كيف نخبر الأطفال في العائلة أن أحد أفرادها يعاني اضطرابات نفسية؟! وهل علينا أن نخبر المحيطين والمعارف، أم نخفي الأمر عنهم؟
إن الأسئلة الصعبة التي تواجه الأهل، عندما يتضح لهم أن ابنهم مضطرب نفسيا، ليست قليلة. هل يتكلمون عن ذلك، وكيف؟ هل عليهم ان يشركوا أبناء العائلة الآخرين أم إخفاء الأمر عنهم؟ هل عليهم تقبّل الوضع أم أن عليهم ان يعملوا من أجل دفع ابنهم دائمًا إلى الأمام؟ وماذا عليهم أن يتوقعوا؟
إن وجود اضطراب نفسي لدى أحد أبناء العائلة، هو عملية معقـّدة تتركب من عدة جوانب، ليس فقط بالنسبة له، إنما أيضًا بالنسبة لأبناء العائلة، وخصوصا الوالدين. يشمل التعقيد في هذه المسألة الشعور بالقلق، الألم والخوف من الآتي. لا تعرف غالبية العائلات بالطبع، كيف يتم الاعتناء بالصحة النفسية، ولذلك يكون التحدي الذي يواجهونه غير بسيط، ويتطلّب منهم الكثير من الجهود والقوة.
التحدّي الأكبر الذي تواجهه العائلة هنا، هو إشراك المحيطين والمعارف بالواقع: "لدينا ابن مضطرب نفسيا في العائلة". من جهة، يدور الحديث هنا عن قضية بالغة التعقيد، حيث إنه ليس بالإمكان إخفاء فرد العائلة المضطرب نفسيا عن باقي أبناء العائلة والأصدقاء، ومن الجهة الأخرى، لا بد أن يلاحظ هؤلاء الاضطرابات التي تمتاز بها تصرفاته من حين لآخر، أو أنهم قد يوجّهون أسئلة مختلفة حول سلوكه، مما يثير الكثير من التساؤلات في كثير من الأحيان.
بطبيعة الحال، هنالك تفاوت كبير بين العائلات المختلفة التي فيها فرد مضطرب نفسيا، فكل منها تتعامل مع اندماجه بالمجتمع والمحيط القريب بشكل مختلف. ويتعلّق هذا الأمر بشكل أساسي بمتطلبات أبناء العائلة، بقدراتهم، وبالأساس بطبيعة العائلة نفسها. هنالك عائلات قد تفضِّل إشراك المقرّبين منها بهذا "السّر"، آملة من وراء ذلك بتلقي الدعم الذي تحتاج إليه. بالمقابل، هنالك عائلات أخرى تفضّل إخفاء الولد خوفًا مما سيقوله الناس عنه وعنهم. لأن كشف السر من الممكن أن يؤدي، في كثير من الأحيان، لابتعاد الآخرين وقطعهم للعلاقة، ليس مع الفرد المضطرب فحسب، بل مع العائلة برمّتها.
لكن رغم هذا، وفي كثير من الأحيان، يساهم إشراك المعارف والمقربين بهذا الموضوع بالتخفيف من الشعور بالذنب داخل العائلة، كما يقلّل الشعور بالخجل. وذلك لأن كشف الابن المضطرب نفسيا أمام المجتمع، يساهم كثيرا في تقبل المجتمع له بشكل طبيعي، فلا يكون هنالك ما يخجلون منه. كذلك، يتيح هذا الامر لأبناء العائلة إمكانية الحصول على المساعدة والدعم من المحيط القريب. لكن هذا الأمر يبقى متعلقا بشكل كبير بالشخص الذي قمتم بإخباره بهذا الموضوع، وبمدى قدرتكم على الموازنة بين الانكشاف على المحيط القريب والدعم الذي تحتاجون إليه.
كذلك، تواجه العائلة تحدٍّ آخر، وهو التساؤل إن كان عليهم أن يخبروا الأطفال في البيت بحقيقة أن أحد أفراد العائلة مختل نفسيا أم لا؟!
يعتبر هذا التحدّي كبيرا، ليس فقط بسبب الحاجة لإشراك أبناء العائلة القريبين بالسر (وهو ما يمكن أن يخل بالتوازن الداخلي في البيت)، إنما أيضًا بسبب إثارة السؤال الأكثر أهمية: كيف نقول هذا الأمر لأطفال صغار؟
هنالك أطباء ينصحون بتلقّي المساعدة والإرشاد حول موضوع توقيت كشف الأمر وكيفية القيام به، وذلك من أجل عدم كشف التفاصيل بصورة مربكة، أو بصورة قد لا يفهم الأطفال الصغار من خلالها معنى الاضطراب، مما يدفعهم للتعامل معه بصورة خاطئة. بالإضافة لذلك، يجب فحص إمكانية تقسيم المهام المختلفة في البيت، بما يتلاءم والوضع الجديد.
بكل الأحوال، إذا قررتم كشف الموضوع و"إفشاء السر"، سواء أمام المحيط البعيد أو أمام أطفال البيت، فلا بد من الأخذ بالحسبان مدى إرادة ورغبة الابن المضطرب نفسيا بأن يتم كشف الموضوع. فهو يدرك في أحيان كثيرة، أن المجتمع لن يكون متسامحا معه أو مع عائلته، ويفضِّل ألاّ ينكشف أمامهم، ولا حتى أمام الأطفال الصغار في العائلة، لكي لا يثير الذعر لديهم. بينما يفضـّل الأهل كشف الموضوع، من أجل ألاّ يضطروا لإخفاء سر عن الآخرين. في مثل هذه الحالات، من المفضل معرفة ما هو الوضع الأفضل له، وما هو الأفضل لأبناء العائلة، لكي لا يزداد الوضع سوءاً.