اتقوا الله ما استطعتم

كتابة:
اتقوا الله ما استطعتم

فاتقوا الله ما استطعتم

أمر الله عباده في القرآن الكريم أن يتّقوه، أي بأن يُطيعوه، ويخافوا عذابه، ويجتنبوا معاصيه بقدر استطاعتهم، فقال الله -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)،[١] وكان نُزول هذه الآية بعد قولهِ -تعالى-: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)؛[٢] فكانت تخفيفاً على المُسلمين،[٣] ومعنى هذه الآية: أن يقوم المُسلم بتقوى الله -تعالى- على حسب استطاعته، وأن يبذُل جهده في الوصول إلى ذلك، فإن قصّر في وقتٍ من الأوقات بعذر فلا شيء عليه، وأن يكون الطريق الذي يسلُكه موافقٌ لمنهج شرع الله -تعالى-، وبعيدٌ عن جميع المُنكرات والمنهيات، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (دَعُونِي ما تَرَكْتُكُمْ، إنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ علَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عن شيءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وإذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ)،[٤] فالأمر بترك المُنكرات جاء جازماً.[٥]


والتقوى: هي طاعةُ الله -تعالى- على الدوام باتّباع أوامره وترك ما حرم، وجاءت كلمة التقوى في قولهِ -تعالى- مُطلقة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)،[٢] مما يؤكد الاستمراريّة عليها حتى الموت،[٥] وقُيِّدت التقوى في آياتٍ وأحاديث أُخرى بالاستطاعة في باب المأمورات، أما في جانب المنهيات فجاء الأمر بالترك، إلا كان فيه رُخصةٌ من الشرع، كالإكراه في قولهِ -تعالى-: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)،[٦] وقال الإمام أحمد: إن ارتكاب المُحرمات أعظم من ترك المأمورات؛ وذلك لأن المأمورات مُقيّدة بالاستطاعة بخلاف المحظورات والمنهِيّات.[٧]


علاقة آية "اتقوا الله حق تقاته" بآية "فاتقوا الله ما استطعتم"

تعددت آراء المُفسرين في بيانهم للتقوى الواردة في قولهِ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)،[٢] فجاء عن طاووس والحسن وقتادة: معناها أن يُطاع الله -تعالى- فلا يُعصى، وقال السُدّيّ: هي طاعة الله -تعالى- وعدم عصيانه، وذكره وعدم نسيانه، وشُكره وعد الكُفر به، وذكر ابن عباس أنّها الجهاد في سبيل الله حق الجهاد، وإقامة العدل، وعدم الخوف بالله لومة لائم،[٨][٩] وذكر أهل التفسير أنه لما نزلت هذه الآية شقّ ذلك على الصحابة، فقالوا للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: من يقوى على ذلك؟ فأنزل الله -تعالى- قوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)،[١] فقال مُجاهد: إن هذه الآية ناسخةٌ للآية الأولى، وقيل: إنها بيانٌ لها من خلال الجمع بين الآيتين،[١٠] فتقوى الله حق التقوى يكون بعدم ترك شيئاً مما طلبه، وعدم فعل شيئاً مما نهى عنه.[١١]


كيفية تحقيق تقوى الله

توجد العديد من الأمور التي يُمكن من خلالها الوصول إلى تحقيق التقوى، ومنها ما يأتي:[١٢]

  • اتباع ما أمر الله -تعالى- به، واجتناب ما نهى عنه.[١٣]
  • جَعْل العبد بينه وبين المُحرمات وقايةً تحميه منها، وتُبعدهُ عنها.[١٤]
  • التزام العبد بأحكام الله -تعالى- التي شرعها له، والتزامه بطاعة الله في جميع مناحي حياته.[١٥]
  • البُعد عن الإعجاب النفس، ورؤية الإنسان لنفسه مُقصراً، وطلب المغفرة من الله -تعالى-.[١٦]
  • الإحسان إلى الناس، والإكثار من الاستغفار في وقت السحر؛ أي قُبيل الفجر.
  • الإنفاق على المُحتاجين، وأداء قيام الليل، وذكر الله -تعالى- ذلك بقوله: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).[١٧]


المراجع

  1. ^ أ ب سورة التغابن، آية: 16.
  2. ^ أ ب ت سورة آل عمران، آية: 102.
  3. أبو جعفر الطبري (2001)، تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 19، جزء 23. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7288، صحيح.
  5. ^ أ ب صلاح الخالدي (1987)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة الأولى)، دمشق، دار القلم، صفحة 94-99. بتصرّف.
  6. سورة النحل، آية: 106.
  7. عبد الكريم الخضير، شرح كتاب التوحيد، صفحة 30، جزء 7. بتصرّف.
  8. محمد القرطبي (1964)، الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي (الطبعة الثانية)، القاهرة، دار الكتب المصرية، صفحة 144، جزء 18. بتصرّف.
  9. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير أبو جعفر الطبري (2000)، تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت، مؤسسة الرسالة، صفحة 67، جزء 7. بتصرّف.
  10. وهبة الزحيلي (1418هـ)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة الثانية)، دمشق، دار الفكر المعاصر، صفحة 27، جزء 4. بتصرّف.
  11. محمد الحسيني (1992)، فتحُ البيان في مقاصد القرآن، صيدا - بيروت، المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر، صفحة 300-301، جزء 2. بتصرّف.
  12. سعيد القحطاني، نور التقوى وظلمات المعاصي في ضوء الكتاب والسُّنَّة، الرياض، مطبعة سفير، صفحة 19، جزء 1. بتصرّف.
  13. خالد الجريسي، ارق نفسك وأهلك بنفسك، صفحة 34، جزء 1. بتصرّف.
  14. سعيد القحطاني، نور التقوى وظلمات المعاصي في ضوء الكتاب والسُّنَّة، الرياض، مطبعة سفير، صفحة 6، جزء 1. بتصرّف.
  15. محمد الدويش، دروس الشيخ محمد الدويش، صفحة 6، جزء 44. بتصرّف.
  16. ماهر مقدم، شرح الدعاء من الكتاب والسنة، الرياض، مطبعة سفير، صفحة 138، جزء 1. بتصرّف.
  17. سورة الذاريات، آية: 15-19.
4722 مشاهدة
للأعلى للسفل
×