الرمزية في الشعر العربي الحديث

كتابة:
الرمزية في الشعر العربي الحديث

مفهوم الرمزية

تُعرّف الرّمزية في الشّعر العربيّ الحديث أنّها اتجاهٌ أدبيٌّ فنيٌّ، يظهرُ فيه الخيال متفوّقًا على كلّ ما سواه، تفوّقًا يجعلُ الرّمز إشارةً دلاليّة إلى مختلف ألوان المعاني العقليّة والمشاعر العاطفيّة، وقد كثرت الرّمزيّة في العصر الحديث وشكّلت نمطًا جديدًا في الشّعر، خاصّةً في الشّعر الحديث أو الشّعر الحرّ، وظهرت واضحةً عند أدباء وروّاد كُثر، أمثال: نازك الملائكة، وبدر شاكر السّيّاب، وعبد الوهاب البيّاتي، وصلاح عبد الصَّبور، وعبد الرّحمن شكري وأحمد زكي أبو شادي، وأدونيس وأمل دنقل وغيرهم، فكانت الرّمزية ضمن أشعارهم تتجاوز الظّواهر وتواجه حقيقة البواطن، وتحيد باللّغة عن المعنى العادي، والرّؤى القريبة الأليفة المعروفة، لتصبح اللّغة إشارة ومعنًى خفيًّا وإيحاء لشيءٍ آخر كامنٍ وراءَ النّص. [١]

الرمزية في الشعر العربي الحديث

استعمل الشّعراء الرّمزيون قواميس اللّغة ليحققوا بها فرادة نوعيّة في تجربتهم الشّعريّة ونقل انفعالاتهم وأحاسيسهم الدّاخلية إلى المتلقي وجذبه إلى ساحة تجاربهم الشّعريّة الجديدة بكلّ سلاستها وعذوبتها، باستخدام الرّموز وسيتمّ الحديث في هذا المقال عن بعض هذه الرّموز. [٢]

الرّموز التّاريخية

تضمّ الرّموز الدّينيّة والتّراثيّة ومختلف السّير الشّعبية، وأسماء الشّخصيات البارزة في تاريخ الإنسانيّة، والأماكن الّتي اقترنت بأحداثٍ عظيمةٍ في التّاريخ، واعتمدت التّراث الدّيني من قصص الأنبياء والشّخصيات الوارد ذكرها في القرآن الكريم الّتي أضفت على الصُّورة الشّعريّة مزيدًا من الحيويّة والأصالة؛ فأصبح المتلقي عندما يقرأ النّص يقرؤه قراءةً نموذجيّةً، فالمعنى بُني بالطّريقة نفسها بالنسبة لجميع القرّاء، ولكنّ يعود الاختلاف في إدراك المعنى وفَهمه من قارئٍ إلى آخَرَ إلى تفاوت العلاقة الّتي ينشئها هذا القارئ مع النّص عن تلك الّتي ينشئها القارئ الآخر مع النصِّ نفسه، فلكلّ قارئ انفعالٌ يختلف عن انفعال قارئ آخر، مع أنّه يسلك عينَ سبل القراءة الّتي يفرضها النّصّ على جميع القرّاء، وكما أنّ الرّموز التّاريخية ظهرت في الشّعر العربيّ بسبب الانكسارات وخيبات الأمل الّتي منيت بها الشّعوب العربيّة، فالبلدان العربيّة تحت سيطرة الاحتلال، كما أنّ وجود الكيان الإسرائيليّ في جسم الأمّة العربيّة، شكّل وعيًا قوميًّا موحدًا لـدى الشّعراء الّذين أشادوا بالقضيّة الفلسطينيّة، فاستخدموا مدينة القدس كرمزٍ من أجل استنهاض همم الشّعوب، والـدّفاع عن الحقّ والشّرف المسلوبين.

