الشعراء الفرسان في العصر الجاهلي

كتابة:
الشعراء الفرسان في العصر الجاهلي


الشعراء الفرسان في العصر الجاهلي

يعد العصر الجاهلي العصر الذي انتشر فيه الفرسان، فهو العصر الذي شاعت فيه الفروسية بأخلاقها ومآثرها ومبادئها، ويرجع ذلك إلى طبيعة البيئة التي كانوا يعيشون فيها والزمن الذي كان جائرًا عليهم، فنراهم يعيشون في الصحراء يسعون إلى رزقهم وطعامهم، محاولين صيد حيوانات الصحراء التي تسد الرمق بصعوبة، ويواجهون أخطار هذه البيئة القاحلة، وما فيها من لصوص وقطاع طرق.[١]


لا ننسى أنّ هؤلاء الفرسان تميزوا بأنهم شعراء أيضًا، فقد كان الفارس شاعرًا في البيئة العربية؛ لأن الشعر مجال التعبير عند العرب، والنطاق الذي يحكون فيه مغامراتهم وأسفارهم، فنجد الفارس يقص لنا في شعره عن معاناته أو بطولته وشجاعته، أو عن علاقته الغرامية، أو عن صعوبات الرحلة وأخطارها، أو وصف فرسه وناقته،[٢] ومن أبرز هؤلاء الشعراء من يأتي:


المهلهل بن ربيع التغلبي

هو عدي بن ربيعة التغلبي، فارس بني تغلب وشاعرها، ويعرف أيضًا بالزير سالم أبي ليلى المهلهل، وقد عُرف بالمهلهل لأنه أول من هلهل الشعر أي طوله، فكانت العرب تقول البيت أو البيتين حتى جاء المهلهل، وطول الشعر وقصد مقطوعات طويلة.[٣]


عُرف المهلهل في حرب البسوس التي قاد فيها قبيلته تغلب، كما ثأر لأخيه كليب الذي قُتل غدرًا على يدي جساس بن مرّة، فنرى المهلهل يحكي لنا قصائدًا وأشعارًا تروي بطولاته وحال أعدائه نتيجة غاراته على بني بكر، فنراه يقول:[٤]

فَلَو نُبِشَ المَقابِرُ عَن كُلَيبٍ

:::فَيَعلَمَ بِالذَنائِبِ أَيُّ زيرِ

بِيَومِ الشَعثَمَينِ أَقَرَّ عَيناً

:::وَكَيفَ لِقاءُ مَن تَحتَ القُبورِ

وَأَنّي قَد تَرَكتُ بِوارِدَاتٍ

:::بُجَيراً في دَمٍ مِثلِ العَبيرِ

هَتَكتُ بِهِ بُيوتَ بَني عَبادٍ

:::وَبَعضُ الغَشمِ أَشفى لِلصُّدورِ

عَلى أَن لَيسَ يوفى مِن كُلَيبٍ

:::إِذا بَرَزَت مُخَبَّأَةُ الخُدورِ

وَهَمّامَ بنَ مُرَّةَ قَد تَرَكنا

:::عَلَيهِ القُشعُمانِ مِنَ النُسورِ

يَنوءُ بِصَدرِهِ وَالرُمحُ فيهِ

:::وَيَخلُجُهُ خَدبٌ كَالبَعيرِ

قَتيلٌ ما قَتيلُ المَرءِ عَمرٌو

:::وَجَسّاسُ بنُ مُرَّةَ ذو ضَريرِ[٥]


هذه الأبيات تحكي لنا فعائل المهلهل، ونراه يذكر أسماء من قتلهم بكليب، فيذكر أنه قتل بجير بن الحارث بن عباد، وقتل همام بن مرة، ونجده يصف حال جثتيهما وهما مغرقتان بالدم في موقعة الشعثمين، وفي منطقة الواردات.[٦]


كان قتلهما أمرًا عظيمًا لكونهما من سادة العرب، وأصحاب نسب رفيع، فالمهلهل في شعره هذا يعبر عن فروسيته ويتخد الشعر مجالاً للتعبير عن بطولاته لتخليدها وإشاعتها بين الناس.[٦]


امرؤ القيس

هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، أمير مملكة كندة، وابن ملكها قُتل والده على يد بني أسد، الذين ثاروا عليه فقتلوه وحطموا ملكه، وقد فشل امرؤ القيس باستعادة ملكه والثأر لوالده، فسمي بالملك الضليل، وقد كان فارسًا مشهورًا، حاول الثأر لوالده لكنه لم يجد لنفسه نصيرًا.[٧]


