محتويات
عناصر العمل الأدبي
يعرف العمل الأدبي بأنه وحدة متكاملة يمتزج فيها عدد من العناصر الفنية والإبداعية في نسق معين، محققة من خلال هذا التمازج نصًا إبداعيًا يجمع بين الفكرة والجمالية، وهذه العناصر هي: اللغة التي تميز العمل الأدبي عن غيره من الأعمال الإبداعية كالأعمال الموسيقية والتصويرية وتعد الأساس الذي يضم سائر عناصر العمل الأدبي ويوحد بينها، كما تُميّز كل عمل أدبي من غيره فاللغة في فن الشعر تختلف عنها في الخطابة وتختلف أيضًا عن فن القصة والرواية وغيرها، كما يتجلى من خلالها أسلوب الذات المبدعة التي تفرد الأديب وتميزه عن غيره،[١] والعاطفة التي تميز النص الأدبي عن غيره من النصوص التي يستحوذ عليها العلم والمنطق، وكذلك الخيال الذي يظهر في نسب متفاوتة بين كل جنس أدبي وآخر تبعًا لاحتياجاته الفنية هو الفكرة التي يقوم عليها، والفكرة التي تجعل من العمل الأدبي ينتظم وفقًا لهدف معين يسعى الأديب بكل ما أوتي من قدرة إبداعية لإيصاله للمتلقي.[٢]
مفهوم الصورة الشعرية
تعد الصورة من أبرز مقومات العمل الأدبي وعناصره، إلا أنها تبدو أكثر وضوحًا و بروزًا في الأعمال الشعرية مقارنة بغيرها من الأعمال الأدبية الأخرى، حتى قيل أن الشعر في جوهره تعبير بالصور، فالصورة ثابتة في كل القصائد وكل قصيدة في حد ذاتها صورة ولعل ذلك لا يدلي بمنظور المحدثين للصورة وحسب، فقد أشار بعض النقاد القدماء لأهميتها في تكوين العمل الأدبي وتبيان هوية العمل الشعري، وقد أشار الجاحظ إلى ذلك في كتاب الحيوان بقوله: "فإنما الشعر صناعة وضرب من النسيج وجنس من التصوير".[٣]
وعلى الرغم من اتفاق القدماء والمحدثين على أهمية الصورة الشعرية ودورها في العمل الأدبي، إلا أنهم قد اختلفوا في تحديد مفهومها حيث ترددوا في تحديدها بين الحسيات والمعنويات، فبينما يؤكد الجاحظ على معنوية الصورة واتصالها بالمجاز والخيال فإن قدامة بن جعفر يقع على النقيض منه في كتابه نقد الشعر فإنّه يذهب إلى أن الصورة الشعرية ما هي إلا ترادف للشكل المحسوس الذي يلجأ الشاعر إليه لتجسيد أفكاره المجردة وذلك كما في قوله: "إذا كانت المعاني للشعر بمنزلة المادة الموضوعة، والشعر فيها كالصورة كما يوجد في كل صناعة من أنه لا بد فيهما من شيء موضوع يقبل تأثير الصورة منها مثل الخشب للنجارة والفضة للصياغة".[٣]
ولا يبتعد المحدثون عن القدماء في نظرتهم للصورة الشعرية، فقد اختلف المحدثون أيضًا في تحديد مفهومها، إلا أن مفهومها ظل محصورًا ضمن التشكيل المعنوي الذي يقوم على الجماليات اللغوية والصياغة البلاغية للنظم الأدبي، وهي بذلك تؤدي مهمة الربط بين عوالم الحس المختللفة لا سيما حين يكون الخيال مرتكزها الأساسي في خلق تلك العوالم، ومن النقاد المحدثين من فصل بين مكنونات الصورة الشعرية من الأدوات الجمالية للصياغة وعدّ كل منها نمطًا من أنماط الصورة الشعرية، فها هو رينيه ويليك يرى أنها مصطلحات تتراكب، وهي تشير بوضوح إلى ذات الحقل من الاهتمام، وأنها ربما كانت هذه المتوالية: الصورة، الرمز، المجاز، الأسطورة، قد قيلت لتمثل التقاء خطين كلاهما هام لنظرية الشعر، أحدهما خاصية حسية، أو أن الحسي والجمالي متواصلان، مما يربط الشعر بالموسيقى والرسم ويفصله عنالفلسفة والعلم، والآخر كناية أو علم البيان فهو التورية التي تتحدث بالاستعارات والمجازات، فتقارن بين العوالم مقارنة جزئية، وتضبط موضوعاته بتحويلها وترجمتها إلى مصطلحات أخرى.[٤]
