السرقات الأدبية وأنواعها

كتابة:
السرقات الأدبية وأنواعها

مفهوم السرقات الأدبية

كيف تطوّر مفهوم السرقة حتى شمل الأدب؟

يتفق المعنى الاصطلاحي للسرقات الأدبية بالمعنى اللغوي لكلمة سرقة، فيدل كل منهما على الفعل ذاته، أي الأخذ، بيد أن السرقات الأدبية اختلفت بماهية الشيء المسروق، إذ يُقصد بهذا النوع أخذ كلام الغير سواء أكان الأخذ لفظًا أو معنى، وهو أن يعمد الشاعر إلى الأخذ من أبيات شاعر آخر، فإما أن يأخذ معانيها أو ألفاظها، أو صورًا خاصة ابتدعها الشاعر في قصيدته ومن ثم يُنسبها له، وشبيه ذلك انتزاع الفكرة من صاحبها ومُبدعها دون الإشارة له، وذلك الواقع من السرقات انتشر على مختلف الأزمنة والعصور بين الشعراء، إذ كانوا منذ القديم يأخذون بخواطر بعضهم، والبعض الآخر من المتأخرين كانوا يأخذون من المتقدمين بحكم المطالعة والرواية، والتأثر والإعجاب.[١]


تحدّث الكثير من النقاد حول تأصيل الصورة النقديّة، إذ مثّلت السرقات الأدبيّة موقفًا بارزًا توغل به الأدباء والنقاد، فقاموا بدراسة أشعار الشعراء لبيان موضع السرقة، ولكنه في بعض الأحيان عُد مفهوم السرقات الأدبية بأنه صورة أخرى لظاهرة التأثر والتأثير، وهنا لا يُعد الشاعر سارقًا وإنما متأثرًا، وذلك لأنّ كلا الظاهرتين تُطلق على الأخذ أو صورة النقل أو التلقيد[٢]، وبذلك تطوّر مفهوم السرقة؛ إذ كان المفهوم الأول يعتمد على السرقة المادية التي تسلب الحقوق من الأفراد، ولكن بعد تطور الفكر الإنساني وارتقاء الحياة الحضاريّة تطوّر هذا المفهوم وأصبح له مدلولات أخرى، إذ تناول المعنويات، وأصبحت الأفكار والمعاني والألفاظ هي أشياء قابلة للسطو والسرقة والسلب.[٣]


تاريخ السرقات الأدبية

كيف حاول الشعراء أن يتخلصوا من السرقات الشعرية في أشعارهم؟

إنّ السرقة الأدبية بمعناها العام هي ظاهرة قديمة منذ تاريخ الفكر الإنساني، إذ وُجدت منذ عهد قديم جدًا عند اليونان والرومان، كما أشار إليها أرسطو وإلى أنواعها المتعددة، ويعود السبب إلى هذا الانتشار منذ العصور القديمة هو عدم وجود قوانين تحفظ النشر والتأليف كما في العصر الحديث، وقد جاءت فكرة السرقات مع الشعر العربي القديم، فهناك الكثير من الرواة كانوا قد أشاروا إلى العديد من الأشكال المتنوعة للسرقات الشعريّة الحاصلة بين شعراء العصر الجاهلي، كالسرقات التي كانت بين امرئ القيس وطرفة بن العبد، فكثيرًا ما أخذ أبيات امرئ القيس وغيّر بأشياء يسيرة كالقافية والألفاظ القصيرة.[٤]


تطوّر تاريخ السرقات الأدبيّة وأصبحت أكثر شيوعًا في عصر صدر الإسلام، إذ أصبحت أمرًا غير خفي بين الشعراء، ولعل الأمر الذي أسهم بذلك هو أن الشعر في العصر الإسلامي كان يعتمد على الرواية وعلى اجتماع الرواة والشعراء في الأسواق والمجالس العامة، فأصبحت السرقة أمرًا منتشرًا لا خلاف فيه[٥]، أما في العصر الأموي، فقد اتسع مجال الشعر، إذ كثرت الانقسامات السياسية والقبليّة، وذلك أسهم بزيادة السرقات الأدبيّة، إذ واجه أشهر الشعراء تهمة السرقة في أكثر من موطن ومنهم الكميت[٦] فاستفحل أمر السرقات الأدبية في هذا العصر، فأصبحت ظاهرة متعارفًا عليها، والذي ساعد على انتشارها هي كثرة الشعراء الذين ينتمون إلى أحزاب سياسية تقاتل بعضها،

