محتويات
العضلات ومشكلاتها
لك أن تتخيّل الدور الذي تحمله عضلات الجسم على عاتقها في تنظيم الحركة والمشي وأداء الأعمال المُختلفة، ولك أن تتخيّل أنّ المسؤول عن بقائك على قيد الحياة وضخّ الدم إلى جميع الخلايا في جسدك هو عضلة أيضًا، حتّى أنّ العمليات والوظائف التي تُدار تحت الجلد ما بين الأعضاء وداخلها تنتظم بواسطة العضلات كذلك، ويُقدّر عدد العضلات المسؤولة عن دعم العظام ومُساندتها (العضلات الهيكليّة) بأكثر من 650 عضلةً، أمّا العضلات الأقلّ ظهورًا لعينك والتي لا تشعر بحركتها في الواقع (العضلات الملساء) فهي تتجاوز المليارات من العضلات الموزّعة في كافّة أنحاء الجسم، بوظائف ومواقع مُتنوّعة، وفي ظلّ الأهميّة التي تحتلها العضلات ما تأثير إصابتها بالمشكلات والاضطرابات يا تُرى؟[١]
ما هي الديستونيا؟
تضّم الديستونيا أو ما يُسمّى أيضًا خلل التوتّر العضليّ (Dystonia) مجموعةً من اضطرابات الحركة وليس اضطرابًا واحدًا بحدّ ذاته، وهي تنجم عن أسباب عديدة ومُختلفة عن بعضها بعضًا، ويُمكن القول إنّها من الاضطرابات العصبيّة المؤثّرة في الوظائف الحركيّة للأعصاب والدماغ، تتسبّب بحركات وتقلّصات غير إراديّة في عضلة واحدة في الجسم، أو في مجموعة من العضلات، أو حتّى في جميع عضلات الجسم، وعادةً تظهر على الفرد متمثّلةً بحركات غريبة ومُضطّربة، أو وضعيات غير طبيعيّة، ولُحسن الحظّ فهي ليست من الاضطرابات الشائعة والمُنتشرة بين الناس؛ إذ إنّ نسبة انتشارها لا تتعدّى 1% من مجموع السكّان حول العالم.[٢][٣]
ما أعراض وعلامات مرض الديستونيا؟
تتفاوت الأعراض المُصاحبة للإصابة بمرض الديستونيا ما بين المُصابين، وتجتمع جميعها في الإصابة بالتشنّجات أو التقلّصات العضليّة في مكان ما في الجسم، وتتميز هذه التقلّصات بالآتي:[٤]
- تحدث أثناء القيام بعمل أو نشاط ما، كالكتابة أو الرسم.
- عادةً ما تبدأ التقلّصات في مكان واحد في الجسم، كالذراع، أو الرقبة، أو الساق.
- تزداد شدّة التقلّصات مع الوقت.
- تزداد شدّة التقلّصات عند الشعور بالقلق، أو التوتّر، أو الشعور بالإعياء والتعب العام الشديد.
وتستهدف الديستونيا أماكن مُختلفةً من الجسم، ليختلف تأثيرها وأعراضها حسب مكان الإصابة، كما يأتي:[٤]
- اليد أو الذراع: تحدث الديستونيا أثناء مُمارسة نشاط مُعيّن، كالكتابة، أو اللعب والتمرّن على إحدى الآلات الموسيقيّة.
- الرقبة: إذ تتسبّب الانقباضات العضليّة بالتواء الرأس المؤلم نحو أحد الجانبين أو إلى الأمام أو الخلف.
- جفون العين: تكون الانقباضات العضليّة فيها سببًا في سُرعة رمش العينين، أو إغلاقهما بطريقة يصعب على الفرد فتحهما كما في الحالة الطبيعيّة، وتزداد شدّة هذه الأعراض عند التعرّض للضوء الساطع، أو الوجود في المواقف والظروف التي تبعث على القلق أو التوتّر.
- الحبال الصوتيّة: تسبّب الديستونيا تغيّر صوت المُصاب، ليُصبح أكثر قوّةً أو أشبه بالهمس.
- الفكّ أو اللسان: تتمثّل الأعراض بصعوبة التحدّث، أو صعوبة المضغ والبلع، بالإضافة إلى سيلان اللعاب، وهي عادةً ما تحدث بالتزامن مع ديستونيا الرقبة، وديستونيا جفون العين.
