ألم الثكل أو فقدان شخص عزيز هو ألم لا يطاق. مواجهة الأسر الثكلى للحزن هي يومية، ولكن الطريقة التي يتم فيها تلقي حدوث الموت والفراغ الذي يتركه يختلف من شخص الى آخر.
مع الاحداث المأساوية التي تتوالى في عالمنا العربي، يفقد الكثير من الأشخاص أحبائهم، ليصبح قلبهم مثقلاً بالحزن. وبالرغم من الألم والموت الذان استوطنا ديارنا، الا اننا بحاجة إلى إطلاق اجنحتنا من جديد واسترجاع الأمل لنكمل المسيرة.
ان نهج التعامل مع فقدان احد الاقارب والثكل يختلف من شخص لآخر، ولكن هناك مراحل متشابهة في عملية التعامل مع الثكل. هناك عدد من المراحل في هذه العملية، والمتوقع هو أن ينتقل الشخص من مرحلة إلى مرحلة يقول خبراء علم النفس. المرحلة الفورية هي مرحلة الانكار – بشكل لا واعي يريد الانسان ابعاد الثكل وخلق حالة من طفس المشاعر. بعد ذلك هناك مرحلة من الغضب، على المرحوم، النظام، المصير، الحرب، الخ... عادة ما تكون لهذه الخطوة أعراضها الخارجية. المرحلة التالية هي المساومة - الشخص يحاول إيجاد تفسير منطقي والتفكير في الامكانيات التي كان يمكن بواسطتها منع الموت، على سبيل المثال، لو لم أدع الطفل يغادر المنزل، لما مات. بعد هذه المرحلة، تأتي مرحلة الاكتئاب، والتي يفهم فيها الشخص أن الموت هو حالة غير عكسية. هذه هي المرة الأولى التي ينعزل فيها بنفسه ويتقبل الثكل. المرحلة الأخيرة هي مرحلة الاستسلام وقبول الموت. هذا هي مرحلة إعادة التنظيم للحياة من جديد. يذكر الخبراء أن هذه العملية تستغرق نحو عام، ولكنها عملية خاصة جدا وتختلف من شخص الى آخر. حيث ان لدى بعض الاشخاص يستمر الحداد لأكثر من عام. عندما يعلق الشخص في مرحلة معينة، فانه يكون في حالة الحداد المرضي، أي المرحلة التي تستمر إلى ما بعد العملية الطبيعية المتوقعة بعد الثكل أو الفقدان.
ويضيف خبراء علم النفس ان التوجه النفسي التقليدي يتطرق للمراحل في عملية تلقي الثكل، ولكننا نعرف اليوم أن ثمة أشخاص مختلفين يمكن أن يعودوا إلى مرحلة معينة أو البقاء فيها لفترة طويلة. التعامل مع الألم يختلف من شخص لآخر. بعض الناس يبقون في مرحلة الإنكار لمدة عام- عامين أو حتى انهم لا يتقبلون العزاء. أحيانا يستغرق الأمر سنوات طويلة حتى الاقرار بالثكل، والتعامل معه يتغير مع مرور السنين ويرتبط بعوامل كثيرة.
الألم يستمر
التعامل مع الثكل صعب على الجميع، ولكن بعض الناس غير قادرين على العودة إلى الأداء الطبيعي. عندما تكون هناك سلوكيات خارجة عن القاعدة مثل: البقاء لعدة أيام بجانب القبر، ابقاء الغرفة كما هي وتحويلها إلى غرفة تذكارية، القاء اللوم على انفسنا، أو التفكير في الانتحار. فهناك خطر لحدوث الاكتئاب السريري وهناك مكان للعلاج النفسي والأدوية.