الرّموز الأسطوريّة

الرّمز الأسطوري وهو الأكثر شيوعًا في الأدب العربيّ الحديث والمعاصر إذ يوجّه القارئ إلى دلالات متنوعة، اقتبسها الشّاعر العربيّ من أكثر من نبع من الحضارات ومنها: أسطورة السّندباد البحريّ، إذ إنّ من الشّخصيات الّتي تركّزت بوضوح شخصيّة السّندباد باعتباره رمزًا من رموز الموروث الشّعبي، ونموذجًا عربيًّا جسّد طموحات الكاتب ورغباته، وظهر السّندباد كبطل أسطوري يحبّ المغامرة، يبحثُ عن الأماكن الجديدة الّتي لم يصلها إنسان. ولتلك الرّحلات الّتي قام بها السّندباد أهداف تتجلّى في البحث عن المال، وإشباع فضوله وحبّه. فتمثّلها الشّعراء في تجـاربهم، وهذا راجع إلى طبيعة شخصية السّندباد المعروف بالاغتراب الدّائم، وحبّ التّجوال المسـتمرّ، وحـبّ المغامرة، والبحث عن الجديد والمثير ورفض الواقع، فراحوا يبنون عليها قصـائدهم، وكـأنّهم وجـدوا في هذه الشّخصية الملاذ الآمن للوصول إلى تحقيق الذّات، وأهداف السّندباد جعلت منه عنصر شدّ للشّاعر المعاصر، وأغرته في توظيفِ هذه الشّخصية في نصوصِهِ الشّعرية، كما فعل السّيّاب وخليل حاوي وصلاح عبد الصّبور، ومن تلاهم من الشّعراء، فقد اتخذوه رمزًا وطبيعة الرّمز طبيعة غنيّة مثيرة تضيف إلى الكلام الّذي يردُ فيه رحابةً وعمقًا، وتتسع ساحته إلى استيعاب الدّلالات المتقابلة أوالمتناقضة، فتلبّي اللّغة عن طريق الرّمز رغبة الشّاعر في إيجاد أسلوبه الخاصّ.

تأثير الرمزية في الشعر العربي الحديث

أثبتت الرّمزية وجودها كفنٍ من فنونِ التّعبير في الشّعر الحديث والمعاصر، وعبّرت قصائد شعراء الرّمز عن عواطفهم وما يختلج في أعماق أفكارهم وأنفسهم بها أفضل تعـبير، فهذا محمود درويش يظهر الرّمز الأسطوريّ والتّاريخيّ والثّقافي في قصائده، كصورٍ فنيّةٍ أغنت نصوصه الشّعرية وعمّقتها فكريًّا وجماليًّا.. يرمز في قصيدته " يطير الحمام " إلى السّلام المفقود في وطنه وفي نفسه، يقول: [٣]

يطيرُ الحمامُ
يَحُطّ الحمامُ
أعدّي لِيَ الأرضَ كي أستريحَ
فإني أحُّبّك حتى التَعَبْ

إلا أنّ الرمزية في الشعر العربي الحديث بَدَتْ تجنح نحو الغلوّ إلى حدّ الإبهام؛ الّذي جعل مـن الرّمز جدارًا قويًّا عاليًا صعب الارتقاء لا يرتقيه إلّا الشّـاعر ذاته، فكانَ حاجزًا بينه وبين القـرّاء والمتلقّين ومحبّي الشّعر عامّة.

المراجع

  1. يوسف عيد (1-1-1994)، المدارس الأدبية ومذاهبها: القسم النّظري والقسم التّطبيقيّ (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الفكر اللبنانيّ، صفحة 212- 218. بتصرّف.
  2. محمّد علي كندي (1-4-2003)، الرّمز والقناع في الشّعر العربيّ الحديث (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتاب الجديد المتحدة، صفحة 22-55. بتصرّف.
  3. "يطير الحمام"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-6-2019.
6232 مشاهدة
للأعلى للسفل
×