الإنسان في الفلسفة اليونانية

كتابة:
الإنسان في الفلسفة اليونانية

الإنسان في الفلسفة اليونانية

لم يكن الإنسان محوراً أساسيا للبحث الفلسفي في الفلسفة اليونانية قبل ظهور سقراط، فقد ركزت جهود الفلاسفة على البحث في السبب الأول للوجود، أو العنصر الأولي الذي تشكل منه باقي الوجود، إلا أن هنالك العديد من الوصايا التي قدمها الفلاسفة قبل سقراط للإنسان، فلا يمكن القول إنه لم يكن موجوداً في خطابهم الفلسفي ومن أهم هذه الوصايا ما يأتي:[١]


وصية فيثاغورس في الحكمة

فقال إن الحكمة هي صفة للآلهة حصرًا، ولست سوى فيلسوف، وأنا محب للحكمة، فالفلسفة هي محبة الحكمة بتعريفه، ويعد فيثاغورس من صاغ الدلالة المفاهيمية لكلمة فلسفة، ودعا إلى السعي لتحصيلها عن طريق الفضائل، ويذكر أن فيثاغورس أسس مدرسة فلسفية، وذاع سيطه، ومن مميزات مدرسته أنها كانت متاحة للجميع، فدرس فيها النساء والأطفال والشيوخ، والرجال.[١]


الإنسان في فلسفة سقراط

وجه سقراط فلسفته إلى الإنسان، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال الشكل والمضمون، فسقراط لم يكن يعتزل الناس ليتأمل، وإنما كان يجول أثينا يحاور الشباب والنساء، ولم تقتصر محاوراته على النخب من المثقفين، ودون أفلاطون محاوراته، وعرفت لاحقًا في مصنفات الفلسفة باسم محاورات أفلاطون، أما طبيعة البحث الفلسفي السقراطي فكان متعلقًا بالإنسان من عدة جوانب.[٢]


أهمها ما يتعلق بفلسفة الأخلاق، فسقراط كان يقول للشباب مبدأ أخلاقيًا وهو "اعرف نفسك"، فسقراط يدعو الإنسان بدلًا من أن ينشغل بمعرفة أصل الكون أن يعرف ذاته، وأعظم سعادة هي معرفة الحق، فالمعرفة فضيلة، والجهل رذيلة، ويمكن القول أن لوصايا سقراط امتدادات حتى الفلسفة الحديثة والمعاصرة، والحضور الإنساني في خطاب سقراط الفلسفي، كان يعتمد على المعرفة، وتوليد الأفكار.[٢]


فالمعرفة والتفكر، والبحث عن الفضيلة، والالتزام بالقوانين ميزات الإنسان المفكر والمتأمل الحق، إلا أنها تحتاج إلى إرادة قوية، وعزيمة، ويمكن عد سيرة حياة سقراط مرجعًا رئيسيًا للأفكار التي يدعو إليها، أهمها أنه لم يحاول الهرب عندما اقترب تطبيق حكم الإعدام عليه، بل وقف بكل جسارة، وذلك لثباته على موقفه الخاص بتطبيق القانون واحترامه.[٢]


وهنالك سبب آخر خاص بنظرته إلى الجسد والمادة، فبالنسبة له الجسد سجن للمادة، وعندما تفارق الجسد تعود إلى الطبيعة الحقة، وكان لهذه الفكرة تأثير في فلسفة أفلاطون المثالية.[٢]


الإنسان في فلسفة أفلاطون

تعد فلسفة أفلاطون من أهم الفلسفات التي بحثت في طبيعة الإنسان ووجوده، خاصةً أنها كان لها أبعاد سياسية واجتماعية، وليست مقتصرة على الجانب القيمي والأخلاقي، إلا أنه كان له أهمية كبيرة، فأفلاطون تأثر بفلسفة سقراط إلى حد كبير، ويلاحظ أن أفلاطون لم يعتمد طبيعة واحدة، أو شكلاً وحدًا للإنسان في الجمهورية، وإنما أكد على وجود تفاوت بين الأفراد.[٣]


هذا التفاوت ناتج عن فروقات فردية، لذلك قسم النفس الإنسانية إلى ثلاثة نفوس، وجعل لكل نفس فضيلة تميزها، ودور خاص في الدولة والمجتمع، وهذه النفوس هي كالآتي:[٣]

  • النفس العاقلة: فضيلتها الحكمة، وهي فقط للحكام الفلاسفة القائمين على الدولة.
  • النفس الغضبية: وفضيلتها الشجاعة، وهي للعساكر والجند، والحراس.
  • النفس الشهوانية: وفضيلتها العفة، وهي لعامة الشعب، بما فيهم الحرفيون وأرباب الصناعات.


الإنسان في فلسفة أرسطو

يتميز الإنسان بالتفكير المنطقي، والعلاقات الاجتماعية، فأرسطو أسس علم المنطق، ولاحظ أن التفكير المنطقي يقتصر على الإنسان لوحده، دون الكائنات الحية الأخرى، والمنطق الأرسطي عرف بالمنطق الأرسطي نسبة لأرسطو، ومن ناحية أخرى كان الإنسان حاضرًا في فلسفة الأخلاق عند أرسطو، فالوسط الذهبي هو المعيار الأول لضبط سلوك الفرد، ويقصد بالوسط الذهبي الفضيلة الواقعة بين الرذيلتين، مثل الشجاعة فهي تقع بين الجبن والتهور.[٤]


الإنسان في الفلسفة اليونانية المتأخرة

كان للإنسان حضور قوي جدًا في فلسفة ما بعد أرسطو، تحديدًا في الفلسفة الرواقية والفلسفة الأبيقورية، فكلا المذهبين يسعى إلى تحقيق السعادة للفرد، وتخفيف معاناته، فالفلسفة الأبيقورية سعت إلى الحد من مخاوف الإنسان من الموت والعقاب في الآخرة، والخوف من الآلهة، فحسمت المسألة في القول بأن الآلهة منفصلة عن العالم.[٥]


الموت غير موجود عندما يوجد الإنسان، وفي حال ما فلن يكون موجودًا وبذلك سيكون فاقدًا لهذا الإحساس، أما الرواقية، فدعت الفرد إلى العيش وفقًا للطبيعة وعدم مخالفة الإرادة الإلهية التي تتجلى في الطبيعة، وتجدر الإشارة إلى أن أفكار الفلسفة الرواقية الأبيقورية نالت رواجًا كبيرًا في الوسط الفلسفي، وتأثر الفلاسفة اللاحقين بفكريهم.[٥]


المراجع

  1. ^ أ ب يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة اليونانية، صفحة 34-35. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث رابوبرت، مبادئ الفلسفة، صفحة 45. بتصرّف.
  3. ^ أ ب يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، صفحة 121-130. بتصرّف.
  4. يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة اليونانية، صفحة 217-220. بتصرّف.
  5. ^ أ ب د/هناء سيد عبدالعزيز، أثر الفكر الديني في مفهوم الأتراكسيا عند الرواقية والأبيقورية، صفحة 449-452. بتصرّف.
5605 مشاهدة
للأعلى للسفل
×