من المتبع الحديث عن "عام من الحداد"، كجزء من التنظيم الاجتماعي المقبول، وهي الفترة التي تخف فيها تقاليد وطقوس الحزن والعزاء تدريجياً، وحتى على المستوى النفسي فإننا نتوقع ان نشعر بالحزن الشديد، بمستوى أو بآخر لمدة نحو عام. بعد ذلك فينبغي أن يبدئ الجرح المفتوح بالشفاء حتى ان يصبح ندبه. مع ذلك، فان هذه العملية فردية وليس هناك قالب واحد يلائم كل واحد منا. فان الألم يبقى موجود، ولكن طبيعته وشدته قد تختلف، وذلك وفقا لطبيعة الفقدان وظروفها، وكذلك شخصية الشخص الثاكل وظروف حياته. يشير بعض الاشخاص إلى أن الألم يصبح مختلف بطبيعته، ولكنه لا يقل. بعض الناس يشعرون حتى على مر السنين باشتداد الألم. وفي كلتا الحالتين الأخيرتين ينبغي الاستعانة بالعلاج النفسي، وذلك للسماح بدمج الخسارة بداخل نسيج حياتنا، بحيث أنها تبقى دائما جزء منا، ولكنها لا تمنعنا من الاستمرار في العيش، الانتاج والحب.
الحفاظ على التوازن
يعرض الخبراء وجهة نظر مختلفة في التعامل مع الموت. ووفقا لهذا النهج الروائي فان الموت هو نقطة تحول. ففي حين أن وفاة المرحوم تعتبر نهاية، الا ان العلاقة معه تستمر. يمكن مواصلة العلاقة مع هذه الشخصية من أجل هويتنا، بواسطة التحدث عن الشخص المتوفى، التذكير بالقيم التي كانت مشتركة بينكم وهلم جرا؛ هكذا نحافظ على وجوده في حياتنا.
بالنسبة لأولئك الذين لا يناسبهم هذا النهج، فهناك طرق أخرى للتعامل مع الثكل: لا يمكن تجنب آلام الفقدان، الشيء الطبيعي هو أن نشعر بالحزن الشديد والألم الفظيع عندما نفقد شخص محبوب وغالي علينا. يمكن مع ذلك ايجاد وسائل تخفيف الالم، الدعم وتعزية أنفسنا بالعلاقة مع العائلة والأصدقاء، من خلال المحادثات، من خلال تصفح ألبومات الصور واستعادة الذكريات. الكتابة في المذكرة الشخصية أو كتابة رسائل للشخص العزيز المتوفى كل هذه قد تخفف من العبء العاطفي.
كما يضيف الخبراء ان المحادثات مع طبيب نفسي هي وسيلة جيدة لمعالجة الفقدان والبدء تدريجيا في إعادة تنظيم الحياة من جديد. من المهم عدم التسرع والطلب من أنفسنا العودة فورا إلى الأداء الوظيفي الكامل؛ بعض الناس "يغرقون أنفسهم"، بالعمل من أجل تخفيف حدة الألم، وهذه الطريقة لا يوصى باتباعها، لأن هذا يعتبر تجاوز للألم الذي سيعود ويضربنا بطريقة أو بأخرى. ومن ناحية أخرى، من المهم أيضا عدم الانعزال والتوقف عن العمل تماما لفترة طويلة من الوقت، لأن هذا من شأنه فقط أن يؤدي الى تفاقم الشعور بفقدان السيطرة على حياتنا. يفضل محاولة الحفاظ على التوازن، معرفة انه من الطبيعي أن نشعر بأن حياتنا انحرفت عن مسارها لفترة من الوقت، وألا نشعر بالذنب لأننا بدئنا نعود تدريجيا إلى الحياة الطبيعية.
وخلص الخبراء الى أن "أسباب صعوبة إكمال مراحل الحداد"، كما يسميها علماء النفس، ومواصلة الحياة على الرغم من الحزن والفقد، هي كثيرة ومتنوعة وتتعلق بشخصية الثاكل، بظروف الثكل وبالدعم الذي يتلقاه الثاكل من بيئته القريبة.