محتويات
الجسم والعواطف
ممّا لا شكّ فيه؛ أنّ جسمك يمتلك الكثير من الأسرار والخبايا التي تتكشّف لك شيئًا فشيئًا مع الأيام والمواقف المُختلفة والظروف الجديدة؛ فكما يُعِدّ الجسم جميع الأعضاء والعضلات للقتال أو الهرب -كاستجابة الكرّ والفرّ- في الجدالات، فهو قادرٌ أيضًا على التعامل مع الأحداث المحزنة التي قد تمرّ بها، فمثلًا عندما يكون أحدهم أمام موقف صعب فيُرجّح أن تُسيطر عليه المشاعر والأحاسيس السلبيّة كالحُزن أو الكآبة؛ إذ يُحاول الجسد تخليصه من ذلك بوسيلة دفاعيّة تعزله عمّا حوله، وتسحبه من واقعه كاختطافٍ رحيم من الحقيقة المُرّة، فماذا يحدث لو أنّ الاستجابة الدفاعيّة هذه استمرّت لفترة أطول ممّا يجب؟[١]
ما هو الخدر العاطفي؟
في حين أنّ الاستجابة الدفاعيّة السابق ذكرها أمرٌ جيّد؛ للمُساعدة على التأقلم والتعايش مع الأوضاع الصعبة؛ فإنّ الخدر العاطفي (Emotional Numbing) هو مُعايشة تلك الاستجابة لفترة زمنيّة طويلة تُعيق حياة الفرد وأعماله وعلاقاته الاجتماعيّة، باعتباره عمليّة عقليّة عاطفيّة تُوقف شعور الفرد بالأحاسيس والعواطف، وتُفقده القُدرة على التعبير عنها أو وصفها أو حتّى الاستمتاع بها، فلا ينحصر تأثيره على المشاعر السلبيّة فقط، وإنّما على الفرح والسعادة والبهجة أيضًا، مما يعزل الفرد عن مُحيطه ويُشعره بانفصاله عن الواقع من حوله، ويُثبّط قُدرته على التعامل مع كُلّ ما يتضمّن المشاعر والأحاسيس.[٢]
ويتزامن ذكر الخدر العاطفيّ في كثير من الأحيان مع ذكر اضطراب تبدّد الشخصيّة، الذي يُعدّ حالة مُتقدّمة وأكثر شدّة من الخدر العاطفيّ الذي صُنّف كأحد الاضطرابات النفسيّة حسب الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ للأمراض النفسيّة (DSM-5)، وفيه يُعاني المُصابون من انعزال تامّ عن الحياة والآخرين، وشعورٍ بكونهم مفصولين عن الواقع المُحيط بهم.[٣]
ما أسباب الخدر العاطفي؟
يُرجّح ارتباط الإصابة بالخدر العاطفيّ ( أو اضطراب تبدّد الشخصيّة) بوجود مُشكلةٍ ما في استجابة الدماغ والأعصاب للمشاعر والأحاسيس؛ نتيجة التوتّر، أو التعرّض لموادّ كيميائيّة مُعيّنة، او كأحد الأعراض الجانبيّة الناجمة عن تناول بعض العلاجات والأدوية، وفيما يأتي ذكرٍ لأبرز وأهمّ هذه الأسباب:[٣]
- أسباب ينجم عنها الإصابة بالخدر العاطفيّ دون الإصابة باضطراب تبدّد الشخصيّة، ومنها:
- الإصابة باضطراب الكرب التالي للصدمة (PTSD).
- الإصابة القلق الشديد.
- الإصابة بنوبات التشنّج، الناجمة عن إصابة الفرد بالصرع، أو لتناوله جرعات عالية من بعض الأدوية، أو كأحد الأعراض الجانبيّة لبعض العلاجات التي يستخدمها.
- الإصابة بنوبات شديدة من القلق أو الهلع.
- تعاطي الموادّ الممنوعة والمُخدّرة، وخصوصًا الحشيش، أو اللسيرجيك (LSD)، والكيتامين.
- الإصابة بالاكتئاب الشديد.
- أسباب ينجم عنها الإصابة بالخدر العاطفيّ واضطراب تبدّد الشخصيّة في بعض الحالات، ومنها:
- التعرّض لاعتداء جسديّ.
- في حال كان أحد الوالدين أو شريك الحياة يُعاني من أمراض نفسيّة أو عقليّة.
- التعرّض لصدمة عاطفيّة قويّة؛ كوفاة شخص عزيز أو أحد أفراد العائلة.
- التعرّض لحوادث ما؛ كحوادث السيارات، أو هجوم انتحاريّ، أو حريق كبير.
- التوتّر المُرتبط بالحالة الاقتصاديّة والأوضاع الماليّة للفرد.
- الإهمال والأذى العاطفيّ، خاصّة خلال فترة الطفولة.
- التعرّض لمُشكلة كبيرة أو جدال قويّ مع أحد أفراد العائلة المُقرّبين، أو العاملين والمُدراء في العمل.
- تناول بعض العلاجات والأدوية التي ينجم عنها الإصابة بالخدر العاطفيّ، مثل:
- بعض أنواع الأدوية المُضادّة للاكتئاب.
- بعض الأدوية المُستخدمة في علاج القلق؛ مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائيّة (SSRIs).