متى يجب مراجعة الطبيب؟
قد تتشابه الأعراض المُصاحبة للإصابة بالديستونيا مع أعراض أمراضٍ واضطرابات أُخرى، وهي عادةً ما تكون بسيطةً ومتوسّطةً في بداية المرض وتشتدّ مع مرور الوقت، ولأجل ذلك يُوصى دائمًا بمُراجعة الطبيب واستشارته في حال عانى الفرد من أيٍّ من أعراضها السابقة أو وجد في جسمه انقباضات عضليّةً لا إراديّة أثناء عمله أو أدائه لأحد الأنشطة؛ للبحث في أسباب الحالة وتشخيصها المُناسب وعلاجها في أسرع وقت.[٤]
ما أنواع مرض الديستونيا؟
بالنسبة لأنواع الديستونيا فهي في الحقيقة تعتمد على المنطقة المُتأثّرة بالمرض من الجسم، وبناءً على ذلك توجد الأنواع الآتية:[٥]
- الديستونيا النصفيّة (Hemidystonia)، التي تُصيب الساق والذراع في أحد جانبيّ الجسم.
- الديستونيا العامّة (Generalized dystonia)، التي تستهدف أماكن في مُختلف أنحاء الجسم.
- الديستونيا البؤريّة (Focal dystonia)، التي تستهدف منطقةًا أو مكانًا واحدًا فقط في الجسم.
- الديستونيا الجزئيّة (Segmental dystonia)، التي عادةً ما تكون في منطقتين على الأقلّ أو مكانين مُتجاورين في الجسم.
- الديستونيا مُتعدّدة البؤر (Multifocal dystonia)، وهي التي تستهدف مكانين مُنفصلين على الأقل من الجسم.
أسباب مرض الديستونيا
تُصنّف الديستونيا إلى ثلاثة أقسام وفق الأسباب الكامنة وراء الإصابة بها؛ القسم الأول هو الديستونيا الأوليّة، والثاني هو الديستونيا الثانويّة، والثالث هو الديستونيا الناجمة عن العلاجات والأدوية، وفي ما يأتي توضيح لكلّ منها على حدة:
الديستونيا الأوليّة
هي التي لا تكون ناجمةً عن مُشكلة صحيّة واضحة أو مرض مُعيّن، ويُرجّح أنّها ترتبط بوجود طفرة جينيّة أو خلل جينيّ ما لدى بعض المُصابين، أو أنها مُرتبطة بوجود تلف أو خلل مُعيّن في إحدى مناطق الدماغ المُسمّاة العُقد القاعديّة (Basal ganglia)، المسؤولة عن تصنيع النواقل العصبيّة المُتحكّمة بحركات الجسم اللاإراديّة، ويُعتقد بأنّها قد لا تُصنّع كميات النواقل العصبيّة الكافية، أو أنّها لا تُصنّع الأنواع المُناسبة بالضبط لهذا العمل، مما ينجم عنه أعراض الإصابة بالديستونيا.[٢]
الديستونيا الثانويّة
ترتبط الإصابة بالديستونيا هنا بوجود بعض الاضطرابات والأمراض الأُخرى، ويُذكر منها ما يأتي:[٢]
- الإصابة بمرض الشلل الارتعاشي، إذ إنّه ناجم عن وجود مُشكلة في العُقد القاعديّة أيضًا، لذا فقد يتزامن وجود كلا المرضين لدى المُصابين في كثير من الحالات.
- الإصابة بسكتة دماغيّة.
- وجود أورام دماغيّة.
- التعرّض لإصابة في الرأس.
- التسمّم بالمعادن الثقيلة، أو التسمّم بغاز أوّل أُكسيد الكربون.
- الإصابة بعدوى ما، كالتهاب الدماغ، أو الإصابة بفيروس العوز المناعي البشريّ، أو الإصابة بالسلّ.
- الإصابة بالشلل الدماغي، ففي كثير من الأحيان تكون الديستونيا أحد الأعراض الرئيسة للإصابة به.
- الإصابة بالتصلّب اللويحيّ.
- نقص إمداد الأكسجين في الجسم.
- الإصابة بداء ويلسون.
- الإصابة بداء هنتنغتون.
