محتويات
العهدة العمرية
إن العهدة العمرية هي إحدى المعاهدات من بين مئات المعاهدات التي عقدها الخلفاء الراشدون الأربعة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الطوائف والملل التي تسكن في بلاد الفتوحات الإسلامية من الشام والحجاز وبلاد فارس، حيث كانت الخلافة الراشدة زاهرة بالفتوحات الإسلامية، لا سيما خلافة الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
وقد كانت العهدة العمرية من المعاهدات التي اكتسبت أهمية تاريخية عظيمة لأنها متعلقة بمدينة القدس الدينية التي تحظى باهتمام بالغ عند المسلمين وغيرهم، ولأن العهدة العمرية وقعت بين المسلمين ونصارى فلسطين زاد ذلك من أهمية تلك المعاهدة.
ونص المعاهدة هو: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، أن لا تُسكن كنائسهم، ولا تُهدم، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين".
الدروس والعبر المستفادة من العهدة العمرية
لم تَكن كلمات هذه المعاهدة عهداً كأي عهد، ولا مجرد معاهدة لها بنودها الخاصة المطبقة بين أطراف المعاهدة، بل إنها تعدت ذلك بكثير لتصبح العهدة العمرية نموذجاً تاريخياً على عظمة أمة الإسلام وحسن سياستهم ومن الدروس المستفادة من هذه العهدة ما يلي:
- سمو مبدأ التسامح على سائر المبادئ: ويظهر ذلك من خلال موافقة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على عقد هذه المعاهدة ابتداءً، والإذن بوجودها، رغم قدرته وإمكانيته بعدم إبرامها وإخلاء أرض فلسطين بل الشام كلها من النصارى، ولكن التسامح الإسلامي من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان هو سيد الموقف آنذاك.
- إمكانية التعايش بين المسلمين وغيرهم: حيث رضي المسلمون بالتعايش مع غير المسلمين من النصارى طالما أنهم ملتزمون باحترام الدولة التي يعيشون عليها، بل إن الإسلام ضمن لهم حرية العبادة كما في نص العهدة: "ولا يكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم"،[١]وضمن لهم احترام دور العبادة كما ظهر جلياً في نص المعاهدة، حيث نصت على إعطاء الأمان لكنائسهم فلا تسكن ولا تهدم هذه الكنائس، مما يؤكد على دفع كل التهم الباطلة التي تتهم الإسلام والمسلمين بعدم احترامهم للديانات ومبدأ التعايش السلمي مع الغير.[١]
- احترام مشاعر النصارى وعدم إيذائهم في دينهم: حيث رفض أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يصلي داخل الكنيسة مع العلم أن البطريرك هو من دعاه إلى ذلك حينما أراد عمر أن يصلي، فلم يفعل ذلك عمر مع جواز الصلاة داخل الكنيسة، ولكن أراد عمر أن يحترم مشاعر النصارى وكان له بعد سياسي كذلك؛ فلا يأتي أحد من المسلمين من بعده فيتخذ هذه الكنيسة مسجداً.[١]
- عدم تكليف النصارى فوق طاقتهم: في الجزية كما ورد في بعض النسخ من العهدة العمرية، حيث لا يكلف النصارى ما لا يطيقونه من دفع الجزية ويعفوا منها عند عجزهم عن ذلك مما يظهر مدى سماحة الإسلام مع الآخر.[٢]
- تواضع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: مع قوة هيبته حيث دخل على مدينة القدس متواضعاً لله -تعالى- هو وخادمه على جمل أورق بثوب مرقوع، تاركاً الدنيا كلها وراء ظهره.[٣]
- احترام المسلمين للعهود، فقد تمت هذه المعاهدة والتزم المسلمون بها حتى هذه اللحظة، وليس من شيم وأخلاقيات المسلمين نقض العهود وقد شهد بذلك أهل المعاهدة من النصارى أنفسهم.
- الأهمية العظمى والمكانة العليا لمدينة القدس عند المسلمين، ويظهر ذلك من خلال عدة أمور سنتكلم عنها في فقرة مستقلة.
مكانة القدس في العهدة العمرية
إن للقدس مكانة عظيمة عند المسلمين وقد ظهر ذلك جلياً خلال العهدة العمرية ومما يؤكد ذلك عدة أمور:
- ذهاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بنفسه وهو أمير للمؤمنين آنذاك، ولم يكلف أحداً من قادته على إبرام هذه المعاهدة مع إمكانية ذلك بكل سهولة، كتكليف أبي عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة -رضي الله عنه- بتلك المهمة، ولكن لأهمية المسجد الأقصى وعظيم مكانة القدس عند المسلمين توجه أمير المؤمنين بنفسه لإبرام تلك المعاهدة.
- منع اللصوص من اليهود وقطاع الطرق بالسكن والمرور بهذه الأرض المباركة أرض فلسطين، وذلك من شدة فطنة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وحدة فراسته، حيث تنبه إلى خطر هذه الطائفة الخبيثة من اليهود ناقضي العهود، فجعل من بنود الاتفاقية منعهم من دخول أرض فلسطين.[٤]
المراجع
- ^ أ ب ت منقذ السقار، التعايش مع غير المسلمين في المجتمع المسلم، صفحة 17. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، صفحة 225. بتصرّف.
- ↑ ابن كثير، البداية والنهاية، صفحة 665. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 280. بتصرّف.