الأدب الجاهلي
يمكنُ القول إنَّ الأدب الجاهلي هو عبارة عن الشعر والنثر الذي كتبه العرب قبل الإسلام والذي رواه الرواة لبعضهم جيلًا وراء جيل حتَّى وصل إلى الأجيال اللاحقة ومنها إلى هذا العصر، ويعدّ العصر الجاهلي من العصور التي ازدهر بها الأدب العربي بشكل عام، فقد تنوَّعت الفنون النثرية كالخطابة والرسائل والوصايا وسجع الكهان، وازدهر الشعر ازدهارًا كبيرًا وهو عصر المعلقات التي لم تزلْ مركز كثير من الدراسات حتَّى الآن، ويعدّ الأدب الجاهلي الأدب الأقدم في تاريخ الأدب العربي فلم يصل قبل الأدب الجاهلي أية نصوص أدبية، وهذا المقال سيتناول الشعر الجاهلي في الحب وسيسلط الضوء أيضًا على أغراض الشعر الجاهلي.
أغراض الشعر الجاهلي
من المعروف إنَّ الشعر عند العرب بشكلٍ عامّ يعدّ انعكاسًا لبيئتهم وشمائلهم وأخبارهم، ولم يختلف الشعر الجاهلي كثيرًا عن غيره من عصور الشعر العربي، فكان انعكاسًا لأخبار الجاهليين وأحوالهم، ولهذا كانت أغراض الشعر الجاهلي هي: [١]
- الرثاء: يعدّ الرثاء من أبرز أغراض الشعر الجاهلي ويقترب الرثاء اقترابًا كبيرًا من المديح، فهو إبراز شمائل الميت والترحم عليه وذكر محاسنه، وكذلك المديح يعتمد على إبراز شمائل الإنسان الحي، لذلك كان الرثاء قريبًا من المديح مع الاختلاف في كونه يحمل شيئًا من البكاء على الفقيد، وقد اشتهر رثائيات الخنساء لأخيها صخر كما اشتهر رثائية أوس بن حجر أيضًا.
- الهجاء: ويعدّ الهجاء أيضًا غرضًا من أبرز أغراض الشعر الجاهلي، مع أنَّه لم ينتشر كثيرًا قياسًا بالفخر والغزل وغيره، وجدير بالذكر إن الهجاء هو التقليل من قيمة الخصم والتقليل من قدره وقدحه وذمه ووصفه بالصفات الناقصة عند العرب: كقلَّةِ المروءة والجبن والبخل والغدر وغيرها، وقد انقسم الهجاء عن الجاهليين إلى هجاء فردي يكون بين شخص وشخص آخر، وهجاء جماعي يهاجم فيه شعراء قبيلة ما قبيلةً أخرى وشعراءها، وجدير بالذكر إنَّ الشتيمة والسب لم تشتهر كثيرًا في هجاء الجاهليين بل اعتمد هجاؤهم الجد وبعض السخرية والتلميح الموجع.
- الحكمة: تعدّ أيضًا من أغراض الشعر الجاهلي، وهي تنتشر كثيرًا في خواتيم القصائد الطويلة عند الشعراء الجاهليين، فقد مال كثير منهم إلى إنهاء القصيدة بشيءٍ من الحكمة التي تظهر عند الشعراء الذين لهم باعٌ طويل مع هذه الحياة، مثل: زهير بن أبي سلمى، وامرؤ القيس، والنابغة وغيرهم.
- الفخر: يعدّ الفخر من أبرز المواضيع التي طرقها الشعراء الجاهليون، فكانوا يمدحون أنفسهم ويظهرون شمائلهم وأنسابهم وأنساب قبائلهم ويتباهون بها، وكانوا يمجدون انتصاراتهم في المحافل الكبرى، ويتحمسون ويفخرون ويثنون، وقد اشتهر لون شعري يعتمد على الفخر دون الإنقاص من قيمة العدو، فسمِّيت هذه القصائد بالمنصفات، وكان من أشهر شعرائها: العباس ابن مرداس، وعوف بن الأحوص، وخداش بن زهير، واشتهر أيضًا الفخر الذاتي دون القبيلة وهذا اشتهر كثيرًا عند الشعراء الصعاليك الذين امتدحوا أنفسهم دون قبائلهم لأنهم في الأساس خارجون على عادات قبائلهم.
- الغزل: يعدّ الغزل الغرض الشعري الأكثر انتشارًا في العصر الجاهلي، وقد سعى معظم الشعراء الجاهليين إلى طلب ود المرأة ورضاها، ومنهم من وصف مفاتنها الجسدية بمجون كبير، وقد وقف الشعراء الجاهليون على أطلال محبوباتهم، فكانوا يستهلون قصائدهم بالبكاء على بقايا ديار المحبوبة، قبل أن ينتقلوا في الغالب إلى الحديث عن مفاتن المرأة ووصف جسدها.
- المديح: لقد اشتهر المديح في العصر الجاهلي ونالَ نصيبًا من الأدب الجاهلي، وقد ظهر المديح بدافع التكسب، فكان الشعراء الجاهليّون يقبلون على بلاط الملوك بنية المديح وكسب الأعطيات التي يقدمها الملوك للشعراء، وكان أشهر المتكسبين من المديح: النابغة الذبياني الذي مدح النعمان بن المنذر، فجاء الأعشى وسار على نهجه، واشتهر أيضًا المديح الصادق الذي ينبع من عاطفة صادقة وليس رغبة بالتكسب، وهو مديح زهير بن أبي سلمى لهرم بن سنان والحارث بن عوف الذين أوقفا الحرب بين عبس وذبيان.