الديستونا المُرتبطة بالأدوية
هي التي تحدث بعد تناول بعض العلاجات والأدوية لأوّل مرّة، أو بعد مدّة مُعيّنة من استخدام بعض الأدوية المُضادّة للذهان، بما يُسمّى الديستونيا المُتأخرّة (Tardive dystonia)، وفي ما يأتي ذكر لأبرز الأدوية والعلاجات التي قد تكون سببًا للإصابة بالديستونيا:[٢]
- الباراسيتامول.
- لوكسابين.
- بيبيراسيتازين.
- ثيوريدازين.
- تريفلوبيرازين.
- تريميبرازين.
طرق تشخيص الديستونيا
بالنسبة للإجراءات والخطوات التشخيصيّة التي يتّبعها الطبيب لتأكيد إصابة أحدهم بالديستونيا أو نفيها فلا يُمكن القول إنّه توجد فحوصات مُحدّدة بالضبط لذلك، فكلّ حالة قد تكون مُختلفةً تمامًا عن الأُخرى، وعادةً ما يعمد الطبيب إلى تقييم الأعراض التي يشكو منها المُصاب أولًا، بعد معرفة تاريخه المرضيّ كاملًا، وتاريخ عائلته المرضيّ أيضًا، ويكون ذلك بالإضافة إلى إجراء واحد أو أكثر من الفحوصات الآتية:[٥]
- فحوصات تحليليّة للدم، والبول، والسائل الدماغيّ الشوكيّ (CSF).
- فحوصات جينيّة؛ للبحث في وجود أيّ طفرات أو مشكلات في الجينات المسؤولة عن الإصابة بالديستونيا.
- تخطيط كهرباء الدماغ (EEG)، وتخطيط كهربائيّة العضل (EMG).
- الفحوصات المخبريّة الأُخرى، التي تستثني أن تكون الأعراض ناجمةً عن أمراض ومشكلات صحيّة أُخرى عدا الديستونيا.
كيف يعالج مرض الديستونيا؟
تختلف العلاجات الموصوفة من قبل الطبيب في التعامل مع حالات الإصابة بالديستونيا؛ وفق نوعها وشدّة الأعراض المُصاحبة للإصابة بها، وفيما يأتي ذكر لبعض الخيارات العلاجيّة المُتّبعة:[٣]
- حُقن البوتوكس، التي تُعطى في العضلات المُصابة كلّ 3 أشهر، وتهدف إلى إيقاف عمل الناقلات العصبيّة المسؤولة عن حدوث التقلّصات العضليّة.
- العلاج بالتحفيز العميق للدماغ (Deep brain stimulation)، الذي يقتضي زرع أقطاب في مناطق مُعيّنة من الدماغ، تكون موصولةً بجهاز مزروع في صدر المٌصاب، يُرسل نبضات كهربائيّةً إلى الدماغ؛ للسيطرة على التقلّصات العضليّة المُصاحبة لمرض الديستونيا.
- بعض العلاجات والأدوية، التي يصرفها الطبيب لبعض المُصابين بالديستونيا، ومنها:
- ليفودوبا.
- ديازيبام.
- لورازيبام.
- كلونازيبام.
مضاعفات مرض الديستونيا
بالنسبة للمخاطر والمُضاعفات المُحتمل حدوثها في حال الإصابة بالديستونيا فهي تعتمد على نوعها، ويُذكر من أبرز هذه المُضاعفات ما يأتي:[٤]
- الشعور بالإرهاق والألم من كثرة التقلّصات العضليّة التي تحدث في الجسم.
- صعوبة الرؤية الناجمة عن تأثّر جفون العين.
- صعوبات ومشكلات في الحركة، مما قد يُعيق سير حياة المُصاب وأعماله.
- الإصابة بالاكتئاب أو القلق، والانسحاب الاجتماعيّ.
المراجع
- ↑ Jill Seladi-Schulman (2020-02-04), "How Many Muscles Are in the Human Body?", www.healthline.com, Retrieved 2020-08-08. Edited.
- ^ أ ب ت ث Tim Newman (2018-01-04), "What you need to know about dystonia", www.medicalnewstoday.com, Retrieved 2020-08-08. Edited.
- ^ أ ب "Dystonia: Causes, Types, Symptoms, and Treatments", www.webmd.com, 2019-08-28, Retrieved 2020-08-08. Edited.
- ^ أ ب ت ث "Dystonia", www.mayoclinic.org, 2020-04-25, Retrieved 2020-08-08. Edited.
- ^ أ ب "Dystonia", www.hopkinsmedicine.org, Retrieved 2020-08-08. Edited.