الدولة الأموية في الأندلس

كتابة:
الدولة الأموية في الأندلس

الأندلس

أطلق اسم الأندلس على شبه الجزيرة الأيبيرية التي فتحها المسلمون وحكموها لثمانية قرون، تأسّست بداية كإمارة بقيام الدولة الأموية في الأندلس، والتي بدأت بنجاح بحكم الخليفة الوليد بن عبد الملك، وفي نهاية الحكم الأموي، تلاهم ملوك الطوائف فتشتت حكمها بين أيديهم، إلى أن جاء المرابطون والموحّدون ووحّدوها، ثم انتقلت إلى خلافة بني الأحمر، فكان على أيديهم نهاية الحكم الإسلامي في الأندلس، عندما سلّم أبو عبد الله الصغير غرناطة آخر معاقل المسلمين فيها لقائدِ الحملة الصليبيّة فرناندو الثاني وزوجته إلزابيث الأولى 1492.[١]

الدولة الأموية في الأندلس

قام القائد طارق بن زياد بحملة لتوسيع الدولة الإسلامية 711م على شبه الجزيرة الأيبيرية، وفتحها وضمّها للدولة الإسلامية، سنة 750 م دخلها صقر قريش عبد الرحمن بن معاوية الداخل، وأسس فيها الدولة الأندلسية، لتقوم في المغرب أول دولة إسلامية مستقلة عن الدولة العباسية، فكانت امتدادًا لدولة بني أمية التي قضى عليها العباسيون في المشرق العربي، وفي سنة 756 بنى عبد الرحمن الداخل مدينة قرطبة التى أصبحت عاصمة للأندلس، وأسس سياستها بعيدًا عن العنصرية والقبلية، وبديلا عنهما، واعتبرت المدينة المنافسة لبغداد عاصمة العباسيين.[١]

ساعد وضع الأندلس في تلك الفترة عبد الرحمن الداخل في إقامة الدولة الأموية في الأندلس، لما كان فيها من صراعات بين الولاة وبين العرب المضرية والعرب اليمانية من جهة وبين العرب والبربر من جهة أخرى، فاستغل هذه الأحداث وراسل أتباع الأمويين ومواليهم في الأندلس، واستمالة بربر الأندلس واليمانيين إلى جانبه، فشكّل جيشًا، وتمكن به في معركة المصارة من هزيمة آخر ولاة الأندلس يوسف بن عبد الرحمن الفهري، ودخول قرطبة، وتأسيس إمارته المستقلة في الأندلس.[٢]

عندما توفى عبد الرحمن الداخل، تسلّم الحكم ابنه هشام الرضا ومن بعده حفيده الحكم الربضي، الذين تصدّيًا لمحاولات الممالك المسيحية في الشمال للتوسع جنوبًا. ومع ذلك كادت تسقط الدولة إثر ثورة داخلية من بعض أهل قرطبة على الحكم بن هشام، إلا أنه نجح في القضاء عليها.[٢]

تميزت الدولة الأموية في الأندلس بازدهارها العسكري والتجاري والثقافي والأخلاقي والعمراني ملحوظ خاصة في عهد عبد الرحمن بن الحكم، فكانت أكثر مدن العالم اتساعًا في عام 935م، كما شهدت الدولة الأموية في الأندلس نهضة في العلوم التي ساهم فيها علماء الأندلس على اختلاف دياناتهم وخلفيّاتهم العرقية، ونهضة التعليم العام، فأجاد عامة الشعب القراءة والكتابة في الوقت الذي كان فيه نبلاء القوم الأوروبيون لا يستطيعون ذلك، مما جعلها، خاصة عاصمته قرطبة تنافس بغداد عاصمة الدولة العبَّاسيَّة والقُسطنطينيَّة عاصمة الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، وكان من أبرز ما نافست فيه عُلماءها مثل: إبراهيم بن يحيى الزرقالي في علم الفلك، وجابر بن أفلح في علم المُثلثات، وأبو القاسم الزهراوي في الجراحة، وابن زُهر في الصيدلة، وغيرهم.[٣]

