الأوزان والقوافي الشعرية المولدة في العصر العباسي الثاني

كتابة:
الأوزان والقوافي الشعرية المولدة في العصر العباسي الثاني

قلب البحور الشعرية في العصر العباسي الثاني

خرج المولدون في العصر العباسي الثاني عن بحور الشعر التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي، والتي جمعها في خمسة عشر بحرًا؛ ذلك أنّهم كما يرون قد حوصروا في عدد قليل من البحور ممّا ضيّق عليهم قول الشعر،كما تدفعهم الرغبة في جريان كلامهم على الموسيقا التي نقلتها إليهم معايشتهم لغيرهم ممن طور، وغيّر حضاريًا في الحياة الاجتماعية والأدبية،[١] ومن الأوزان الشعرية التي استحدثها المولدون ما يأتي:

المستطيل

وهذا البحر انقلب حقيقةً عن البحر الطويل عند الخليل، ويُحدد وزنه كالآتي: مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن / مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن، ومن أمثلة المستطيل في الشعر قول أحدهم:[٢]

لقد هاج اشتياقي غرير الطرف أحور

أدير الصدغ منه على مسك وعنبر[٣]

البحر الممتد

وهو ما انقلب عن البحر المديد عند الخليل وتكون أجزاؤه كالآتي: فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن/ فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن، ومن ذلك قولهم:[٢]

صاد قلبي غزال أحور ذو دلال

كلما زدت حبا زاد مني نفورا[٤]

البحر المتوافر

وهو محرف بحر الرمل عند الخليل الفراهيدي، وأجزاؤه تكون كالآتي: فاعلاتن فاعلاتن فاعلن/ فاعلاتن فاعلاتن فاعلن، ومن ذلك قول مالك بن المرحل:[٢]

ما وقوفُك بالركائب في الطلْل

ما سؤالكَ عن حبيبكَ قد رحلْ

يا فؤادي ما أصابك بعدَهم

أين صبرُك يا فؤادي ما فعلْ[٥]

البحر المتئد

وهو مقلوب البحر المجتث عند الخليل بن أحمد، وأمّا أجزاؤه فهي كالآتي: فاعلاتن فاعلاتن مستفع لن / فاعلاتن فاعلاتن مستفع لن، ومنها قول أحدهم:

كن لأخلاق التصابي مستمريا

ولأحوال الشباب مستحليا[٦]

البحر المنسرد

وهو بحر مقلوب عن المضارع عند الخليل وأجزاؤه هي: مفاعيلن مفاعيلن فاع لاتن / مفاعيلن مفاعيلن فاع لاتن.[٧]

البحر المطرد

وهو مقلوب عن البحر المضارع أيضًا وأجزاؤه هي: فاعلاتن مفاعيلن مفاعيلن / فاعلاتن مفاعيلن مفاعيلن.[٨]

إنّ الأوزان السابقة لم تُمثل خروجًا كاملاً على بحور الشعر التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي، إنما كان خروجًا ناعمًا إلى حد ما حيث انقلبت الأوزان الجديدة عن أوزان البحر الشعري عند الخليل، فظهر ستة من البحور الشعرية المنقلبة، وهي: المستطيل والممتد والمتوافر ثم المتئد والمنسرد وأخيرًا المطرد.[٨]

البحور الشعرية الجديدة في العصر العباسي الثاني

لم يقف التجديد في الأوزان على ما سبق فقط، بل استحدثوا سبع بحور أخرى لم تنقلب عن بحور الخليل، وهي: السلسلة، والدوبيت والقوما، والموشحات ثم الزجل وهي بحور اخترعها أهل الأندلس ثم انتشرت في المشرق كما ظهر الكان كان والمواليا، ويُمكن أن نُلخصها على النحو الآتي:[٩]

السلسلة

وتكون على وزن: فعلن فعلاتن مفتعلن فعلاتان، ومن الشواهد على السلسلة قول الشاعر:[٩]

السحر بعينيك ما تحرك أو جال

إلا ورماني من الغرام بأوجال[١٠]

الدوبيت

وهو وزن يعود فضله إلى الفرس، ولكن العرب نسجوا على منواله، وهو مركب من بيتين وله أربعة أشطر ولا يقتصر على وزن واحد بل له العديد من الأوزان أشهرها: فعلن متفاعلن فعولن فعلن، ومن الشواهد عليها قول ابن الفارض:[٩]

رُوحي لكَ يا زائرُ في اللّيْلِ فِدَا

يا مُؤْنِسَ وَحْشَتِي إذا اللّيْلُ هدى

إنْ كانَ فِرَاقُنا مع الصُبْحِ بَدَا

لا أسفَرَ بَعْدَ ذَاكَ صُبْحٌ أبدا[١١]