الخيال في النقد الأدبي
يعد الخيال الوسيلة الأساسية التي يعتمد عليها الإبداع والابتكار في المجالات الفنية، وكون الأدب لون من ألوان الفن فقد ارتكز عليه ليغدو عنصرًا أساسيًا من عناصر العمل الأدبي ومكوناته، وتبعًا لذلك فإنه يمكن تحديد مفهوم الخيال على أنه استعارة ممتدة ذات منطق معقد حيث يسيطر على مقطع شعري أو قصيدة بأكملها، ويعمل كأداة ربط بين ذات الأديب والآخر المتمثل بالمتلقي من جهة، وبين العالم الواقعي الحسي والعالم الافتراضي المبتكر من جهة أخرى، وهو بذلك يساعد في إيصال الفكرة المطلوبة للمتلقي بصورة لا تخلو من الجمالية والتجديد.[٥]
الخيال في النقد الغربي
نشأ الخيال كمصطلح نقدي في الشعر والأدب الإنجليزي في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، فظهر من خلال الحركات الأسلوبية الفنية على نوعين: الأول الخيال الميتافيزيقي والذي ارتبطت تسميته بالشعراء الميتافيزيقين الإنجليز، حيث يقوم هذا النوع من الخيال الأدبي على توظيف الخوارق من الأساطير والخرافات التي تعنى بما وراء الطبيعة وتفسير الواقع تبعًا لها، والثاني الخيال البتراركي الذي يعتمد فيه الشاعر على خلق صور مقتبسة من الطبيعة بهدف مقاربتها مع الواقع المتغنى به، وقد ساد هذا اللون من الخيال الأدبي في شعر الحب الإيطالي والإنجليزي الذي يصور فيه الشاعر التناقض العاطفي بين الحبيبين المتمثل في الرغبة والنفور.[٥]
وقد تبنت المدرسة الرومانسية الغربية الحديثة الخيال كمنهج أدبي يصلح للرد على سابقتها المدرسة الكلاسيكية، حيث قللت من قيمة الخيال، وأخضعته في تزمت لقوالب صارمة لا يجوز لأحد الخروج عنها، وما كان من المدرسة الرومانسية إلا أن تتخذ من مبادئ الكلاسكية نقاط انطلاق لمحاربتها والثورة عليها، بهدف تحرير الأدب من سيطرة المناهج الإغريقية واللاتينية القديمة، فقامت المدرسة الرومانسية بتقديس الخيال وجعله من أهم عناصر العمل الأدبي التي تقوم عليها رؤيتها الخاصة.[٦]
حيث قام رائدها كولردج بخلق نظرية الخيال وميزه من خلالها عن الوهم، وجعل الخيال في قسمين اثنين أحدهما أولي، ويقصد به القوة الأولية التي بواسطتها يتم إدراك الإنسان بعامة، وهو متوفر بهذا الشكل عند كل البشر، والآخر هو الخيال الشعري، وهو تلك القوة التي تـُمَكـِّن الإنسان من الإدراك، ثم تتجاوز به إلي عملية خلق إبداعية، تذوب فيها المتناقضات معًا، ويتم التوفيق بينها عن طريق الوقوف عليها من وحدة كامنة، وقد أتاحت نظرية الخيال وتبنيها للمدرسة الرومانسية أفقًا إبداعيًا كبيرًا تجاوز الأدباء من خلاله حد المألوف من خلال عتق آدابهم وإبداعاتهم من القيود التي فرضتها المدرسة الكلاسيكية على الأدب والفن.[٦]
الخيال في النقد العربي
بينما نشأ الخيال كمصطلح نقدي في الأدب العربي القديم وأحدث جدلًا واسعًا حيث ارتبط عندهم بما يتعلقبقضية الصدق والكذب، فمنهم من برر الكذب في الشعر أي الخيال، ورأى أنه مما يحسن في الشعر ويحسّنه، كما هو الحال عند ابن رشيق القيرواني الذي قال: "ومن فضائل الشعر أن الكذب الذي اجتمع الناس على قُبحه حسن فيه، وحسبك ما حسّن الكذب، واغتفر له قُبحه"، وكذلك الحال عند ابن رشد حيث رأى أن الغلو الكاذب يجملُ عند الشعراء المطبوعين، فيكون منهم محمودًا مقبولًا، ومن النقاد القدماء من استعذب الصدق في الشعر والاعتدال في الخيال والتخييل والميل للمنطق والواقعية فيه كما هو الحال لدى الأصمعي حيث قال: "أجود الشعر ما صدق فيه، وانتظم المعنى".[٧]