نرى امرأ القيس في شعره يصف رحلاته وفروسيته وشجاعته، ويصف كره وفره على الأعداء وقتاله وبراعته في السيف، ونجد ذلك في معلقته الشهيرة، ولا بد لنا من الإشارة إلى أنّ امرأ القيس أول من قصد المعلقات وكتب فيها، فنجد في معلقته لوحة الفروسية وهي:[٨]

وَقَدْ أغْتَدي وَالطّيرُ في وُكنُاتُها

:::بمنجردٍ قيدِ الأوابدِ هيكلِ

مِكَرٍّ مفرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معًا

:::كجلمودِ صخْر حطه السيل من علِ

كميت يزل اللبد عن حال متنه

:::كما زَلّتِ الصَّفْواءُ بالمُتَنَزّلِ

مسحٍّ إذا ما السابحاتُ على الونى

:::أثرنَ غبارًا بالكديد المركل

على العقبِ جيَّاش كأن اهتزامهُ

:::إذا جاش فيه حميُه غَليُ مِرْجلِ[٩]


عنترة بن شداد العبسي

يعد عنترة بن شداد من أشهر الشعراء الفرسان في العصر الجاهلي، فقد ذاع صيته، وانتشر اسمه بسبب بطولاته في حرب داحس والغبراء التي استمرت مدة عشرين عامًا، كان هو فارسها وبطلها، فخلد ذكراه وبطولته في شعره، وروى لنا عن أفعاله العظيمة وشراسته في المعارك، ومن ذلك:[١٠]

وَحَليلِ غانِيَةٍ تَرَكتُ مُجَدَّل

:::تَمكو فَريصَتُهُ كَشَدقِ الأَعلَمِ

سَبَقَت يَدايَ لَهُ بِعاجِلِ طَعنَةٍ

:::وَرَشاشِ نافِذَةٍ كَلَونِ العَندَمِ

طَوراً يُجَرَّدُ لِلطِعانِ وَتارَةً

:::يَأوي إِلى حَصدِ القَسِيِّ عَرَمرَمِ

يُخبِركِ مَن شَهِدَ الوَقيعَةَ أَنَّني

:::أَغشى الوَغى وَأَعِفُّ عِندَ المَغنَمِ

وَمُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزالَهُ

:::لا مُمعِنٍ هَرَباً وَلا مُستَسلِمِ

جادَت لَهُ كَفّي بِعاجِلِ طَعنَةٍ

:::بِمُثَقَّفٍ صَدقِ الكُعوبِ مُقَوَّمِ

فَشَكَكتُ بِالرُمحِ الأَصَمِّ ثِيابَهُ

:::لَيسَ الكَريمُ عَلى القَنا بِمُحَرَّمِ

فَتَرَكتُهُ جَزَرَ السِباعِ يَنُشنَهُ

:::يَقضِمنَ حُسنَ بِنانِهِ وَالمِعصَمِ[١١]


ففي هذه الأبيات نجد أنّ الشاعر يتباهى بقوته وجرأته في الحرب، فيذكر لنا في معلقته الشهيرة كيف يقاتل الأعداء، وكيفية ضربهم وطعنهم بالسيف والرماح، وقد أكثر فيهم القتل، ونجد الشاعر يتباهى بكرامته وشجاعته، فهو مقدام في المعركة متراجع عند تقسيم الغنائم عفيف النفس لا يتهافت على المال.[١٢]


المراجع

  1. شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 366. بتصرّف.
  2. شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 366. بتصرّف.
  3. أبو زيد القرشي، جمهرة أشعار العرب، صفحة 458. بتصرّف.
  4. شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 367. بتصرّف.
  5. "أليلتنا بذي حسم أنيري"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/2/2022. بتصرّف.
  6. ^ أ ب شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 367. بتصرّف.
  7. شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 234-236. بتصرّف.
  8. شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 236. بتصرّف.
  9. "فا نبك من ذكرى حبيب ومنزل"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/2/2022.
  10. أبو زيد القرشي، جمهرة أشعار العرب، صفحة 347. بتصرّف.
  11. "هل غادر الشعراء من متردم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/2/2022. بتصرّف.
  12. أبو زيد القرشي، جمهرة أشعار العرب، صفحة 364-366. بتصرّف.
6005 مشاهدة
للأعلى للسفل
×