الأبعاد الثقافية والسياسية والاجتماعية التي حملها الغزل العذري

كتابة:
الأبعاد الثقافية والسياسية والاجتماعية التي حملها الغزل العذري


الأبعاد الثقافية والسياسية والاجتماعية التي حملها الغزل العذري

امتدَّ الحب العذري وما رافقه من غزل على فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الخمسين سنة، وقد ترافق هذا الغزل مع ظروف واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي أسهمت في الوصول إليه، وأسهم هو في التعبير عنها،[١] وفيما يأتي الأبعاد الثقافية والسياسية والاجتماعية للغزل العذري:


البعد الثقافي للغزل العذري

كانت الثقافة في البيئة التي نشأ فيها الغزل العذري متأثرةً تأثراً مباشراً بالإسلام، فالإسلام هو الذي شكَّل الملامح الحضارية والثقافية لبيئة مثل بيئة الحجاز ونجد، بيئة لم تكن قد خالطت الحضارة ولا عرفت توابعها.[٢]


تأثر سكان هذه المناطق بالدين الإسلامي وتعليماته وقد عبر عن هذا الأمر طه حسين بقوله: تأثروا بالإسلام، وبالقرآن خاصةً، فنشأ في نفوسهم شيء من التقوى ليس بالحضري الخالص وليس بالبدوي الخالص، ولكن فيه سذاجة بدوية ورقة إسلامية.[٢]


ربما نجد في تعبير طه حسين غرابة لكن المقصد من ورائه أن هذا البدوي الذي قضى حياته في الصحراء ثم جاءه الإسلام ليمنحه ثقافة مغايرة عما عرف، فلم يعرف غير قواعد الإسلام والتي ساهمت في جعله ينصرف عن الغزل الإباحي إلى غزل أكثر عفة وانسجاماً مع الثقافة التي يعرفها.[٢]


البعد السياسي للغزل العذري

السياسة واحدة من العوامل التي لا يمكن غض البصر عنها عند دراسة أيِّ ظاهرة في المجتمع، فالبواعث والأبعاد السياسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً في معظم الظواهر الاجتماعية أو الأدبية أو الاقتصادية، وكذلك هي مرتبطة بظاهرة مثل ظاهرة الغزل العذريْ.[٣]


يرى بعض النقاد ومنهم طه حسين أن الغزل العذري إنما كان منذ البداية ولد ظروف سياسية، فعندما تمَّ الأمر لبني أمية ونقلوا مركز الخلافة إلى بلاد الشام، بدأت الدولة تتعرض لعوامل من محاولات الإضعاف، وقد كان تركيز بني أمية قائماً على توطيد الحكم، فحصل انفصال بين المناطق في الدولة، فصارت مناطق مثل العراق والحجاز معزولة عن مركز الحكم ومهمشة سياسياً وصارت في نظر الأمويين مراكز لإثارة الفتنة والشغب، فقد غزا اليأس أهل هذه المناطق الذين شعروا بخيبة الأمل بعد التراجع الذي أصاب الدولة الإسلامية، وعجز الأمويون عن تثبيت أقدامهم في الحكم سريعاً.[٤]


وترك أهل الحجاز والعراق أمور السياسة العامة بعد أن فقدوا الأمل منها، وانكبوا على نفوسهم وأمورهم الخاصة، فصار تعبيرهم عن اليأس وفقدان الأمل، يتحول إلى شكل من التجديد الشعري نشأ عنه الحب العذري الطامح إلى المستحيل وما يرافقه من الغزل والهيام غير المنطقي.[٤]


البعد الاجتماعي للغزل العذري

نشأ الغزل العذري جنباً إلى جنب مع شكل آخر من الغزل هو الغزل الإباحي، لكن الفارق أن كل واحد منهما قد نشأ في بيئة مختلفة، فالغزل الإباحي وليد بيئة حضرية بينما الغزل العذري وليد بيئة بدوية.[٥]


عبّر الغزل العذري عن البيئة البدوية بما فيها من قسوة وصعوبة وبعد عن البذخ فالعرب في بوادي الحجاز ونجد لم يعرفوا أحوال المدينة وما طرأ فيها من تغييرات حضارية وتحلل قيمي وميل إلى اللهو والعبث، كما كان للدين وثبوته فيها عامل مساهم في هذا.[٥]


وقد ظهر هذا متمثلاً في نقطة مهمة هي ربط الشاعر العربي بين محبوبته والمكان الذي تقيم فيه أي البيئة، فهو لو وقف على أطلال مكان يستذكر محبوبته القديمة وما كان من أيامه معها وهذا إنما تعبير عن حنينه إلى البيئة التي أنشأت هذا الحب في المقام الأول.[٥]


ومن الأمثلة على هذا قصيدة لعبدالله بن العجلان، يقف فيها عند ديار المحبوبة تغمره الدهشة لما رأى من تغير الأحوال فيها فيقول:[٥]

أعاود عيني نصبها وغرورها

أهم عناها أم قذاها يعورها

أم الدار أمست قد تعفّت كأنها

زبور يمان قد رقشته سطورها

ذكرتُ بها هنداً وأترابها الألى

بها يكذب الواشي ويعصى أميرها

فما معول تبكي لفقد أليفها

إذا ذكرته لا يكف زفيرها

بأغزر مني عبرة إذ رأيتها

يحثُّ بها قبل الصباح بعيرها[٦]

المراجع

  1. صلاح عيد، الغزل العذري حقيقة الظاهرة وخصائص الفن، صفحة 5-6. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت كريم الربيعي، الغزل العذري حتى نهاية العصر الأموي أصوله وبواعثه وبنيته الفنية، صفحة 53-69. بتصرّف.
  3. كريم الربيعي، الغزل العذري حتى نهاية العصر الأموي أصوله وبواعثه وبنيته الفنية، صفحة 87-99. بتصرّف.
  4. ^ أ ب كريم الربيعي، الغزل العذري حتى نهاية العصر الأموي أصوله وبواعثه وبنيته الفنية، صفحة 87-99. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث كريم الربيعي، الغزل العذري حتى نهاية العصر الأموي أصوله وبواعثه وبنيته الفنية، صفحة 101-113. بتصرّف.
  6. ابن العجلان النهدي، "أعاود عيني نصبها وغرورها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 23/2/2022. بتصرّف.
3445 مشاهدة
للأعلى للسفل
×