كبوة الدولة واستعادة قوّتها

شهد عهد محمد بن عبد الرحمن وولديه المنذر وعبد الله عدد من الثورات الداخلية التي تعرّضت لها الإمارة من المولدين والمستعربين والبربر وبعض القبائل العربية، ونجحت هذه الثورات في تأسيس إمارات شبه مستقلة فلم تخضع لسلطة الدولة إلا بالاسم، ومن هذه الثورات: ثورة مدينة طليطلة، وثورة ابن يامن البربري، وثورة أهل تاكرنا الثالثة، وثورة محمد بن تاجيت، وثورة بنو موسى بن ذي النون بكورة شنتبرية، وثورة إشبيلية، وثورة زعال بن يعيش بن فرانك النفزاوي ... إلخ، وأخطرهم عمر بن حفصون الذي تمرد على الدولة في الجنوب، وما صاحب هذه الثورات من هجمات خارجية من النورمان والممالك المسيحية في الشمال في محاولة استعادة الأراضي التي دخلت تحت الحكم الإسلامي، وفي فوضى حالة التمرد الداخلية والهجمات الخارجية ضعفت سلطة الدولة على أراضيها حتى انحسرت سلطة الأمير عبد الله بن محمد فقط على قرطبة وأحوازها.[٤]

استعادت الدولة الأموية في الأندلس قوّتها العسكرية ووحدتها السياسية، بعد تولى الأمير عبد الرحمن بن محمد الحكم، واستعادته السيطرة على البلاد تحت السلطة المركزية في قرطبة بعد عدّة حروب خاضها. وأمام خطر الدولة الفاطمية الناشئة في شمال أفريقية، أعلن عبد الرحمن بن محمد نفسه خليفة على الأندلس، وتلقب بالناصر لدين الله، لتقوية مركزه الديني في مواجهة الدولة الفاطمية، وعمل على دفع الخطر عن الدولة الأموية في الأندلس من خطر الفاطميين بتحصين الموانئ الجنوبية للأندلس، وضم موانئ المغرب المواجهة للأندلس في مليلة وسبتة وطنجة، إضافة إلى دعم البربر المعادين للفاطميين في المغرب ماديًا وعسكريًا، والتصدي لأطماع الممالك المسيحية في الشمال.[٢]

استمرّ تحسّن حال الدولة الأموية في الأندلس في عهد ابنه الحكم وعرفت أوجها الثقافي في عهده، فاشتهر بالثقافة والعمران، إلا أن الحكم المستنصر بالله عندما اختار ابنه هشام المؤيد بالله لولاية عهده أخطأ في اختياره لصغير سنّه، فاستغلّه بعض رجال الدولة كالحاجب جعفر بن عثمان المصحفي وصاحب الشرطة محمد بن أبي عامر واستأثروا بكل السلطات، وفرضوا على الخلافة وصاية أم الخليفة صبح البشكنجية، واستأثروا هم بكل السلطات، ثم استفرد محمد بن أبي عامر بكل السلطات، وحجر على الخليفة الطفل، لتبقى السلطة الإسمية له فقط، أمّا الحكم الفعلي فكان لابن أبي عامر الذي تلقب بعد ذلك بالحاجب المنصور الذي أسس دولة أخرى داخل الدولة الأموية في الأندلس، سمّاها بالدولة العامرية.[٢]

عرفت سياسة الحاجب المنصور، وصول البربر وبكثرة إلى المناصب القيادية في الجيش واختفاء القيادات العربية من الجيوش، وظل هذا الحال حتى خلفه ابنه المظفّر في عهد الخليفة هشام المؤيد بالله، ثم خلفه أخاه شنجول بعد وفاته المظفّر، فأجبر الأول الخليفة على إعلانه ولاية العهد لشنجول.[٢]

