الرثاء في العصر الأموي

كتابة:
الرثاء في العصر الأموي

الرثاء

الرثاء هو ذِكر صفات الميّت الحَسَنة والتفجّع عليه مع التأسي بأخلاقه، وكانت قصيدة الرثاء تقوم على أمورٍ عدّة، منها الاستهلال وهو ابتداء القصيدة بذِكر حادثة الموت وزمانها ومكانها، ثمّ ذكر تأثير الحادثة ووقعها على أهل الميت وفي نفس الشاعر، أمّا العمود الثالث لقصيدة الرثاء فهو تأبين الميت وذكر محاسنه، وهنا تختلف طريقة التأبين بحسب الشخص المُتَوفّى، فإن كان شابًا أو كهلًا يذكر الشاعر صفات الكرم والشجاعة والقوة والإقدام، إما إن كان المتوفى شيخًا فيذكر الشاعر صفات الوقار والتوبة، وإن كان طفلًا فسيذكر صفات البراءة والطهر، أما المرأة فسيذكر محاسنها الخَلقية والخلقُية، والعنصر الرابع لقصيدة الرثاء هو التأسّي بصفات الميت الحميدة والتعزية به، وسيتحدث هذا المقال عن الرثاء في العصر الأموي. [١]

الرثاء ما قبل العصر الأموي

عُرف الرثاء منذ العصر الجاهليّ، وامتاز بالصدق والعفويّة، حيث كان الشعراء بالجاهلية يذكرون محاسن مواتهم وقتلاهم في الحرب كي يشعلوا نار الثأر في قلوب أقوامهم فكانوا يذكرون مناقب موتاهم ومحاسنهم ويبكونهم بكاءً شديدًا، وكما كان الشعراء يذكرون المحاسن ويعددون الفضائل بقصيدة المدح، كذلك برعوا بذكرها في قصيدة الرثاء حتّى عُرِفت قصيدة رثاء الميت بذكر فضائله، وكان للمرأة دور مهمّ في رثاء القتلى بالحروب، فقد كُن يَدعُنّ بدعوى الحاهلية، ومن النساء اللّاتي بَرعنَ في هذا المجال هند بنت عتبة التي حاكت الخنساء برثاء أخويها صخر ومعاوية [٢]، حيث مكثت السنوات الطوال وهي ترثي أخاها صخر قائلةً: [٣]

يذكّرني طلوعُ الشمسِ صخرًا

وأذكرُه لكلّ غروب شمس 

فلولا كثرة الباكين حولي

على إخوانِهم لَقتلتُ نفسي 

وما يَبكينَ مثل اخي ولكنْ

أسلّي النفسَ عنه بالتأسّي 

فقد ودّعتُ يومَ فراقِ صخرٍ

أبي حسان لذّاتي وأنسي

وبقي الرثاء في صدر الإسلام، إلّا أن العقيدة الجديدة أضفت عليها تطورات وتغيرات مثل الرضى بالقضاء والقدر والتسليم لله -سبحانه وتعالى-، ومن ذلك ما قالته فاطمة -رضي الله عنها- برثاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: [٤]

