تعريف الحسد
لأنَّ الإنسان عبارة عن مجموعة من المشاعر والأحاسيس المختلفة والمتفاوتة، فإنَّ حياته اليومية كلُّها تقوم على ما تمليه عليه هذه المشاعر، والحسد هو شعور وإحساس يقضي بتمني زوال النعمة عن أحد الناس في سبيل الحصول عليها أو الحصول على أكثر منها، والإنسان الحسود لا يكتفي فقط بالحصول على نعمة رآها عند غيره بل ويتمنى زوال هذه النعمة عن غيره أيضًا، ويختلف الحسد عن الغبطة في كون الغبطة أن يتمنى الإنسان شيئًا عند غيره ولا يتمنى زوال هذا الشيء عن غيره، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على أعراض الحسد وعلاجه وعلى ما جاء من أحاديث نبوية وآيات قرآنية عن الحسد.
أعراض الحسد
إنَّ أعراض الحسد هي العلامات أو الأمارات التي تظهر على الإنسان المحسود، ومعرفة وضع الإنسان وحاله إذا كان محسودًا أو غير محسود لا يعتبر من علم الغيب وليس فيه شرك بالله تعالى علّام الغيوب وحده؛ لأنَّ أعراض الحسد تظهر على المحسود في صحته ونفسه وأحواله المادية أيضًا، وقد ثبت عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنه أمر بالرقية الشرعية لبعض الأولاد المحسودين، ولم ينكر رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- على من جاءه يدعي وقوع ابنه في الحسد لأنَّ أعراض الحسد تظهر على الإنسان وتحتاج علاجًا فوريًا لها، فقد ثبت في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال أَسْمَاءَ بنْتِ عُمَيْسٍ: "ما لي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمُ الحَاجَةُ قالَتْ: لَا، وَلَكِنِ العَيْنُ تُسْرِعُ إليهِم، قالَ: ارْقِيهِمْ قالَتْ: فَعَرَضْتُ عليه، فَقالَ: ارْقِيهِمْ"[١]، وجدير بالذكر إنَّ أعراض الحسد تظهر على الإنسان في ماله وبدنه وأهله، فإذا حُسد الإنسان في ماله أصيب في رزقه وإذا حُسد في أهله أصيب فيهم وإذا حُسد في نفسه أصابه شيء من أمراض النفس، فأعراض الحسد تظهر على الشيء الذي حُسد فيه الإنسان بشكل خاص، والله تعالى أعلم.[٢]
أحاديث نبوية عن الحسد
لم تترك السنة النبوية المباركة أي أمر قد يعترض حياة الإنسان إلّا تناولته، ولهذا كان للحسد نصيب من أحاديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقد ارتبط الحسد في أحاديث النبيِّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- بالعين، فالعين تشبه الحسد وهي تمني الحصول على شيء موجود عند إنسان آخر وتمني زوال هذا الشيء عنه، ومن أبرز ما جاء من أحاديث نبوية عن الحسد:[٣]
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ وآناءَ النَّهارِ، فَسَمِعَهُ جارٌ له، فقالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَهو يُهْلِكُهُ في الحَقِّ، فقالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ"[٤].
- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: "إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا ولا تَجَسَّسُوا ولا تَناجَشُوا ولا تَحاسَدُوا ولا تَباغَضُوا ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا"[٥].
- عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: "علامَ يقتُلُ أحدُكُم أخاه، إذا رأَى أحدُكُم مِن أخيهِ ما يعجبُِه فليَدْعُ لهُ بالبَركَةِ"[٦].
- وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "إنَّ جَبرائيلَ أتى النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- فقالَ: يا مُحمَّدُ اشتَكَيتَ؟ قالَ: نعَم، قالَ: بسمِ اللَّهِ أرقيكَ، مِن كلِّ شيءٍ يؤذيكَ، مِن شرِّ كلِّ نفسٍ أو عَينٍ، أو حاسِدٍ اللَّهُ يَشفيكَ، بِسمِ اللَّهِ أَرقيكَ"[٧]
الحسد في القرآن الكريم
بعد الحديث عن أعراض الحسد وعن مواضع ذكر الحسد في السنة النبوية، إنَّ الحسد جاء في بعض آيات القرآن الكريم، وإنَّما مجيئه في آيات الكتاب دليل على أهمية هذه الآفة أو هذا الفعل، لذلك ينبغي على الإنسان أن يكن على دراية تامة بالحسد وأعراضه وأسبابه وكيفية العلاج منه، حتَّى لا يقع في حسد أحد وحتَّى لا يحسد أحدًا أيضًا، وقد جاء ذكر الحسد في القرآن الكريم في المواضع التالية:[٨]
- قال تعالى في سورة النساء: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا}[٩].
- وقال تعالى في سورة الفلق: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}[١٠].
- وقال تعالى في سورة البقرة: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ}[١١].
علاج الحسد
في ختام ما جاء من حديث عن أعراض الحسد وذكر الحسد في القرآنِ والسنة، لا بدَّ من الإشارة إلى الطُرق التي يُعالج بها الإنسان الحسد في الإسلام، فالحسد خطر كبير حذَر منه الإنسان ووضع له علاجًا يقي الإنسان من خطره، والدواء أو العلاج اللازم للحسد هو التقوى أولًا، أن يتقي الإنسان رب العالمين حقَّ تُقاته، ثمّ أن يكثر من الذكر الحسن، فغذا رأى شيئًا حسنًا عنده أو عند غيره دعا بالبركة فورًا، كأن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، بارك الله في هذا الشيء، وقد جاء هذا العلاج في كتاب الله تعالى في سورة الكهف، قال تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًاْ}[١٢]، فالذكر الحسن أساس العلاج من الحسد، والله تعالى أعلم.[١٣]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2198، صحيح.
- ↑ "أعراض الإصابة بالحسد"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-05-2019. بتصرّف.
- ↑ "الحسد"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-05-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 5026، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6066، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 4020، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2856، صحيح.
- ↑ "الحسد: أسبابه وأضراره وعلاجه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-05-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 54.
- ↑ سورة الفلق، آية: 1-5.
- ↑ سورة البقرة، آية: 109.
- ↑ سورة الكهف، آية: 39.
- ↑ "علاج الحسد"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 25-05-2019. بتصرّف.