محتويات
الحثّ على الصلاة
فَرَضَ الله -عز وجل- على عباده الصَّلاة، فكانت من أعظم ما تجلّت به رحمته بعباده وتكريمه لهم وفضله عليهم، وجعل الجزاء المترتّب عليها الفوز بالقربة منه ومحبَّته، ففيها كمال العبودية له -سبحانه-، والإقبال عليه بالقلب والجوارح، ويقف العبد بين يدي ربِّه كلَّ يومٍ خمس مراتٍ يكتسب منها نوراً في قلبه، ومغفرةً لذنبه، وعبوديَّةً لربِّه،[١] وجعل الله -تعالى- الصَّلاة العمود الذي يقوم عليه الدين، وبابُ صلاح الأعمال، واعتدال السلوك، واستقامة العبد، قال -تعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ).[٢][٣]
وبها يغفر الله -تعالى- الذُّنوب ويمحو الخطايا، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هلْ يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟ قالوا: لا يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ، قالَ: فَذلكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بهِنَّ الخَطَايَا).[٤][٣]
حثّ الأهل على الصلاة
أمَرَ الله -تعالى- بحثِّ الأهلِ على أداءِ الصَّلاة والمداومة عليها، فقال في كتابه: (وَأمُر أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِر عَلَيها لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعاقِبَةُ لِلتَّقوى)،[٥][٦] والمراد "بالأهل" الواردة في الآية؛ القرابة،[٧] وقال ابن القيم: إنَّ المؤمنين جميعاً يدخلون في مراد كلمة "أهلك"،[٨] أي وأقبَل إليها برفقتهم،[٩] فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر أهله بالصَّلاة كلَّما أصابهم الخير، فالله -تعالى- يرزق المحافظين على الصَّلاة ويُثيبهم،[٧] ويخبر الله -سبحانه- الناس أن لا يحزنوا على رزقهم، فقد تكفَّل به لهم.[٩]
وبالصلاة ترقُّ قلوب العباد خشيةً لله -سبحانه-، وأَمَر الله -تعالى- بالصّبر على أدائها في الآية، فَمَن صبر عليها كان صابراً على غيرها من العبادات، ومن ضيَّعها كان مضيِّعاً لما سواها، ثمَّ إنَّ أثرها يعود على صاحبها وليس لله -تعالى- حاجةٌ بها.[١٠] وقد صَفَ الله -تعالى- نبيّّه إسماعيل -عليه السّلام- فقال: (وَكانَ يَأمُرُ أَهلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ)،[١١] وما ذكرها الله -تعالى- إلّا لأهميَّتها وعظيم مكانتها.[١٢]
وهي ممَّا اتَّصف به الأنبياء -عليهم السّلام-، والاقتداء بهم يستلزم أداءَها، وحثَّ الأهل عليها،[١٢] وفي ذلك روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رَحِمَ اللهُ رَجُلًا قامَ من الليْلِ فصَلَّى وأيْقظَ امْرَأَتَهُ فصَلَّتْ فإِنْ أبَتْ نضحَ في وجْهِها الماءَ، رَحِمَ اللهُ امْرأةً قامَتْ من الليلِ فصلَّتْ وأيقظَتْ زَوْجَها فصلَّى، فإنْ أبَى نَضَحَتْ في وجهِهِ الماءَ)،[١٣][١٤][١٢] والموقِظ لأهل بيته للصَّلاة هو الرَّسول والخليفة فيهم القائم بمهمّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.[١٢]
حثّ الأطفال على الصلاة
لم يغفل الإسلام عن الأطفال في موضوع الصَّلاة، حيث ورد في الحديث الشريف البدء بالأمر بها والحثّ عليها من سنِّ السَّابعة، والضَّرب عليها ضرباً غير مبرحٍ عند سنِّ العاشرة؛ وذلك حتَّى يتدرَّب الطفل عليها وتكون جزءاً ثابتاً في حياته،[١٥] ولا يفرِّط بها لا في سفر ولا في حضر، فيحرص على الالتزام بآخر وصيَّة أوصى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي صلة العبد بربِّه، والعبادة التي تنهاه عن الفحشاء والمنكر، والمأوى الذي يلجأ إليه من ضيق الدنيا، وأوَّل ما يُسأل عنه يوم القيامة.[١٦]
فيحرص الوالد على تنشئة ولده عليها كونه مسؤولاً عنه وله حقٌ عنده، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)،[١٧] فمن لم يأمر ولده بها كان مضيِّعاً لحقِّه مُفرِّطاً في مسؤوليته، وبالتالي قد يكون سبباً في انحرافه.[١٨]
الحثّ على الصلاة على وقتها
تعدُّ الصَّلاة على وقتها من أفضل الأعمال إلى الله -تعالى-،[١٩] وتكون الصَّلاة في هذه المرتبة إذا أدَّاها المسلم كاملة الشروط والأركان، ودون تأخيرها عن وقتها، فبذلك تكون الصَّلاة أفضل الأعمال الصَّالحة عند الله -تعالى-،[٢٠] ودليل ذلك ما صحّ عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: (سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلَاةُ علَى وقْتِهَا قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: برُّ الوَالِدَيْنِ قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: الجِهَادُ في سَبيلِ اللَّهِ)،[٢١] والمراد بوقتها؛ أي حين دخول الوقت المخصَّص لأدائها، فلا تصحُّ قبل ذلك ولا تُقبل بعده،[٢٢] فكلمة (على) تدلُّ على الاستعلاء على جميع الأوقات، وفي الرِّواية الأخرى بلفظ (لوقتها)؛ تدلُّ اللَّام على الابتداء، وقيل إنَّ اللَّام بمعنى في، وبناءً عليه فإنَّ أداءها يكون ضمن الوَّقت المخصّص لها،[٢٣] قال الله -تعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا).[٢٤][٢٥]
أمور تعين على الصلاة
