محتويات
الوصية بالتقوى (اتقوا الله)
أوصى الله -سبحانه وتعالى- عباده بالتقوى، فقال: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ)،[١] فقد ابتدأت الآية بذكر الله لعباده المؤمنين الذين آمنوا به وبرسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، ثمّ الوصيّة لهم بتقوى الله.[٢]
وذلك من خلال الحرص على القيام بما فرضه عليهم، واجتناب ما نهاهم عنه، والالتزام بحدوده،[٣] وحفظ الله بعهده والوفاء بالقيام به، ومنه تقوى الله لمن اختبرهم الله واختارهم من أجل الخروج مع رسول الله للجهاد في سبيل الله، وغير ذلك من الابتلاءات والمحن.[٢]
الوصية بالاقتداء بالصادقين (كونوا مع الصادقين)
جاء الأمر في الآية بالاقتداء بالصّادقين والتخلّق بأخلاقهم من خلال الإيمان كإيمانهم، ومعاهدتهم لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وطاعتهم له، وقد ارتبطت الآية بقول الله -تعالى-: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ)،[٤] فقال بعضهم، الصّادقين هم الذين ذكرهم الله في قوله: (لَقَد تابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهاجِرينَ وَالأَنصارِ).[٥]
وقيل المُراد بالصادقين أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وقيل هم الثلاثة الذين تخلّفوا عن رسول الله، ذلك أنّهم إنّما نجوا بصدقهم، وقيل إنّ الصّادقين هم المهاجرين الذين ورد فيهم قول الله -تعالى-: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)،[٦] وقيل إنّ الخطاب فيها عامّ يشمل جميع المسلمين، بمعنى كونوا من الصّادقين.[٧]
وقيل إنّ أبا بكر الصديق -رضيَ الله عنه- احتجّ بهذه الآية يوم السقيفة، فقرأ قول الله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا)،[٦] إلى نهاية الآية، وقال مخاطباً الأنصار من هم الصّادقون؟ فقال الأنصار: أنتم هم، ثمّ قرأ قول الله: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ)،[١] وقد أمركم الله أن تكونوا معنا، ولم يأمرنا أن نكون معكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء.[٨]
سبب نزول الآية
روى كعب بن مالك -رضيَ الله عنه- فيما يتعلّق بقصّة تخلّفه عن غزوة تبوك فيقول: (فَوَاللَّهِ ما أعْلَمُ أحَدًا أبْلَاهُ اللَّهُ في صِدْقِ الحَديثِ أحْسَنَ ممَّا أبْلَانِي، ما تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلكَ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى يَومِي هذا كَذِبًا، وأَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ علَى رَسولِهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (لقَدْ تَابَ اللَّهُ علَى النبيِّ والمُهَاجِرِينَ، والأنْصَارِ) إلى قَوْلِهِ (وَكُونُوا مع الصَّادِقِينَ).[٩][١٠]
وقد نزلت الآية في كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أميّة، وكلّهم من الأنصار، حيث تخلّفوا عن رسول الله ولم يخرجوا معه إلى غزوة تبوك، وكان ذلك التخلّف دون عذرٍ منهم، فلمّا عاد رسول الله سألهم عمّا منعهم من الخروج، فأخبروه بعدم وجود سببٍ لتخلّفهم، واعتذروا له وأبدوا حزنهم، فعاقبهم رسول الله بمقاطعتهم من قبل جميع المسلمين خمسين ليلة، وأمرهم باعتزال نسائهم، وقد أجمع المفسرون على صحّة هذا السياق.[١٠]
المراجع
- ^ أ ب سورة التوبة ، آية:119
- ^ أ ب أبو منصور الماتريدي (2005)، تفسير الماتريدي (تأويلات أهل السنة) (الطبعة 1)، بيروت :دار الكتب العلمية، صفحة 506، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ محمد بن جرير الطبري (2000)، جامع البيان في تأويل القرآن (الطبعة 1)، بيروت :مؤسسة الرسالة، صفحة 558، جزء 14. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب ، آية:23
- ↑ سورة التوبة ، آية:117
- ^ أ ب سورة الحشر ، آية:8
- ↑ محمد المقدم ، تفسير القرآن الكريم، صفحة 18، جزء 80. بتصرّف.
- ↑ ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، صفحة 308. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن كعب بن مالك ، الصفحة أو الرقم:4678، صحيح .
- ^ أ ب خالد المزيني (2006)، المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة (الطبعة 1)، المملكة العربية السعودية :دار ابن الجوزي، صفحة 615-616، جزء 1. بتصرّف.