ابن حوقل
يُعَدُّ مُحمَّد بن حَوقَل البغداديّ الموصليّ الذي يُكنَّى بأبي القاسم أحدَ علماء البُلدان المسلمين؛ فقد كان رحّالة، وجغرافيّاً لا يُعرَف تاريخ ميلاده على وجه الدقّة، وإنّما ذُكِر أنّه كان قَبل 320هـ بكثير، وما يُعرَف عنه أنّه عاش، واشتُهِر، وذاع صيته في القرن الرابع الهجريّ، أمّا وفاته فلم يُعرَف تاريخها على وجه التحديد أيضاً، إلّا أنّ المصادر التاريخيّة ذكرَت أنّها كانت بعد 367هـ؛ أي ما بَعد عام 977م، وفي ما يتعلَّق بمكان ولادته، فقد اختُلِف عليه من قِبل المُؤرِّخين أيضاً؛ فبعضهم ذهب إلى أنّه وُلِد في نصيبين التي تقع بين النهرَين؛ ولذلك كان يُقال له محمد النصيبيّ، أو محمد النصيبينيّ،[١][٢] ومنهم من ذهب إلى أنّه وُلِد في بغداد، ونشأ فيها؛ ولذلك سُمِّي البغداديّ، أو الموصليّ.[٣]
مُقتطَفات من حياة ابن حوقل
كان ابن حوقل أحد التجّار العرب المسلمين؛ حيث اتَّخذ من التجارة وسيلة؛ لكي يجوب العالَم، ويتعرَّف على صفات الشعوب المختلفة، ويُدوِّن ما يراه كُلّه، وقد بدأت رحلات ابن حوقل في عام 331هـ؛ أي ما يُوافق 943م؛ فقد غادر بغداد، ودخل إلى المغرب، وصقلية، كما طاف بلاد الأندلس أثناء ازدهار العهد الأمويّ فيها، ووصفها بدقّة، نظراً لكونه عاش فيها مدّة طويلة أثناء خلافة الخليفة الناصر، أو عبدالرحمن الثالث، ومن البُلدان التي زارها ابن حوقل أيضاً خلال رحلاته: مصر، والشام، والعراق، وبلاد فارس والبحرين، كما زار الإحساء أيضاً، وذُكِر أنّ رحلاته التاريخيّة امتدَّت من نهر السِّند وصولاًَ للمُحيط الأطلسيّ.[٣]
ويُمكن القول إنّ تجارته لم تكن مَحلّيّة مُقتصرة على العراق فقط، وإنّما هي تجارة عابرة للقارّات، وتهدف إلى جَمع المعلومات أيضاً، وخاصّة الجغرافيّة منها، وقد ذُكِر أنّ رحلاته، وتجواله استغرق نحو 30 عاماً،[٣] كما وردَ عنه أنّه كانت لديه ميولٌ سياسيّة. ومن المُؤرِّخين الذين رأوا ذلك كراتشكوفسكي، بالإضافة إلى أنّه قِيل إنّه كان مُبلِّغاً دينيّاً، وسياسيّاً، وعَيناً للدولة الفاطميّة، واستُدِلَّ على ذلك بأنّه كان يتنقَّل بين أفريقيا الشماليّة (منطقة النفوذ الفاطميّ)، والأندلس (منطقة النفوذ الأمويّ).[٢]
دور ابن حوقل في الجغرافيا
يُعَدُّ ابن حوقل جغرافيّاً مُميَّزاً من نوادر الجغرافيّين الذين برزوا في عَصره؛ فقد جمع معلومات كثيرة، ودقيقة عن البُلدان التي تجوَّل فيها، وخاصّة المعلومات الجغرافيّة، ودرس صفات شعوبها أيضاً، ووضع ما جَمعه كلّه من معلومات في كتابه (صورة الأرض)، حيث ذكر فيه معلومات عن المسافات، ووصف البحار، والأنهار، وذكر صفات البلاد، واقتصاديّاتها، وحياة سُكّانها، وكلّ ما يتعلَّق بها من دقائق الأمور، كما رَسَم خريطة لكلِّ بلد، ويُمكن القول إنّه من الأقلّية الذين أبدعوا في علم الجغرافيا.[٣]
ويجدر الذكر أنّ ابن حوقل سار في منهجه على مبدأ تقسيم العالَم إلى أقاليم، تماماً كالأصطخريّ الذي قسَّم العالَم إلى عشرين إقليماً، أمّا ابن حوقل فقد زاد عليها إقليمَين، وغيَّر في تسمية بعض الأقاليم، كما كان منهجه توثيقيّاً؛ أي أنّه لم يكتب المعلومة إلّا بعد التأكُّد من مدى صحّتها، وكان وصفه جامعاً شاملاً للمناطق التي زارها، وقد عُنِي في كتابه بالجغرافيا الاقتصاديّة التي تشتمل على الأمور التجاريّة، والصناعيّة، وغيرها ممّا يتعلَّق باقتصاد البُلدان التي زارها، بالإضافة إلى أنّه عُنِي بالجغرافيا البشريّة، والحيويّة، والطبيعيّة، علماً بأنّ اهتمامه في هذه المجالات تفاوتَ من إقليم إلى آخر، ولا بُدَّ من التطرُّ إلى أنّه أتى على ذكرٍ سطحيّ لبعض الظواهر الطبيعيّة التي كانت تحدث في البُلدان، وكان هذا الذكر ذِكراً خفيفاً، وغير مُفصَّلٍ؛ بسبب عدم وجود الأجهزة الكافية لدراستها بشكل تفصيليّ آنذاك.[٣]
المراجع
- ↑ "ابن حَوْقَل"، www.shamela.ws، اطّلع عليه بتاريخ 2019-2-10. بتصرّف.
- ^ أ ب "صورة الأرض"، www.shamela.ws، اطّلع عليه بتاريخ 2019-2-10. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج أ.م.د. محمد عباس حسن العبيدي، م.م. أزهر حسين رزوقي، دور ابن حوقل في الجغرافية، صفحة 222-227. بتصرّف.