إضافة إلى وجود شعر النقائض.[٧]


اتسعت دائرة السرقات كثيرّا في العصر العباسي، إذ أثارت السرقات حركة نقدية ضخمة، أُلفت فيها الكثير من الكتب، وذكر البعض أن السرقات في العصر العباسي كان فيها نوع من المبالغة، فظهر ما يسمى بالمبالغة في ادّعاء السرقة[٨]، وانتشرت هذه الظاهرة بين العديد من الشعراء، وبدأت السرقات في هذا العصر بالتنوع، فلم تقتصر على الشعر فقط بل توزعت على الأمثال والأقوال، وعلى القرآن الكريم والأحاديث النبويّة الشريفة[٩]، ورغم التاريخ الطويل للسرقات الأدبيّة إلا أن بعض شعراء العصر الجاهلي كانوا قد تنبهوا إلى السرقة، فحاولوا أن يخلصوا أشعارهم منها، إذ كانوا يتفاخرون بالابتعاد عن هذا العيب[١٠]، مثال ذلك قول طرفة بن العبد:[١١]

وَلا أُغيرُ عَلى الأَشعارِ أَسرِقُها

عَنها غَنيتُ وَشَرُّ الناسِ مَن سَرقا

وَإِنَّ أَحسَنَ بَيتٍ أَنتَ قائِلُهُ

بَيتٌ يُقالُ إِذا أَنشَدتَهُ صَدَقا


أسس تمييز السرقات الأدبية في النقد القديم

كيف يتم تمييز السرقات في النصوص الأدبية؟

ظهرت السرقات الأدبية منذ العصر الجاهلي، لذلك فقد دار حولها الكثير من الدراسات في النقد القديم، وهي دراسات تُوضّح الأسس الدالة على وجود السرقة في العمل الأدبي دون غيره، ولعل أبرز هذه الأسس هي:


  • الاستعانة بالمعنى فقط: وهي أن يؤخذ المعنى، فلا يكون هو إياه باللفظ، وإنما يُستخرج منه ما يُشبهه.[١٢]
  • الاستعانة بالمعنى واللفظ: وهي أن يظهر بالعمل الأدبي أخذ الأديب المعنى كاملًا مع اليسير من اللفظ.[١٢]
  • عكس المعنى: وهو أن يقوم الأديب بأخذ المعنى فيعكسه، وذلك يُعد من أحسن الأسس إذ يُخرجه حسنه من إطار السرقة، لأنه يُعد ابتداعًا في حقيقته.[١٢]


  • تحسين المعنى: وهو أن يأخذ الأديب المعنى فيكسيه عبارة أحسن وأفضل من العبارة التي كانت عليه، وهذا يُعد أيضًا من الأسس المستحسنة.[١٢]
  • تعديل المعنى: وهو أن يؤخذ المعنى مع مراعاة المساواة في تناصه إضافة إلى زيادة البيان عليه، وذلك يعني أن يكون الأديب قد أخذ المعنى ولكنه أضاف مثال يوضحه.[١٢]
  • تخصيص المعنى: وهو أن يكون التشابه ملموسًا بين الأدباء ولكن الاختلاف يقتصر أن المعنى كان عامًا، فجُعل خاصًا أو العكس.[١٢]


السرقة والتناص

ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين السرقة والتناص؟

إنّ النصوص الأدبيّة المختلفة سواء أكانت شعريّة أم نثريّة تتلاقح وتتداخل فيما بينها، فتأثر النص وتأثيره هي حالة لا مناص منها في الأدب العربي، وبسبب هذا التأثر برزت ظاهرة السرقات الأدبية، والتي فيما بعد عُرفت بالتناص، والتناص في أصله يقوم على تداخل النصوص وتفاعلها، وتلك الظاهرة يقع بها أغلب الأدباء والشعراء سواء بقصد أم بدون قصد، ذلك لأن التأثر حتميّ، ولا بدّ أن يكون لكل أديب محفوظ من أدب وأشعار المعاصرين أو السابقين، وذلك التأثر هي عملية لا مفر منها، لأنها من قوانين