القوما

وكان من اختراعات البغداديين في شهر رمضان على يد أبو نقطة للخليفة الناصر، ولغة هذا البحر عامية ووزنه: مستفعلن فعلان مستفعلن فعلان، ومن الشواهد عليه ما قاله صفي الدين الحلي:[٩]

من كان يهوى البدور

ووصل بيض الخدور[١٢]

الموشحات

أصحاب الموشحات هم الأندلسيون دون منافس، وللموشح الكثير من الأوزان أشهرها: مستفعلن فاعلن فعيل مستفعلن/ فاعلن فعيل، ومنها كذلك: فاعلاتن فاعلن مستفعلن فاعلن فاعلاتن فاعلن مستفعلن فاعلن، ومنها موشحة ابن سناء الملك التي يقول فيها:[٩]

كللي يا سحب تيجان الربا بالحلي

واجعلي سوارك منعطف الجدول[١٣]

الزجل

اخترع هذا الفن على يد الأندلسيين بعد اختراع الموشحات، وأشهر من نظم فيه ابن قزمان ومن الشواهد على ذلك قوله:[٩]

وعريش قام على دكان

بحال رواق

وأسد ابتلع ثعبان

في غلظ ساق[١٤]

الكان كان

فن جاء به أهل بغداد، ونظمه يأتي في باب الحكايات، وتكون القافية فيه مردوفة بمعنى آخرها ساكن والحرف الذي قبله ساكن أيضًا.[٩]

الموالي

فن ظهر بعد رثاء جارية لبني برمك بمرثيات على هذا الوزن، وكانت تُنادي (يا مواليا) حتى لا يفتضح أمرها، وهو من الفنون التي لا تُراعي القوانين في اللغة العربية، وتُعتبر من البحر البسيط، ولكنها تخرج منه؛ بسبب بعض الأضرب المخالفة فيه عن البسيط.[٩]

القوافي في شعر المولدين

لم يقف المولدون عند حدود التغيير في الأوزان الشعرية التي سار عليها الشعر فيما سبقهم بل ثاروا على القوافي أيضًا، فاستحدثوا العديد منها مثل: المزدوج ويكون ذلك بأن يأتي الشاعر ببيتين من مشطور البحر، أيّ بحر، ويضع لهما قافية ثم يغير القافية في الأبيات التي تليها، وكان العذر في ذلك نظم الأمثال والقصص وغيرها ممّا يسعى الناظم فيها إلى الحفظ وليس إلا.[١٥]

كما استحدث الشعراء ما يُسمى المسمط في القوافي، ويكون من خلال الإتيان ببيت شعري مصرّع وبعدها أربعة أقسام من قافية مختلفة، ثم يُعيد قسمًا واحدًا فقط ممّا ابتدأ به القصيدة، وهكذا حتى ينتهي من القصيدة كاملة، كما جاء الشعراء بما يسمى المخمس من القوافي ويتم بالإتيان بخمسة أقسام تكون جميعا من وزن القافية للأقسام الأربعة، ثم يُوحد القسم الخامس مع الخامس من الأولى .[١٦]

المراجع

  1. محمود مصطفى، أهدى سبيل إلى علمي الخليل العروض والقافية، صفحة 135. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت محمود مصطفى، أهدى سبيل إلى علمي الخليل العروض والقافية، صفحة 135-136. بتصرّف.
  3. أحمد الهاشمي، ميزان الذهب في صناعة شعر العرب، صفحة 127.
  4. أحمد الهاشمي، ميزان الذهب في صناعة شعر العرب، صفحة 127.
  5. مالك بن المرحل، ديوان مالك بن المرحل، صفحة 70981.
  6. أحمد الهاشمي، ميزان الذهب في صناعة شعر العرب، صفحة 128.
  7. محمد بن حسن بن عثمان، المرشد الوافي في علم العروض والقوافي، صفحة 186-189. بتصرّف.
  8. ^ أ ب محمد بن حسن بن عثمان، المرشد الوافي في علم العروض والقوافي، صفحة 186-187. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ث ج ح خ د محمود مصطفى، ميزان الذهب في صناعة شعر العرب، صفحة 129-131. بتصرّف.
  10. محمود مصطفى، أهدى سبيلي إلى علمي الخليل العروض والقافية، صفحة 137.
  11. ابن الفارض، ديوان ابن الفارض، صفحة 1493.
  12. شهاب الدين الأبشيهي، المستطرف في كل فن مستظرف، صفحة 660.
  13. شهاب الدين الأبشيهي، المستطرف في كل فن مستظرف، صفحة 645.
  14. محمود مصطفى، ميزانالذهب في صناعة شعر العرب، صفحة 131.
  15. محمود مصطفى، أهدى سبيل إلى علمي الخليل العروض والقافية، صفحة 141. بتصرّف.
  16. محمود مصطفى، أهدى سبيل إلى علمي الخليل العروض والقافية، صفحة 142. بتصرّف.
5993 مشاهدة
للأعلى للسفل
×