إدارة الوقت والقضاء على الفراغ في الشريعة الإسلامية

كتابة:
إدارة الوقت والقضاء على الفراغ في الشريعة الإسلامية

مفهوم إدارة الوقت

إنّ لمعرفة قيمة الوقت وأهميته أثرٌ كبير في النجاح والتقدّم على الصعيدين الفردي والجماعي، وقد أصبح فن إدارة الوقت من الأمور التي تُبحث بشكل واسع من قِبل علماء الإدارة والتنمية، فإدارة الوقت تعني الوسائل التي تساعد الإنسان على الاستفادة القصوى من وقته في تحقيق الأهداف وإنجاز المهام، فالقدرة على إدارة الوقت والاستفادة منه هي المعيار الذي يحدّد الفرق بين الناجحين والفاشلين، فمن أكثر ما يُميّز الناجح قدرته على الموازنة ما بين الواجبات الملقاة على عاتقه والأهداف التي يريد تحقيقها، فالوقت واحد لدى الجميع وهو يمرّ ولا يتوقف وتضييعه بلا فائدة يعني ضياع عمر الإنسان أمّا استغلاله بما ينفع فيعني أنّ الإنسان يتطوّر كلّما مرّ الوقت، وقد حثّت النصوص الشرعية من قرآنٍ وحديث على إدارة الوقت وفي قصة النبي يوسف وحُسن تعامله مع المحنة التي واجهتها البلاد خير مثال على ذلك، وسيكون الحديث في هذا المقال عن إدارة الوقت والقضاء على الفراغ في الشريعة الإسلامية.[١]

إدارة الوقت والقضاء على الفراغ في الشريعة الإسلامية

الوقت هو الحياة والمبادئ التي تقوم عليها إدارة الوقت هي: التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة واتخاذ القرارات، وقد ناقش كتاب إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري للدكتور خالد الجريسي فن إدارة الوقت في الإسلام واستعرض النصوص التي تبيّن كيفية إدارة الوقت في القرآن الكريم والسنّة النبوية، فالتخطيط من المنظور الإسلامي هو: "إعمال الفكر في رسم أهداف مشروعة، مع تحديد الوسائل المتاحة وفق الموارد المباحة شرعًا، وبذل الطاقات في استثمارها، لتحقيق الأهداف في أقلّ وقتٍ ممكن، مع تعليق النتائج بقضاء الله وقدره"، وقد ظهر هذا التخطيط في قصة النبي يوسف حيث رسم خطّة للسنوات المقبلة وعمل على تحقيقها وهي تقوم على مبادئ عدّة من أهمها الموازنة ما بين إنتاج القمح واستهلاكه، وقد حصد النبي يوسف نتائج مبهرة لحسن تخطيطه وإدارته للوقت.[٢]

أمّا عن عناصر التخطيط فتقوم على تحديد الأهداف وترتيب الأولويات واستثمار جميع الموارد المتاحة وبذل الوسائل المشروعة وتعليق النتائج بمشيئة الله -عزّ وجلّ- فالتوكّل لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب ولكن لا بدّ من تعليق هذه الأسباب بالمشيئة والقدرة الإلهية، وجميع هذه العناصر قد ورد في القرآن ما يدلّ عليها ويوضّح أهميتها، ففي قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ}،[٣] بيان لأهمية الأخذ بالأسباب المادية، وفي قوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ}،[٤] دليلٌ على وجوب تعليق هذه الأسباب بأمر الله.[٥]

ولا بدّ في الإسلام من استثمار الوقت بما ينفع والبعد عن تضييعه، فالفراغ نعمة عظيمة وحسن استغلالها من سمات المسلم الحاذق؛ حيث قال رسول الله: "نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ"،[٦] فالفراغ هو الوقت الذي يخلو فيه الإنسان من العمل والواجبات، والإسلام أرشد المسلمين لكيفية ملأ هذه الأوقات بأعمال الخير فالمسلم حياته تدور في فلك العبادة طالما أنّه ينوي ذلك ويستشعر مراقبة الله، فاليوم بالنسبة له هو سلسلة من الأعمال النافعة من صلاة وذكر وسعيٍ إلى الرزق الحلال، وراحته ونومه ما هو إلّا لتقوية جسده وتنشيطه للاستمرار في الطاعات، وفي هذا السياق يقول الصحابي الجليل معاذ بن جبل: "إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي".[٧]