الشعر الجاهلي في الحب
يعدّ الشعر الجاهلي في الحب من أشهر الشعر الذي جاء عبر الرواة من الأدب الجاهلي، فقد اتخذ الشعراء الجاهليون كغيرهم من شعراء عصور الشعر العربي من الحب موضوعًا رئيسًا، كتبوه وأفرغوا مشاعرهم على الورق، وقد اشتهر عند الجاهليين الوقوف على الأطلال والبكاء على أطلال المحبوبة في مشهد شعري جاهلي تكرر كثرًا عند معظم شعراء ذلك العصر، وجدير بالذكر إن الجاهليين كانوا يصورون مشاعرهم وعواطفهم الصادقة فيصفون مفاتن المرأة وحسنها وجمالها، وقلة منهم من تطرقوا إلى الغزل بالمحسوسات عند المرأة، وقد اشتهر في العصر الجاهلي قصة حب عنترة وعبلة، والتي دفعت عنترة إلى كتابة أبهى قصائد الحب في الجاهلية، ولهذا كان للحب نصيبًا كبيرًا من الشعر عن الجاهليين وكان الشعر الجاهلي في الحب متميزًا كغيره من الأغراض الشعرية في ذلك العصر. [٢]
شعر جاهلي عن الحب
بعد الحديث عن الشعر الجاهلي في الحب، سيتم المرور على أبرز ما جاء عن الشعراء الجاهليين من الشعر الجاهلي في الحب وأبرز هؤلاء الشعراء الذين كتبوا الشعر الجاهلي في الحب، وممّا جاء في هذه المسألة:
- يقول زهير بن أبي سلمى في إحدى قصائده: [٣]
صَحا القلبُ عن سلمى وقد كادَ لا يسلو وَأقْفَرَ من سَلمى التّعانيقُ فالثّقْلُ
وقد كنتُ مِن سَلمَى سِنينَ ثَمانيًا على صيرِ أمرٍ ما يمرُّ، وما يحْلُو
وكنتُ إذا ما جئتُ يومًا لحاجةٍ مضَتْ وأجَمّتْ حاجةُ الغدِ ما تَخْلُو
وكلُّ محبٍّ أعقبَ النأيُ لبَّهُ سلوَّ فؤادٍ ، غير لبِّكَ ما يسْلُو
- ويقول عنترة بن شداد في حبه لعبلة: [٤]
يا طائرًا قد باتَ يندبُ إلفَهُ وينُوحُ وهْوَ مُولّهٌ حَيرانُ
لو كنتَ مثلي ما لبثتَ ملوَّنا حَسنًا ولا مالتْ بكَ الأَغصانُ
أين الخَليُّ القلْبِ ممَّنْ قلْبُهُ من حرِّ نيرانِ الجوى ملآنُ
عِرْني جَناحَكَ واسْتعِرْ دمْعي الذي أفنْى ولا يفنى له جريانُ
حتى أَطيرَ مُسائلًا عنْ عبْلةٍ إنْ كان يُمكنُ مثليَ الطَّيرانُ
- ويقول النابغة الذبياني: [٥]
نبئتُ نعما، على الهجرانِ، عاتبةٌ سَقيًا ورَعيًا لذاكَ العاتِبِ الزّارِي
رأيتُ نعمًا وأصحابي على عجلٍ والعِيسُ، للبَينِ، قد شُدّتْ بأكوارِ
بيضاءُ كالشّمسِ وافتْ يومَ أسعدِها لم تُؤذِ أهلًا، ولم تُفحِشْ على جَارِ
و الطيبُ يزدادُ طيبًا أن يكونَ بها في جِيدِ واضِحةِ الخَدّينِ مِعطارِ
- ويقول الأعشى في معلقته: [٦]
ودّعْ هريرةَ إنَّ الركبَ مرتحلُ وهلْ تطيقُ وداعًا أيُّها الرّجلُ ؟
غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها تَمشِي الهُوَينا، كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ
كَأنّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا مرّ السّحابةِ، لا ريثٌ ولا عجلُ
تَسمَعُ للحَليِ وَسْوَاسًا إذا انصَرَفَتْ كمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
المراجع
- ↑ الأدب العربي في العصر الجاهلي, ، "www.marefa.org"، اطُّلِع عليه بتاريخ 06-02-2019، بتصرّف
- ↑ غزل (شعر), ، "www.wikiwand.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 06-02-2019، بتصرّف
- ↑ صَحا القلبُ عن سلمى وقد كاد لا يسلو, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 06-02-2019، بتصرّف
- ↑ يا دار أين ترحل السكان, ، "www.aldiwan.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 06-02-2019، بتصرّف
- ↑ عوجوا، فحيوا لنعمٍ دمنةَ الدارِ, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 06-02-2019، بتصرّف
- ↑ ودّعْ هريرةَ إنَّ الركبَ مرتحلُ, ، "www.adab.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 06-02-2019، بتصرّف