الرقابة القضائية على أعمال الإدارة

كتابة:
الرقابة القضائية على أعمال الإدارة

الرقابة القضائية

هي تلك الرقابة التي تباشرُها المحاكم في أعمال الإدارة، وتختلفُ الجهة القضائيّة التي تباشر الرقابة على القرارات الإدارية باختلاف النظام القضائي المتبع في الدولة، وهي أنجح صور الرقابة لضمان حقوق وحريات الأفراد، نظرًا لما يتمتّع به بناء القضاء من استقلال وحصانة وحيدة ونزاهة وإدارية قانونية كافية، الأمر غير المتوفّر بنفس الدرجة في الرقابة البرلمانية والرقابة الإدارية، وفيما يأتي الحديث حول الرقابة القضائية على أعمال الإدارة.[١]

أهمية الرقابة القضائية على أعمال الإدارة

تعدّ الرقابة القضائية على أعمال الإدارة كحارس للمشروعيّة في الوقوف بحزم لحماية الفرد ضدّ نفوذ وتغول السلطة العامّة، والتي يخشى منها دائمًا على الحقوق الحريات الفرديّة، وتقضي العدالة أن تكون الرقابة القضائية قريبة المنال من المواطنين، وجميع المقيمين على أرض الدولة، بقلة التكلفة المالية وقلة الإجراءات الشكلية وسرعة الفصل في المنازعات القضائية وقرب المرافق القضائية من المتخاصمين، مع ضرورة أن تكون الرقابة القضائية على قرارات الحبس غير المشروع، بل على كل التدابير التي تُفرض على الحرية الشخصية دون رسوم قضائية، ودون أن تتطلب توكيل محامٍ، بحيث يقوم بها المستدعي نفسه.[٢]

فالمشروعية وسيادة القانون أسمى من القدرة على دفع تكاليف محامٍ، ومن القدرة على دفع الرسوم القضائية، ولا سيّما فيما يتعلق بدعوى إلغاء القرارات الإدارية ودعوى الاستحقاق المالي للمعاش الموظفين والمتقاعدين وكذلك أيضًا دعاوي عدم دستورية القوانين واللوائح، تجنبًا لتطبيقها على الأفراد، ولاستكمال متطلبات استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية والتشريعية ضرورة أن يكون للسلطة القضائية موازنة مستقلة بها يتم إعدادها من قبل مجلس القضاء الأعلى، وعلى غرار ما هو متبع في إعداد الموازنة العامة لكنها منفصلة عليها، واعتمادها من المجلس التشريعي على غرار موازنات الهيئات المحلية، بل يتم اعتمادها من قبل قضاة المحكمة الدستورية، بحيث تخصص ايرادات نفقات مرفق القضاء، بما في ذلك رواتب القضاة والموظفين في هذا المرفق.[٢]

وبذلك، تسقط الورقة الأخيرة في يد الحكومة، والتي تستطيع أن تلوح بها للسير على القضاة بأي شكل كان كما ورد في دستور المملكة الأردنية الهاشمية لسنة 1952 نصّ في م/97: "على القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون"، كما نص في م/101 الفقرة "1": "على المحاكم مفتوحة للجميع و مصونة من التدخل في شؤونها"، وأنّ غير ذلك قد يمثّل اعتداءً على مبدأ الفصل بين السلطات، حيث إنّ واجبَ القضاء أن يحكم لا أن يدير.[٢]

أنظمة الرقابة القضائية على أعمال الإدارة

تباشر الدّول العديد من الأنظمة المتبعة في طرق تنظيم وسير مرافق القضاء والمحاكم التي تعد من أسس تنظيم الدولة لطرق اتباع أنظمة المحاكم والقضاء فيها، وتُجمَل أنظمة الرقابة القضائية على أعمال الإدارة فيما يأتي.

نظام القضاء الموحد

مقتضاه أنّ جهة قضائية واحدة مختصة بالنظر في كل المنازعات التي تحدث بين الأفراد أنفسهم أو بينهم وبين الإدارة أو بين الهيئات الإدارية نفسها، ويسود هذا النظام في أمريكا وإنكلترا وبعض الدول الأخرى، ويعد هذا النظام متميز بأنه أكثر اتفاقًا مع مبدأ المشروعية العامة، إذ تخضع الإدارة والأفراد إلي قانون واحد وقضاء واحد مما لا يسمح بإعطاء الإدارة أي امتيازات في مواجهة الأفراد، بالإضافة إلى أنه يسير في إجراءات التقاضي إذا ما قورن بأساليب توزيع الاختصاصات القضائية بين القضاء الإداري والقضاء العادي في نظام القضاء المزدوج.[٣]

ومع ذلك، فقد وجّه النقد إلى هذا النظام من حيث أنّه يقضي على الاستقلال الواجب توفره للإدارة بتوجيهه الأوامر إليها ممّا يعيق أداءها لأعمالها، ممّا يدفع الإدارة إلى استصدار التشريعات التي تمنع الطعن في قراراتها، ولا يخفى ما لهذا من إضرار بحقوق الأفراد وحرياتهم. ومن جانب آخر فإن نظام القضاء الموحد يؤدي إلى تقرير مبدأ المسؤولية الشخصية للموظفين مما يدفعهم إلي الخشية من أداء عملهم بالوجه المطلوب خوفًا من المساءلة، وإذا ما قرر القضاء تضمين الموظفين بناءً على هذا المبدأ فإنه يحرم المضرورين من اقتضاء التعويض المناسب لضعف إمكانية الموظف المالية غالبًا.[٣]

نظام القضاء المزدوج

يقومُ نظام القضاء المزدوج على أساس وجود سلطتين قضائيتين مستقلتين، جهة القضاء العادي وتختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة عندما تتصرف كشخص من أشخاص القانون الخاص، ويطبق القضاء على هذا النزاع أحكام القانون الخاص وجهة القضاء الإداري تختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد والإدارة عندما تظهر الأخيرة بصفتها صاحبة السلطة، وتتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الأفراد ويطبق القضاء الإداري على المنازعة قواعد القانون العام.[٤]

وتعدّ فرنسا مهد القضاء الإداري، ومنها انتشر هذا النظام في الكثير من الدول كبلجيكا واليونان، ومصر، والعراق؛ لما يتمتّع به من خصائص مهمّة، فالقضاء الإداري قضاء إنشائيّ يُسهم في خلق قواعد القانون العام المتميّزة عن القواعد العادية في ظلّ القانون الخاص، والتي يمكن من خلالها تحقيق المصلحة العامة وحماية حقوق الأفراد وحريّاتهم.[٤]

المراجع

  1. "مفهوم الدولة القانونية"، law.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 10-07-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ناصر أبو سمهدانة، موسوعة القضاء الإداري في فلسطين، القدس: دار الفكر، صفحة 194.
  3. ^ أ ب د. عمر الشوبكي، القضاء الإداري (الطبعة الأولى)، عمان: دار الثقافة للنشر و التوزيع، صفحة 43. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "القانون الاداري"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 10-07-2019. بتصرّف.
4078 مشاهدة
للأعلى للسفل
×