كما أن الـ FDA طلبت من الشركة المصنعة أن تمدها بعد عام بتقرير مفصل عن دقة وسهولة هذا الجهاز، و كذلك آراء المرضى لكي تستمر الموافقة.
كلنا أمل ان تساعد هذه المنظومة في ضبط دقيق لجلوكوز الدم لما في ذلك خيرا للمرضى، و ألما اقل من وخز الإبر المزعج.