توجد العديد من الأمور التي تُعين على أداء الصلاة وعدم التفريط بها، ومنها ما يأتي:
- معرفة الفضل والثَّواب الذي يحصل عليه العبد عند القيام بها، وما يضيع عليه إن فاتته أو أدَّاها متكاسلاً عنها، فهي أحبُّ الأعمال عند الله -تعالى-، وأجرها وثوابها عظيمٌ عند الله -تبارك وتعالى-.[٢٦]
- التَّوكُّل على الله -تعالى- والاستعانة به، والتوجُّه إليه بالدعاء بالثبات عليها بإخلاص، واليقين بإجابة الله للدعاء.[٢٦]
- تمرين النَّفس على الأخلاق التي تُعين على الثَّبات عليها؛ مثل قوَّة الإرادة والصبر؛ كالصِّيام مثلاً، فإن الالتزام ببعض العبادات والإكثار منها؛ يساعد على غيرها من العبادات، وتدريب النّفس على القيام إلى الصَّلاة بأوَّل وقتها، والاستعانة بما يعين على ذلك مثل وضع المنبِّه، أو التَّذكير من قِبَل الأهل أو أحد الأصدقاء.[٢٦]
- الابتعاد عن أماكن المعصية، والاقتراب من أماكن الطَّاعات، والتَّواجد مع الصَّالحين، ممَّا يُساعد على فعل الطَّاعات، وكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المرءُ على دينِ خليلِه فلينظُرْ أحدُكم من يخالِلُ).[٢٧][٢٦]
- اعتبارها نوع من شكر الله -تعالى- على نعمه التي لا تُحصى، فهو -سبحانه وتعالى- الذي خلق الخلق ورَزَقَهم، وبالصَّلاة يَشكُرُ العبد ربَّه بقلبه ولسانه وجوارحه.[٢٨]
- مخافة العبد من -الله- ومن العقاب والإثم المترتّب على تركها.[٢٨]
ويُعدّ تعظيم المُسلِم للصَّلاة من تعظيمه للإسلام؛ حيث يقف المسلم فيها بين يدي ربِّه خاشعاً له مُقبِلاً عليه بكلِّيَّته، مظهراً الإيمان الممتلئ به قلبه، خاضعاً لربِّه، تاركاً خلفه شهوات نفسه، مفرِّغاً قلبه من كلِّ شيء سِوى الله، ويتنقّل بين آيات القرآن الكريم متمعِّناً بما فيها من أسمائه -سبحانه وتعالى- وصفاته وكماله،[٢٩] فمن حافظ عليها والتزم بها؛ نال الأجر في الدنيا قبل الآخرة، ومن تركها وفرَّط فيها؛ عوقِب أشدَّ العِقاب.[٣٠]
المراجع
- ↑ عادل الزرقي (2009)، ذوق الصلاة عند ابن القيّم رحمه الله (الطبعة الثانية)، الرياض: دار الحضارة، صفحة 9. بتصرّف.
- ↑ سورة العنكبوت، آية: 45.
- ^ أ ب عبد الله الجار الله، رسالة إلى أئمة المساجد وخطباء الجوامع، صفحة 4. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 667، صحيح.
- ↑ سورة طه، آية: 132.
- ↑ محمد الخطيب (1964)، أوضح التفاسير (الطبعة السادسة)، مصر: المطبعة المصرية، صفحة 387. بتصرّف.
- ^ أ ب منصور السمعاني (1997)، تفسير القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الوطن، صفحة 365، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ محمد المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 9، جزء 99. بتصرّف.
- ^ أ ب إبراهيم الأبياري (1405)، الموسوعة القرآنية، مؤسسة سجل العرب، صفحة 312، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ محمد المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 9-10، جزء 99. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 55.
- ^ أ ب ت ث محمد متولي الشعراوي، تفسير الشعراوي - الخواطر، مصر: مطابع أخبار اليوم، صفحة 9125، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3494، صحيح.
- ↑ فيصل المبارك (2002)، تطريز رياض الصالحين (الطبعة الأولى)، الرياض: دار العاصمة، صفحة 668. بتصرّف.
- ↑ محمد المقدم، لماذا نصلي، صفحة 1، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ عبد الكريم زيدان (2001)، أصول الدعوة (الطبعة التاسعة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 42. بتصرّف.
- ↑ سورة التحريم، آية: 6.
- ↑ علي نايف، المنهاج النبوي في تربية الأطفال، صفحة 4-5. بتصرّف.
- ↑ عبد الكريم الخضير، شرح عمدة الأحكام، صفحة 6، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ عبد الله بن جبرين، شرح عمدة الأحكام، صفحة 6، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 5970، صحيح.
- ↑ فيصل المبارك (2002)، تطريز رياض الصالحين (الطبعة الأولى)، الرياض: دار العاصمة، صفحة 624. بتصرّف.
- ↑ موسى لاشين (2002)، المنهل الحديث في شرح الحديث (الطبعة الأولى)، بيروت: دار المدار الإسلامي، صفحة 122. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 103.
- ↑ محمد المقدم، لماذا نصلي، صفحة 4، جزء 11. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث محمد منصور، "13 وسيلة للحفاظ على الصلاة "، www.archive.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2021. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 442، حسن.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 4589، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ عادل الزرقي (2009)، ذوق الصلاة عند ابن القيّم رحمه الله (الطبعة الثانية)، الرياض: دار الحضارة، صفحة 59. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن السعدي (1991)، الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، صفحة 201. بتصرّف.