ومن الوسائل النافعة التي يمكن من خلالها استغلال وقت الفراغ المشاركة في الصدقات الجارية،[٨] والسعي في مصالح الناس والعمل على خدمتهم، والإكثار من ذكر الله -عزّ وجلّ- فهو أنفع ما يقضي الإنسان به وقته، كما أنّ لعمارة المساجد من خلال تأدية الصلوات المفروضة فيها وحضور مجالس العلم وتعاهدها بالعناية والاهتمام بنظافتها وبفرشها ومرافقها من أعمال البر التي تجعل من وقت الفراغ وقتًا مثمرًا ونافعًا، ومن وسائل استثمار الفراغ العمل على نشر العلم النافع بالوسائل المشروعة والدعوة إلى الله وفقًا للإمكانيات المتاحة، ومن أفضل ما يقضي به المسلم وقت عدم انشغاله التفقّه بدين الله وقراءة كتابه وحفظه، كما أنّ الإسلام يُشجّع على الرياضات النافعة التي ليس بها محظورات شرعية كركوب الخيل،[٩]وصلة الأرحام وزيارة الأقارب والأصدقاء الصالحين من أنفع الأعمال التي يستثمر بها المسلم وقت فراغه.[١٠]

أهمية الوقت في ضوء الكتاب والسنة

الإسلام دين يُقدّر الأشياء بقدَرها ويُعطي للوقت أهمية بالغة لأن في تضيعه خطورة بالغة على الفرد والأمة، وقد جعل الله -عزّ وجلّ- إدراك أهمية الوقت من علامات التقوى، حيث قال: {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ}،[١١] فالمسلم حريص على وقته يحذر ضياعه وتفويته بما لا ينفع؛ لأنّ هذا الوقت هو عمره وحياته، وقد وزّع الإسلام العبادات الكبرى من صلاة وصيامٍ وحج وزكاة على أجزاء اليوم وفصول السنة، وفي هذا ترتيب دقيق ومثمر للحياة،[١٢] ومن شرف الوقت وأهميته أنّ الله سبحانه قد أقسم به في أكثر من موضع في القرآن الكريم، حيث قال تعالى في سورة الفجر: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ}،[١٣] وقال في سورة الضحى: {وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى}،[١٤] وقال في سورة العصر: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}،[١٥] كما دلّت الكثير من الأحاديث النبوية على أهمية الوقت وفيما يأتي ذكرٌ لبعضها:[٩]

  • قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لا تزولَ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عُمُرِهِ فيمَ أفناهُ؟ وعن علمِهِ فيمَ فعلَ فيهِ؟ وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَهُ؟ وفيمَ أنفقَهُ؟ وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ؟".[١٦]
  • قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "اغتنِمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: شبابَك قبلَ هَرَمِك، وصحتَك قبلَ سقَمِك، وغِناك قبلَ فَقرِك، وفَراغَك قبلَ شُغلِك، وحياتَك قبلَ مَوتِك".[١٧]

المراجع

  1. "الإسلام وفن إدارة الوقت"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-20. بتصرّف.
  2. "كتاب إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-20. بتصرّف.
  3. سورة الأنفال، آية:60
  4. سورة الكهف، آية:23
  5. "كتاب إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-20. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:6412، حديث صحيح.
  7. "نظرة الإسلام إلى وقت الفراغ"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-20. بتصرّف.
  8. "فضائل اغتنام الوقت في القرآن الكريم والسنة النبوية"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-20. بتصرّف.
  9. ^ أ ب "أهمية الوقت"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-20. بتصرّف.
  10. "تنظيم الوقت"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-20. بتصرّف.
  11. سورة يونس، آية:6
  12. "الانتفاع بالوقت"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-20. بتصرّف.
  13. سورة الفجر، آية:1
  14. سورة الضحى، آية:1
  15. سورة العصر، آية:1
  16. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد، الصفحة أو الرقم:126، حديث صحيح.
  17. رواه البيهقي، في الآداب، عن عمرو بن ميمون، الصفحة أو الرقم:498، حديث مرسل.
5345 مشاهدة
للأعلى للسفل
×