ما هو علاج الخدر العاطفي؟
على الرغم من أنّ الخدر العاطفي قد يشكل الخدر مُشكلةً كبيرةً بناءً على درجة تأثيره على حياة المُصابين وأوضاعهم وعلاقاتهم الاجتماعيّة، إلا أنّ هناك مجموعة جيّدة من الطرق العلاجيّة المُقترحة والمناسبة لكلّ حالة حسب سبب الإصابة بالمرض والعوامل المُساهمة في ذلك، وبناءًا عليه يُوصى بأحد العلاجات الآتية:[٤]
- طلب المُساعدة من أحد المُعالجين أو الأطباء النفسيين، ويكون دورهم فيما يأتي:
- البحث في الأدوية التي يُحتمل وجود علاقة بينها وبين إصابة الفرد بالخدر العاطفيّ، والتعديل عليها بما هو مُناسب.
- صرف أنواع مُعيّنة من مُضادات الاكتئاب المُناسبة أو مُضادات القلق؛ للحالات التي تتطلّب ذلك للتخلّص من الخدر العاطفيّ.
- تعليم المُصابين بعض تقنيات واستراتيجيّات التأقلم والتعايش مع الظروف والمواقف المُختلفة؛ للتقليل من تأثيرها عليهم.
- تعليم المُصابين أو من يرغبون الوقاية من الخدر العاطفيّ بطرق التعبير عن المشاعر والأحاسيس، والتعرّف عليها كما يجب.
- مُمارسة التمارين الرياضيّة بانتظام، ومُحاولة إيجاد الرياضة المُحبّبة للنفس والالتزام بها يوميًّا؛ لما في ذلك من تحسين للحالة المزاجيّة للفرد بسبب الإندروفين الذي يُفرزه الجسم عند أداء الرياضات المُختلفة.
- طلب الدعم من العائلة والأصدقاء، وبالأخصّ القريبين من النفس والذين يجد الفرد الراحة عند التعامل معهم، وإخبارهم بما يُزعجه أو يُسبّب له الأذى النفسيّ أو الجسديّ.
- أخذ قسط من الراحة يوميًّا، وذلك بالنوم لمدّة 8 ساعات ليلًا؛ لما في ذلك من تأثير إيجابيّ على الحالة المزاجيّة للفرد.
- التقليل من التوتّر، وذلك له نفع كبير كأحد الخيارات العلاجيّة طويلة الأمد، وكأحد الطرق الوقائيّة أيضًا في التعامل مع الخدر العاطفيّ، ويكون ذلك بالابتعاد عن مصادر التوتّر قدر الإمكان، ومُمارسة استراتيجيّات التخفيف من التوتّر؛ كالتأمّل.
- تناول الأطعمة الصحيّة والغنيّة بالفيتامينات والمعادن؛ وذلك لتقوية الجسم، وتحسين المزاج وتنظيمه.
ما هي الأعراض المُصاحبة للإصابة بالخدر العاطفي؟
تظهر الأعراض الدّالة على الإصابة بالخدر العاطفيّ بدرجات مُختلفة نوعًا ما بين المُصابين، وبالأخصّ وأنّ بعضها قد يتضمّن أعراض اضطراب تبدّد الشخصيّة، وعادًة ما تكون كالآتي:[٢][٣]
- الشعور بالانفصال والابتعاد عن الآخرين من حول المُصاب.
- تفضيل العُزلة على التواجد مع الآخرين.
- الشعور بعدم القُدرة على الانخراط في الحياة وأنشطتها.
- الشعور بالجمود العاطفيّ والجسديّ.
- صعوبة الشعور بالسعادة أو الفرح أو أيّ مشاعر إيجابيّة أُخرى.
- فُقدان الشغف في أداء الأعمال والأنشطة التي اعتاد المُصاب الشعور بالشغف نحوها.
- الشعور بالفراغ.
- صعوبة تذكّر الأشياء، أو الشعور بالانفصال عن الذكريات السابقة.
- صعوبة السيطرة على ما يفعله المُصاب أو يقوله.
- اضطراب فيما يراه ويسمعه المُصاب من حوله؛ فقد يرى مصادر الإزعاج والضوء الساطع على أنّها باهتة وغير صاخبة على الإطلاق، أو يرى الأشياء بحجم أكبر أو أصغر من حجمها الواقعيّ.
- الشعور بعدم الاستقرار النفسيّ.
- الشعور بالإجهاد النفسيّ والجسديّ، رغم عدم قيام المُصاب بأيّ أمر مُرهق أو مُتعب.
المراجع
- ↑ Imi Lo (2018-10-31), "Depersonalisation: Why Do I Feel Empty and Numb?", www.psychologytoday.com, Retrieved 2020-08-19. Edited.
- ^ أ ب Sara Lindberg (2020-04-04), "What Is Emotional Numbing?", www.verywellmind.com, Retrieved 2020-08-19. Edited.
- ^ أ ب ت Jennifer Huizen (2017-11-17), "Feeling numb: What you need to know", www.medicalnewstoday.com, Retrieved 2020-08-19. Edited.
- ↑ "Understanding Emotional Numbness", www.healthline.com, 2018-09-17, Retrieved 2020-08-19. Edited.