الإبداع الأدبي، حيث إنّ لكل أدب وكتابة امتداد لِما سبقها، فلا يخفى هذا التداخل بين التناص والسرقة، والذي برز في الكثير من كتب النقد وبالأعمال الأدبية.[١٣]


إنَّ مصطلحي السرقة والتناص هما متشابهان، بيد أنّ الاختلافات تقع في نقاط صغيرة، إذ يُربط التناص دائمًا بما هو إبداعي، فيُعد أحد الجوانب الإبداعيّة في الأدب، أما السرقة فهي ذات لفظ يٌقلل من القيم الأخلاقيّة وتؤدي إلى التجريح بصاحبها، إضافة إلى أن السرقة الأدبيّة تعتمد على المنهج التاريخي والزمني، أي أن اللاحق هو السارق من السابق، في حين يقوم التناص على المنهج الوظيفي، وتعود ظاهرة التناص إلى الثقافة الأدبية القديمة فهي تعني أن جميع ما يُقال وما يُكتب ليس إبداعًا من العدم، وإنما هو حصيلة ثقافات ماضيّة سواء أكانت في اللفظ أم المعنى، ولا تكتفي هذه الظاهرة على مصطلح التناص والسرقة فهناك مصطلحات أخرى مثل: الانتحال، والتضمين، والاقتباس، وغيرها.[١٣]


لقراءة المزيد، انظر هنا: مفهوم التناص الأدبي.


أشهر السرقات الأدبية حديثًا

كيف تنوع الأدباء والشعراء بتوظيف التناص في أعمالهم الأدبية؟

تطورت السرقات الأدبية في العصر الحديث، إذ تغيّر مفهومها ومعناها وأنواعها، فأصبحت تُسمى بظاهرة التناص عند الشعراء المحدثين، ومن أشهر الأمثلة على ذلك:


محمود درويش

نظم الشاعر محمود درويش أشعاره بما يتضمن من شعر القدماء مثل: أبو تمام والمتنبي وغيرهم، حيث يقتبس في قصيدته في انتظار العائدين من البيت الشعري المنسوب إلى المتنبي، ولكنه كتبه معكوسًا لتأكيد على أن المتشردين سيعودون إلى وطنهم، وموطن التناص بين البيتين هو قول المتنبي:[١٤]

ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدرِكُهُ

تَجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ


قول محمود درويش:

:هذا زمانٌ لا كما يتخيلون

:بمشيئة الملاح تجري الريح

:والتيار يغلبه السفين.


أحلام مستغانمي

وظّفت الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي ظاهرة التناص في كثير من أعمالها الأدبية، ومنها رواية الأسود يليق بك، إذ لجأت إلى التناص من الحكم والأقوال المشهورة، ومما جاء في الرواية "الثراء نفسه عندما يزيد عن حده يصبح خطرًا على صاحبه"، وهذه الجملة قريبة من الحكمة العربية "إذا زاد الشيء عن حده انقلب ضده".[١٥]


واسيني الأعرج

استخدم الروائي واسيني الأعرج ظاهرة التناص في رواياته، مثال ذلك ما جاء في رواية طوق الياسمين، وهو تناص من القرآن من سورة النجم، في قوله: "إنما هو حي يوحي ..ها..ها"[١٦]، وهذا تناص من سورة النجم في قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}.[١٧]


كتب عن السرقات الأدبية

كيف اعتنى النقاد بالسرقات الأدبية؟

اعتنى الكثير من النقاد والأدباء بظاهرة السرقات الشعريّة، فالبعض منهم ألّفوا كتبًا خاصة تدور حول هذا الموضوع، والبعض الآخر تحدّث عنها ضمن مؤلفاته العامة، ولعل من أبرز هذه الكتب هي:


  • الشعر والشعراء لابن قتيبة: يعرض هذا الكتاب ظاهرة السرقات الشعرية في أكثر من موضع، إذ تنبه في هذه المواضع إلى بعض الأنواع الخاصة بالسرقات، كالسرقة الخافية، وإلى السرقة عن طريق زيادة الأخذ على المعنى المأخوذ، كما أشار إلى سرقة الألفاظ في مواضع عدة أشعار القدماء.[١٨]


  • مشكلة السرقات في النقد الأدبي لمحمد هدارة: عبارة عن دراسة تحليلة مقارنة للكثير من الأعمال الأدبية التي حوت على السرقات الشعرية والتناص، وعرض الكتاب مختلف الدراسات التي تتصل بالنقد والبلاغة، وفي المقدمة عرض الكتاب لتاريخ السرقات الأدبية ومفهومها، وبعض المعلومات التي تتعلق بها.[١٩]


  • السرقات الأدبية لبدوي طبانة: يدرس هذا الكتاب بعض الأعمال الأدبية وأنواع تقليدها، فبدأ الكتاب بمقدمة عرضت أهمية دراسة السرقات الشعرية في النقد، كما أضاف الكاتب وعرض لمنهج دراسته والذي هو منهج تطبيقي عملي، عرض به لأهم السرقات الأدبية، فوضّح مفهومها وأنواعها وتاريخها.[٢٠]


السرقات الأدبية كانت منتشرة منذ العصر القديم، وهي ليست بالشيء المنبوذ، وإنما أصبحت فنًا نقديًا قائمًا بذاته من خلال تسميته في العصر الحديث بالتناص.

المراجع

  1. فؤاد حملاوي، السرقات الأدبية ونظرية التناص بين الاتصال والانفصال، صفحة 9-10. بتصرّف.
  2. أحمد ياسين العرود، نقد النقد عند ابن رشيق القيرواني، صفحة 14. بتصرّف.
  3. محمد مصطفى هدارة، مشكلة السرقات في النقد الأدبي، صفحة 3-4. بتصرّف.
  4. محمد مصطفى هدارة، مشكلة السرقات في النقد العربي، صفحة 4-6. بتصرّف.
  5. محمد مصطفى هدارة، مشكلة السرقات في النقد العربي، صفحة 11-12. بتصرّف.
  6. محمد مصطفى هدارة، مشكلة السرقات في النقد العربي، صفحة 15-17. بتصرّف.
  7. محمد مصطفى هدارة، مشكلة السرقات في النقد العربي، صفحة 28. بتصرّف.
  8. محمد مصطفى هدارة، مشكلة السرقات في النقد العربي، صفحة 29-31. بتصرّف.
  9. محمد مصطفى هدارة، مشكلة السرقات في النقد العربي، صفحة 33-34. بتصرّف.
  10. بشير إبراهيم أبو شوفة، النص بين السرقات الأدبية والتناص، صفحة 314. بتصرّف.
  11. "ولا أغير على الأشعار أسرقها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/3/2021. بتصرّف.
  12. ^ أ ب ت ث ج ح فؤاد حملاوي، السرقات الأدبية ونظرية التناص بين الاتصال والانفصال، صفحة 32-33. بتصرّف.
  13. ^ أ ب بشير إبراهيم أبو شوفة، النص بين السرقات الأدبية والتناص، صفحة 321-322. بتصرّف.
  14. مرضية زارع زرديني، ظاهرة التناص في لغة محمود درويش الشعرية، صفحة 97-98. بتصرّف.
  15. لمياء عديلية، التناص في الرواية الجزائرية الأسود يليق بك أنموذجًا، صفحة 24-25. بتصرّف.
  16. بوتغماس هانية، داود لمياء، وعراب مازيليا، التناص في رواية طوق الياسمين لواسيني الأعرج، صفحة 34. بتصرّف.
  17. سورة النجم، آية:4
  18. فؤاد حملاوي، السرقات الأدبية ونظرية التناص بين الاتصال والانفصال، صفحة 15-16. بتصرّف.
  19. محمد مصطفى هدارة، مشكلة السرقات في النقد العربي، صفحة 11-12. بتصرّف.
  20. بدوي طبانة، السرقات الأدبية، صفحة 3-4. بتصرّف.
8018 مشاهدة
للأعلى للسفل
×