نهاية الدولة الأموية في الأندلس

بعد أن تولى شنجول الحكم، انقلب الأمويين بقيادة الأمير محمد بن هشام على حكمه لما رأوا فيه اغتصابًا لحقهم في حكم الأندلس، فأطاح الأمير محمد بشنجول والخليفة المؤيّد من سدة الحكم، وأعلن نفسه الخليفة الجديد. وجاء المهدي بالله الذي حرص على التنكيل بالعامريين والبربر إذ كانوا عماد جيش الحاجب المنصور، ففر العامريون إلى شرق الأندلس، وأسسوا إمارتهم هناك، والتف البربر الأمير الأموي سليمان بن الحكم الذي ثار على المهدي بالله، ونجح في اقتلاعه من منصبه وإعلان نفسه خليفة بدلًا منه، ومن هنا دخلت الدولة الأموية في الأندلس في حالة من الصراع والتفكك وبسبب تنازع الخلفاء الأمويون في الأندلس فيما بينهم، وتفتت الدولة إلى دوليلات وممالك صغيرة، عُرفت هذه الفترة تاريخيًّا بدول الطوائف.[٥]

الحضارة الإسلامية في الأندلس

كان للدولة الأموية في الأندلس، أثر كبير في التأثير على أوروبا والممالك المجاورة لها، لما شهدته من ازدهار ثقافي وفكري وعمراني وحضاري، فقد كانت قرطبة مقصدًا للعديد من طلبة العلم الأوروبيين. كما اهتم الامويون بالعمران، فبنوا في قرطبة وحدها 1600 مسجدًا واشتهر المسجد الجامع على الأخص منها في قرطبة، وبلغ عدد حماماتها 600. كما شيّد فيها الأمويون 200000 دار و80000 قصر، منها قصر دمشق الذي بنوه ليشابه قصورهم في بلاد الشام، وعرفت منطقة الربض في الشرقي من قرطبة 170 امرأة يكتبن المصاحف بالخط الكوفي.[١]

كما انتشرت المكتبات واشتهرت، وراجت الكتب في جميع أنحاء البلاد وكثر التأليف والمؤلفون، وكان الخليفة الأموي الحكم الثاني جمّاعًا للكتب، وكان يرسل المبعوثين إلى دمشق والقاهرة وحلب وبغداد والمدن الأخرى لشراء الكتب بأثمان عالية حتى استطاع أن يجمع نحو 400 ألف مجلد لمكتبته، كما انتشرت الحلقات التعليمية في أغلب جوامع الأندلس وبشكل خاص في المدن الرئيسية كقرطبة وطليطلة وإشبيلية، وكانت الحلقات التعليمية في عدد من الجوامع تجذب الطلاب المسلمين والمسيحيين على السواء، كما انتشر تعلّم الأوروبييين للغة العربية في عهد الأمويين لتحصيل العلوم العربية.[١]

وقد تحدّث عدد من المؤرّخين عن شباب قصدوا طليطلة ليتعلموا الفلك، فأخذوا العلوم وترجموها وكان للأندلس حينها دورًا رئيسًا، وكان منهم اليهود الذين تعلموا اللغة العربية وألفوا بها إلى كتبًا، فكانوا إلى جانب المستعربين وعدد من اللاتينيين الوسطاء في عملية نقل العلوم إلى أوروبّا.[١]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج "الأندلس"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 12-07-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج "الدولة الأموية في الأندلس"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-07-2019. بتصرّف.
  3. "الحضارة العربيّة في الأندلس وأثرها في أوربا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-07-2019. بتصرّف.
  4. حمدي حسين (1993)، ثورات البربر في الأندلس في عصر الإمارة الأموية.، الاسكندرية: مؤسسة شباب الجامعة، صفحة 88-89. بتصرّف.
  5. "عبرة الأندلس"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-07-2019. بتصرّف.
5218 مشاهدة
للأعلى للسفل
×