الرومنطيقية في الشعر العربي الحديث
يُشيرُ مصطلح الرومنطيقية أو الرومانسية إلى مذهبٍ أدبيٍّ بعينه ذي خصائص معينة، استخلصه النقاد من النصوص الأدبية التي انتشرت في أوروبا في أعقاب المذهب الكلاسيكي، ومن مميزات الأديب أو الناقد الرومانطيقي أنه يرفض تقليد نماذج الأقدمين، ويريد أن يكون مخلصًا لنفسه، وأصيلًا في التعبير عن مشاعره، وهو يقدّم أسلوبًا جديدًا في الإحساس والتصوّر والتفكير والتعبير، ويهدف من ذلك إلى التجديد في الأدب والنقد، ومحاولة مواكبة العصر الحديث الذي يعيش فيه، وهذا أدى إلى وجود صراع بين أنصار القديم من جهة وأنصار الحديث من جهة أخرى. ومن أبرز الأدباء والنقاد الرومانطيقيين: ميخائيل نعيمة، جبران خليل جبران، علي محمود طه. وتاليًا حديث حول الرومنطيقية عند جبران خليل جبران وسماتها.[١]
سمات الرومنطيقية في الشعر العربي الحديث
تتّسم الرومنطيقيّة في الشعر العربي الحديث بأنها مثل أي اتجاه أو مذهب نقدي أو أدبي بمجموعة من السمات التي تميزها عن غيرها من الاتجاهات والمذاهب الأدبية والنقدية، وهذه السمات يجدها القارئ واضحة في الأدب الرومنطيقي، ومن أهمها:
- تمرّد الرومنطيقيّون على الأنظمة والقواعد والقوانين الاجتماعية، فهم ينشدون الحريّة والتحرّر فهم يريدون بناء عالم جديد قوامه الحقّ، والخير، والعدل، والمساواة، كما يعتقدون.[٢]
- طرح الرومنطيقيون الفكر الجريء والجديد المدرِك للمفارقات والتناقضات، والاعتماد على الحدس والتأمل أكثر من الوعي والتفكير الموضوعي، فهم يلجأون إلى التأمل في الحياة والطبيعة، فيحاكونها، ويناشدونها، ويسقطون مشاعرهم عليها من ألم وحزن.[٢]
- الاهتمام بالعاطفة الفردية والتعبير عن المشاعر، ولكن هذا لا يعني أن الأديب لا يهتم إلا بذاته فقط، وإنما يحاول أن يشارك القارئ أو جمهور القراء بما يشعر به من ألم، وحزن، وحب، وغيرها، وكذلك مايريد أن يوصله من خلال أدبه من رأي أو فكر.[٣]
الرومنطيقية عند جبران خليل جبران
في الحديث حول الرومنطيقية عند جبران خليل جبران، فيعدّ هذا الشاعر من أبرز الأدباء الذين تأثروا بالرومنطيقية في كتاباتهم الأدبية الشعرية والنثرية، ويظهرهذا للقارئ واضحًا عند قراءة أعماله الأدبية من خلال تركيزه على العاطفة والشعور الإنساني، وظهور سمة الذاتية لديه، بالإضافة إلى لغته الشعرية، واستخدامه للخيال بصورةٍ واسعة في أدبه، واهتمامه بالطبيعة وتصويرها لإسقاط مشاعره عليها، ويمكن أن تعد قصيدة "المواكب" من القصائد المهمة التي تظهر فيها هذه السمات والخصائص الرومنطيقية بصورة واضحة. وقصيدة المواكب ديوان كامل فهي قصيدة رومانطيقية طويلة، يقول فيها:[٤]
الخير في الناس مصنوع إذا جبروا
- والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا
وأكثر الناس آلات تحركها
- أصابع الدهر يومًا ثم تنكسر
فلا تقولن هذا عالم عَلَمٌ
- ولا تقولنّ ذاك السيد الوقر
فأفضل الناس قطعان يسير بها
- صوت الرعاة ومن لم يمشِ يندثر
في هذا المقطع الشعري "الأول" يظهر صوت الشاعر الإنسان، ومن يقرأ الأبيات السابقة يجد أنها تمثل حكمًا عن الإنسان والحياة، وتعبر عن رؤية ينطلق منها الشاعر للحياة والإنسان، أما المقطع الثاني فيقول:[٥]
ليس في الغابات راعٍ
- لا ولا فيها القطيع
فالشتا يمشي ولكن
- لا يجاريه الربيع
خلق الناس عبيدًا
- للذي يأبى الخضوع
فإذا ما هبّ يومًا
- سائرًا سار الجميع
أعطني الناي وغنّ
- فالغنا يرعى العقول
وأنين الناي أبقى
- من مجيد وذليل
وفي المقطع السابق يظهر صوت الغاب، فجبران لجأ إلى الطبيعة في القصيدة ووصفها ببراعة، بهدف الهروب من العالم المليء بالزيف والشر إلى الطبيعة؛ ليبحث عن عالم مثالي يبحث فيه عن السعادة المطلقة، ويلاحظ القارئ أن الشاعر ينوع في القافية الشعرية في مقاطع القصيدة جميعها، فيجعل لصوت الإنسان قافية، ولصوت الغاب قافية أخرى، وينوع في البحر الشعري أيضًا فالبحر البسيط يمثل الصوت الأول، ومجزوء الرمل يمثّل الصوت الثاني.
المراجع
- ↑ "المذهب الرومانسي"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "خصائص الرومانسيّة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-08-2019. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم خليل (2007)، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث (الطبعة الثانية)، عمّان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، صفحة 118. بتصرّف.
- ↑ جبران خليل جبران (دون تاريخ)، المواكب- دراسة وتحليل الدكتورة نازك سابا يارد، بيروت: مؤسسة نوفل، صفحة 23.
- ↑ جبران خليل جبران (دون تاريخ)، المواكب-دراسة وتحليل الدكتورة سابا يارد، بيروت: مؤسسة نوفل، صفحة 23- 24.