اغْبَرَّ آفاقُ السماءِ فَكُوِّرتْ 

شمسُ النهار وأظْلَم العَصرانِ 

الأرضُ من بعد النبيِّ كئيبةٌ 

أسَفًا عليه، كثيرةُ الرَّجَفانِ 

فليَبكِه شرقُ العباد وغربُها 

وليَبْكِه مُضَرٌ وكُلُّ يَماني 

وليَبكه الطَّودُ المعظَّمُ جَوُّهُ 

والبيتُ ذو الأستار والأرْكانِ 

يا خاتَمَ الرُّسل المُبارَك ضَوءُه 

صلَّى عليك مُنَزِّلُ القرآنِ

الرثاء في العصر الأموي

الرثاء من الفنون الأدبية التي مرت عبر عدة مراحل ليصل إلى العصر الأموي ناضجًا فوَّاحًا مُضيفًا إلى الثروة اللغوية فرادةً وتجديدًا، ولقد انكمش الشعر وأغراضه ما قبل العصر الأموي، إلّا أنّ الرثاء في العصر الأموي ازداد وتوسعت أبوابه، فقد طرق شعراء العصر الأموي أبوابًا كثيرة منها ما هو جديد تبعًا لظروف حياتهم، ومنه ما هو قديمٌ طُرِقَ مسبقًا بالعصر الجاهلي والإسلامي كالرثاء، فقد بقي الرثاء على وضعه بالعصر الجاهلي والإسلامي، إلا أنّهم بالعصر الأموي أضافوا عليه إضافات جديدة حتى جعلوه غرضًا مستقلًا بذاته، كرثاء القادة والخلفاء وأصحاب الشأن من الدولة وهذا ما عُرف بالرثاء السياسي، فقد انتشر بهذا العصر ظاهرة التكسب بالشعر، وعلى هذا نجد أن الرثاء قد بدأ تدريجيًا بافتقاد الصدق والإخلاص وحرارة المشاعر؛ لأنه كان رثاءًا تقليديًّا طمعًا بالمكاسب والمال، فلم تكن المشاعر الجياشة وصدق تلك المشاعر إلّا في حال كان المتوفّى قريبًا من الشاعر كزوجه أو ابنه أو حتى حبيبه، كما رثت ليلى الأخيلية حبيبها توبة بن الحمير. [٥]

قصائد الرثاء في العصر الأموي

هناك العديد من القصائد في هذا العصر، منها ما كان مُتَكَسّبًا به، ومنها ما كانت تنضح بمشاعر الألم والحزن، ومن أشهر الشعراء الذين بَرعوا بالرثاء في العصر الأموي: الأخطل وليلى الاخيلية وجرير والفرزدق، وفيما يأتي شواهدُ من شعر الرثاء في العصر الأموي:

  • قال الفرزدق في رثاء أبي حرب: [٦]

نعى لي أَبا حَربٍ غَداةَ لَقيتُهُ

بِذاتِ الجَوابي صادِراً أَرضَ عامِرِ

فَقُلتُ أَتَنعى غَيثَ كُلِّ يَتيمَةٍ

وَأَرمَلَةٍ وَالمُعتَفينَ الأَفاقِرِ

لِيَبكِ عَلى سَلمٍ يَتيمٌ وَبائِسٌ

وَمُستَنزَلٌ عَن ظَهرِ ساطٍ مُثابِرِ

تَداعَت عَلَيهِ الخَيلُ تَحتَ عَجاجَةٍ

مِنَ النَقعِ مَعبوطٍ عَلى القَومِ ثائِرِ

وَمُستَلحِمٍ يَدعو كَرَرتَ وَراءَهُ

كَتَكرارِ لَيثِ الغابَتَينِ المُهاصِرِ

وَكَم مِن يَدٍ يا سَلمُ لا تَستَثيبُها

نَفَحتَ إِلى مُستَمطِرٍ غَيرِ شاكِرِ
  • قالت ليلى الأخيليّة في رثاء حبيبها وابن عمّها توبة بن الحمير: [٧]

أيا عين بكّي توبة ابن حميرِ

بسح كفيض الجدول المتفجرِ

لتبك عليه من خفاجة نسوة

بمَاء شؤونِ العَبْرة المُتَحَدِّرِ

سَمِعْنَ بَهْيجَا أرهقَتْ فذكَرْنَه

ولا يَبْعَثُ الأحزانَ مِثلُ التَّذَكُّر
  • قال جرير في رثاء الفرزدق: [٨]
لِتَبكِ عَلَيهِ الإِنسُ وَالجِنُّ إِذ ثَوى 
فَتى مُضَرٍ في كُلِّ غَربٍ وَمَشرِقِ

فَتىً عاشَ يَبني المَجدَ تِسعينَ حِجَّةً

وَكانَ إِلى الخَيراتِ وَالمَجدِ يَرتَقي

فَما ماتَ حَتّى لَم يُخَلِّف وَرائَهُ

بِحَيَّةِ وادٍ صَولَةٍ غَيرَ مُصعَقِ

المراجع

  1. "رثاء"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-6-2019. بتصرّف.
  2. "مرثية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 17-6-2019. بتصرّف.
  3. "صخر السعودي"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-6-2019، بتصرّف.
  4. "لماذا بكت فاطمة؟!"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-6-2019.
  5. "الفنون الشعرية في العصر الاموي"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-6-2019. بتصرّف.
  6. " نعى لي أبا حرب غداة لقيته"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-6-2019.
  7. "أياعين بكي توبة ابن حمير"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-6-2019.
  8. " لعمري لقد أشجى تميما وهدها"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-6-2019.
4084 مشاهدة
للأعلى للسفل
×