الحياة العقلية في العصر العباسي الأول

كتابة:
الحياة العقلية في العصر العباسي الأول


الحياة العقلية في العصر العباسي الأول

فيما يأتي تفصيل للحياة العقلية في العصر العباسي الأول:

الامتزاج الجنسي واللغوي والثقافي

امتدت حدود الدولة العباسية من الصين في الشرق إلى المحيط الأطلسي في الغرب، ومن السودان جنوباً إلى حدود روسيا شمالاً، وقد كانت تعيش في هذه البلاد أممٌ كثيرة تختلف في العرق والثقافة والدين، ولم تكد تدخل في الإسلام حتى امتزجت جميع هذه الشعوب والثقافات بصبغةٍ إسلاميةٍ قوامها الثقافة العربية.


هيأ لهذا الامتزاج نزول العرب فاتحين في هذه البلاد، واتخاذهم النساء والجواري من الجنسيات المختلفة، بالإضافة إلى رابطة الولاء، حيث جعل الإسلام رابطةً روحية بين السيد والعبد، إذا أعتقه فيصبح العبد تابعاً بالولاء لقبيلة السيد ويندرج تحت أفرادها فيصبح منها، وتضاف إلى ذلك الشعوب التي دخلت في الإسلام وامتزجوا بالعرب وكانوا سواسية.


وقد تدرج الموالي في مناصب الدولة في الدولة العباسية، وكانت اللغة العربية هي اللغة السائدة حيث سارع جميع الشعوب لتعلمها واتخاذها لغة للتعبير والتواصل، وكان أسرعهم لذلك الفرس، فظهر الكثير منهم في الساحات العلمية كالغمام أبي حنيفة رحمه الله وتلامذته في الفقه، وسيبويه في العربية، وابن المقفع في الكتابة، وأبي نواس في الشعر.


لقد تعلموا العربية وما زالت ثقافاتهم ومعارفهم موجودةً في عقولهم فصبوها في قوالب عربية، وبهذا تشكلت الحضارة العربية التي أخذت من فلسفة الثقافات الأخرى ومعارفها الطبية والعسكرية والزراعية والإنشائية والمعيشية، وبهذا تكون هذه الثقافات تحولت للعربية لأن أصحابها تكلموا العربية وصاغوها بقالب عربيٍ، وكان من بينهم من أظهر الإسلام وأخفى الكفر والنفاق كعبد الله بن سبأ الذي ألب الجموع على عثمان رضي الله عنه، ولما توفي أشاع بين ضعفاء النفوس أنّ روح النبي صلى الله عليه وسلم حلت في علي رضي الله عنه.[١][٢]


الحركة العلمية

دعا الإسلام لطلب العلمين الديني والدنيوي، فراحوا ينهلون من العلوم الدينية التي نزل بها الإسلام ومن العلوم الدنيوية التي كانت لدى الثقافات الأخرى، وقد انتشرت الكتاتيب حيث كانوا يعلمون الأطفال الصبيان والبنات القراءة والكتابة وعلوم الدين وشيءٌ من الحساب، ثم انتشر المعلمون والمؤدبون للعوام، كما كان هناك معلمون للخواص، ومن الأمثلة عليهم المفضل الضبي الذي كان معلماً ومؤدباً للخليفة المهدي في صغره، والكسائي معلم الرشيد، وابنيه الأمين والمأمون، وقطرب مؤدب الأمين وأبناء أبي دلف العجلي قائد المأمون المشهور.


انتشرت الأسواق الأدبية في البصرة التي كان يأتيها الشباب ليتعلموا الفصاحة من أصحابها، كما كان اللغويون يقصدون البوادي لأخذ اللغة عن أصحابها، وانتشرت في المساجد حلقات العلم وأصبحت أشبه بالمعاهد العلمية، وكان من بينها حلقةٌ للفقه وأخرى للحديث وللنحو وللغة وللتفسير وللقصص ولعلم الكلام، وحلقاتٌ للشعراء ينشدون أشعارهم، وعرفت طائفةٌ المسجديين من الذين كانوا يرتادون هذه الحلقات، وقد خرج من هذه الحلقات العلماء المتخصصون أيضاً؛ كأبي حنيفة في الفقه، والأصمعي في الأدب واللغة، وسيبويه في النحو.[٣]


حركة النقل والترجمة

عني الخلفاء العباسيون منذ فاتحة عصرهم بحركة النقل والترجمة من الكتب التي كتبت باللغات الأخرى إلى اللغة العربية، فأنفقوا عليها الأموال الطائلة وفي مقدمتهم المنصور، حيث اعتنى بنقل كتب الفلك، فاصطنع لنفسه طائفةً من المترجمين الذين أسلموا وفي مقدمتهم نوبخت الفارسي، وقد دفع للمترجمين أموالاً كثيرةً فترجموا له كتاب كليلة ودمنة وكتاب السند هند، كما ترجمت له كتب أرسطوطاليس من المنطقيات وغيرها، وترجم له كتاب المجسطي لبطليموس وكتاب الأرثماطيقي وكتاب أوقليدس، وهذان الأخيران في الرياضيات والهندسة، وقد طلب من جورجيس بن جبريل بن بختيشوع ترجمة الكتب الطبية.


نشطت حركة الترجمة في عهد الرشيد ووزرائه البرامكة، حيث أنشأ الرشيد دار الحكمة وجعل فيها كثيراً من المترجمين، فترجموا كتب الطب والزراعة وأعادوا الترجمة للكتب السابقة، فكانت أكثر دقةً، واهتم البرامكة بترجمة التراث الفارسي، وقد وصلت حركة الترجمة أوجها في عهد المأمون، إذ حول دار الحكمة إلى ما يشبه المعهد العلمي للترجمة، وبنى فيها مرصداً تحول إلى مدرسةٍ رياضيةٍ فلكية، ووظف المترجمين الذين نقلوا تراث الفارسية واليونانية والهندية في شتى مجالات العلوم، ولم يتركوا مجالاً إلا وترجموه وزادوا عليه لا في العلوم فقط، بل في الصناعات والأسمار والخرافات والملل والنحل.[٤]

المراجع

  1. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 3- 89- 98. بتصرّف.
  2. "تحميل كتاب الحياة العلمية والثقافية في بلاد الشام في العصر العباسي الثاني"، مكتبة نور، اطّلع عليه بتاريخ 11/4/2022. بتصرّف.
  3. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 3- 98- 109. بتصرّف.
  4. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 3- 109- 118. بتصرّف.
3954 مشاهدة
للأعلى للسفل
×