الشعر الاجتماعي في العصر العباسي الثاني مفهومه وأسباب تطوره

كتابة:
الشعر الاجتماعي في العصر العباسي الثاني مفهومه وأسباب تطوره

الشعر الاجتماعي في العصر العباسي الثاني

الشعر الاجتماعي في العصر العباسي هو شكل من أشكال الموضوعات الشعرية التي شاعت في هذا العصر، وهو شعر يتحدث عن القضايا التي تشغل بال المجتمع، فيناقشها أو ينتقدها ويطالب بإصلاحها، وقد يكون نقداً ساخراً.[١]

شيوع الشعر الاجتماعي

يعتبر العصر العباسي إجمالاً عصر ازدهار لمختلف الأشكال الأدبية من النثر أو الشعر، وحيث لم يكتفِ أدباء وشعراء هذا العصر بالأغراض الأدبية القديمة ولا المعاني المنقولة من القدماء، بل ابتكروا فيه المعاني، وجدّدوا في الموضوعات والأشكال الشعرية والنثرية، فكان من الأشكال الجديدة التي ظهرت في العصر العباسي الثاني، ما يُعرف بالشعر الاجتماعي.[٢]


تجاوب هذا الشعر مع القضايا الاجتماعية المختلفة فانتقدها وكتب عنها معبّراً عن أوضاع المجتمع العباسي في تلك الفترة، وما طرأ فيه من تغيرات وظروف مختلفة، فصار وسيلة للتعبير عن حياة الفرد وأحواله النفسية والذاتية، وما يشغل تفكيره، فصار الشعر قادراً على أن يكون مرآة للواقع.[١]


أسباب ظهور الشعر الاجتماعي

شهد العصر العباسي الكثير من التحوُّلات والتغيرات سواء في الحكم والسياسة أو الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وقد أسهمت عوامل كثيرة في شيوع الشعر الاجتماعي في بيئة العصر العباسي الثاني ومن هذه العوامل ما يلي:[١]

  • استجابة طبيعية لمجريات الحياة في العصر العباسي
  • النقلة الاجتماعية السريعة من حياة البادية إلى الحياة المتحضرة.
  • الأحداث المتلاحقة التي عايشها المجتمع العباسي وساهمت بشكل أو بآخر بالتفكّكِ والانحلال وظهور العدد من الظواهر الاجتماعية السيئة.
  • التقدم الفكري والعلمي الذي يدلّل عليه قدرة هؤلاء الشعراء على إدراك ونقد عيوب المجتمع مبكراً.


خصائص الشعر الاجتماعي

تميّز الشعر الاجتماعي بعدد من الخصائص منها:[٢]

خصائص شكلية وفنية

تعتبر الخصائص الشكلية خصائص مرتبطة بالشكل أو الهيئة العامة للقصيدة وألفاظها ومنها:[٢]

  • الأدوات: استعمل الشعر الاجتماعي في العصر العباسي بكثرة أدواتٍ مثل: النداء، والأمر والنهي، والاستفهام، وأدوات الشرط وغيرها.
  • ألفاظ مشتركة: هي الألفاظ التي كثر دورانها على الشعراء مثل: الغني والفقر واللؤم والدهر والبخل وغيرها الكثير فاستعملها الكثير منهم في ما يكتبونه من قصائد اجتماعية ويعود السبب في هذا إلى وحدة القضايا الاجتماعية التي يتحدثون عنها في أغلب الأحيان.
  • البديع: كان البديع سمة هذا العصر إذ لم تكد تخلو منه قصيدة، وبذلك فقد استخدمه شعراء الشعر الاجتماعي كغيرهم كذلك بكل أشكاله من الجناس والسجع والطباق والمقابلة وغيرها، واستعملوا أساليب البلاغة والبيان إلى جانب هذا، من استعارة وكناية وتشبيهات.
  • قصر النفس: يقصد به قصر المقطوعة الشعرية، فلم تتجاوز قصائد الشعر الاجتماعي بضعة أبيات، وقد كتب بعض الشعراء بيتين وكتب بعضهم ثلاثاً وكتب آخرون ثمانية، لكن لم تبلغ القصيدة طول القائد في الأغراض الشعرية الأخرى.
  • استعمال الصيغ والألفاظ النادرة: استعمل الشعراء بعض الصيغ والألفاظ نادرة الاستعمال في قصائدهم.


خصائص معنوية

تميز الشعر الاجتماعي بخصائص مرتبطة بالمعنى ومنها:[٢]

  • المعاني المولّدة: شاع توليد المعاني في الشعر العباسي، بل وكان علامة بارزة في الأساليب الشعرية في تلك الفترة، ولم يكن هذا التوليد دافعاً لدى معظم الشعراء لتغيير الموروث لكنهم مع ذلك لوّنوا معاني هذا الموروث وتمكنوا من التعمق بالمعاني واللإكار والمشاعر مما يدلل على ثقافة واسعة وحس رهيف، كما ساهم بهذا تأثر اللغة العربية بغيرها من اللغات نتيجة اختلاط الثقافات.
  • المؤاخذات اللغوية: ظهرت في الشعر الاجتماعي بعض المؤاخذات اللغوية وهي ما يرتكبه الشعراء من مخالفات لغوية سواء في النحو أو المعنى.
  • تضمين الأمثال: حيث ضمن الشعراء قصائدهم أمثالاً متعارفاً عليها بين الناس بحيث يسهل عليهم فهم المعنى ويجعل قصائدهم قريبة لقلوب المجتمع الذي يخاطبونه في أشعارهم.
  • أسلوب السخرية: ظهر الأسلوب الساخر في الشعر الاجتماعي كشكل من أشكال النقد والتوجيه بأسلوب فكاهي نحو القضايا التي تثقل كواهل الناس في ذلك العصر.


نماذج من الشعر الاجتماعي

هناك الكثير من الشواهد الشعرية على الشعر الاجتماعي في العصر العباسي الثاني ولعلَّ أشهر من قالوا مثل هذا الشعر الشاعر العباسي أبو الشمقمق ومن قصائده:[١]

برزت من المنازل والقباب

فلم يعسر على أحد حجابي

فمنزلي الفضاء وسقف بيتي

سماء الله أو قطع السحابِ

فأنت إذا أردت دخلت بيتي

عليَّ مسلّماً من غير بابِ

لأني لم أجد مصراع باب

يكون من السحابِ إلى التراب[٣]


ويقول أيضاً:[٤]

ما كنت أحسب أن الخبز فاكهةٌ

حتى نزلت على أوفى ابن منصورِ

يبِس اليدين فما يستطيع بسطهما

كأنَّ كفيهِ شُدَّا بالمساميرِ

عهدي به آنفاً في مربط لهم

يكسُّ الروثَ عن نقر العصافيرِ[٤]


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث حمود السلامة، ابراهيم الدريعي، أحمد المشعلي، الأدب العربي للصف الثاني الثانوي، صفحة 5-30. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ضيف الله الحارثي، صور من الشعر الاجتماعي في العصر العباسي، صفحة 2-109. بتصرّف.
  3. أبو الشمقمق، "برزت من المنازل القباب"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10-2-2022.
  4. ^ أ ب أبو الشمقمق، "ما كنت أحسب أن الخبز فاكهةٌ"، الديوان.
16841 مشاهدة
للأعلى للسفل
×