إن هذا الخلاف في قضية صدق الشعر وكذبه في النقد العربي القديم لنابع من اختلافهم في تحديد مفهوم الكذب والصدق الشعري، فالكذب الشعري مغاير تمامًا لمفهوم الكذب الأخلاقي، وما يقصد به سوى التخيل والابتكار التصويري، ثم إن المبالغة والمغالاة في نسج الخيال الشعري والتخييل يعود إلى الطاقة الإبداعية للأديب وقدرته على نسج عوالم افتراضية تحاكي العالم الواقعي، وهي لذلك بلا شك فن يطلبه الشعر، ولعل حازم القرطاجني قد وضع حدًا لخلاف القدماء في هذه القضية بقوله" التخييل لا ينافي اليقين كما نافاه الظن، لأنَّ الشيءَ قد يُخيَّل على ما هو عليه، وقد يُخيَّل على غيرِ ما هو عليه"، وهذا يخرج الخيال من قضية صدق الشعر وكذبه.[٨]
أما الخيال فيالنقد العربي الحديث فقد بدا متأثرًا بما دعت إليه المدارس النقدية في الغرب، فمدرسة الديوان كانت قد انتهجت نهج المدرسة الرومانسية في الغرب من نفور من الواقع والسعي نحو المثالية، فتبنت الإسقاط العاطفي على مظاهر الطبيعة واتخذت من الخيال مسلكًا لها لبناء عالمها الافتراضي الذي يمكنها من مواجهة العالم الواقعي كرد علىالمدرسة الكلاسيكية ومنهجيتها الفكرية و النقدية.[٦]
و قد تبنى رائدها: شكري نقل نظرية الخيال عن كولردج كما قام بتوضيح الفرق بين الوهم والخيال، حيث قال:"إن التخيل هو أن يظهر الشاعر الصلات التي بين الأشياء والحقائق، ويشترط في هذا النوع أن يعبر عن حق، والتوهم هو أن يتوهم الشاعر بين شيئين صلة ليس لها وجود، وهذا النوع الثاني يغري به الشعراء الصغار ولم يسلم منه الشعراء الكبار". ولعل فيما توصل إليه المحدثون من أتباع المدرسة الرومانسية ومن سار على نهجهم من أصحاب مدرسة الديوان تفسير لسبب خلاف القدماء في قضية الصدق والكذب، ولعلهم قصدوا بالكذب التوهم الذي ميزه المحدثون عن الخيال الذي هو أساس الشعر والإبداع.[٦]
المراجع
- ↑ "عناصر الأدب"، www.hindawi.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-05. بتصرّف.
- ↑ "عناصر العمل الادبي"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-05. بتصرّف.
- ^ أ ب رابح محوي، الصورة الشعرية في ديوان الأمير أبي الربيع سليمان بن عبد الله الموحد، صفحة 23. بتصرّف.
- ↑ "مدخل: حول مفهوم الصورة"، www.fayoum.edu.eg، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-05. بتصرّف.
- ^ أ ب "خيال أدبي"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-05. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "الخيال المضطرب عند جماعة الديوان"، www.diwanalarab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-05. بتصرّف.
- ↑ الجوهرة بنت بخيت آل جِهجاه، تجلّيات التشكيل النقدي لنظرية الصدق في النقد العربي القديم، صفحة 18. بتصرّف.
- ↑ "ثنائية الصدق والكذب في النقد الأدبي بالغرب الإسلاميفي ضوء تراثها النقدي"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-05. بتصرّف.