الصّلاة في وقتها
الصَّلاةُ هي أساسُ الإسلام، وقد حثَّ الإسلامُ على إقامتِها في وقتِها، وجُعِلَت الصَّلاةُ في وقتِها من أفضلِ الأعمالِ وأقربِها إلى الله -تعالى-، ولا تكاد تجدُ لفظاً في القرآنِ والسنّةِ يأمرُ بمجرَّد أداءِ الصّلاةِ فقط، وإنَّما جاء الأمر بِإِقَامتِها، ومن أهمّ معاني الإقامة: أن تُصلّى الصّلاة على وقتها،[١] ويُقصد بالصّلاة على وقتِها: أي الصّلاة في أوّل وقتِها، وهي من الأعمال التي تقرّب العبد من الجنة،[٢] وقد دلَّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندما سُئل: (أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟ قالَ: الصَّلاةُ لأوَّلِ وقتِها).[٣]
وقد يُدرك المُسافر وقت الصلاة ثمّ يسهى أو ينسى عنها فيؤخّرها، والسَّهو عن الصّلاة هو عدم تذكُّر الصّلاة لشغلٍ، أو أنّ الشخص قد غفل عنها، والنّسيان يعني: أن يَعلمَ دخولَ وقتِها ثمَّ ينساها، فإن جاءَ المسافر إلى أهله ولم يذهب وقت الصلاة؛ فيصلّيها صلاةَ المقيمِ، وإن جاء بعد وقتها يقضيها.[٤] وإذا فاتت وقت الصّلاة على المسلم فلم يُصلّيها متعمّداً؛ فقد ارتكبَ كبيرةً من الكبائرِ، وهذا ما نصَّ عليه العلماءُ، وعليهِ المبادرةُ إلى قضائِها والتوبة إلى الله -تعالى-، قال الله -تعالى-: (فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا)،[٥] ومعنى أضاعوا الصّلاة: أي أخَّروها عن وقتِها، فكانَ جزاؤهم أنَّهم سيلقون غيَّا، وقيل إن الغيّ هو: نهرٌ في قعرِ جهنَّم، وقيل إنَّه وادٍ في جهنَّمٍ،[٦]
أمَّا من نَسِيَها أو نامَ عنها غير متعمِّدٍ فلا يكون عمله هذا من كبائر الذّنوب، لأنّه أمرٌ خارجٌ عن إرادتِه، فيقضيها مباشرة إذا تذكّرها أو استيقظ.[٧] وينبغي على المسلم أن يستخدمَ وسائل لإعانتهِ على الاستيقاظ في وقتِ الصَّلاة، ومنها: عدم تعمُّد واعتياد السَّهر، وكذلك استخدام منبّهٍ أو ما شابه، لأنّ الأصل في الصَّلاةِ أن تُصلَّى في وقتِها إلَّا لعذرٍ شرعيٍّ مباحٍ،[٨] وتنبع أهميّة أداء الصَّلاة على وقتها من كونها سبباً في قرب العبد من ربّه -جلّ وعلا-، فهي أفضلُ الأعمالِ عندَ اللهِ -تعالى-، وقد فُضِّلَت على الجهادِ في سبيلِ اللهِ -تعالى- وعلى برّ الوالدين، كما أنها سببٌ لراحةِ النَّفس وطمأنينتها، وقد أمرَ رسولَ اللهِ -صلّى الله عليه وسلّم- المسلمينَ بإقامتا في وقتها، وحثّهم على أن يصلّوها في أوّل وقتِها.[٩]
الحكمة في توقيت الصّلوات
الصّلواتُ في الإسلامِ موزّعةٌ على اليومِ واللّيلةِ، فمنها ما هو في أوّلِ اليومِ؛ وهي صلاةِ الفجرِ، ومنها في منتصفِ النّهارِ؛ وهما صلاتَيّ الظّهرِ والعصرِ، ومنها في اللّيل؛ وهما المغرب والعشاء، وفي ذلك حِكمٌ مهمّةٌ منها: أن يبقى العبدُ دائم الصّلةِ بربِّه، فإن ضاقت عليهِ دنياه تخلَّلتها الصّلوات الخمس، فيقوم بعدها قويّ الإيمان، متذكّراً أنَّ هذه الحياة زائلة، فيزدادُ عبادةً وقرباً من ربِّه، وفي تفريقها على خمسة أوقاتٍ حكمةٌ أخرى؛ وهي التّخفيف على المسلمِ، فَلو فُرِضَت كلّها دفعةً واحدةً لشقَّت على كثيرٍ من المسلمين، ولكانَ ذلكَ على حسابِ وقتِهم وأشغالِهم،[١٠] فكان تفريقها على سائر اليوم رأفةٌ بالمسلم، وتكرارها في خمس أوقاتٍ متفرّقة يُوجِبُ قوَّةُ الصِّلَة بالخالق -سبحانه-.[١١]
أهميّة الصّلاة
الصّلاةُ هيَ ركنٌ أساسيٌّ من أركان الإسلام، فهيَ الرّكنُ الثّاني من أركان الإسلام بعدَ الشّهادتين، والتّهاونُ في أدائها دليلاً على النّفاقِ، وتركُها إنكاراً لها وجحوداً بها ضلالٌ وخروجٌ من ملَّةِ الإسلام، فلا يصحُّ الإسلام بدونها،[١٢] ومن يقيمُها يستحقُّ نصرَ اللهِ -تعالى-، وهي أوّلُ ما كُلِّف به المسلمون بعدَ التّوحيدِ، وهي رأس العبادات البدنيّة، فقد فُصِّلَت تفصيلاً كاملاً، وقد فُرِضَت في معراجِ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- في السماء بخلاف باقي الشّرائع.[١٣]
وهي عمودٌ أساسيٌّ وثابتٌ في الإسلامِ، فمن ضيَّعها كان لغيرها أضيع، ومن حافظَ عليها كان جزاؤه عظيماً عن الله -تعالى-.[١٤] لأنَّها صلةٌ بين العبدِ وخالقة، وفيها اطمئنانٌ للعبدِ وقضاءٌ لحوائجه وتفريجٌ لهمومه؛ كما أنّ لها جانبين: جانبٌ يتعلَّقُ بالجسدِ كالحركات من ركوعٍ وسجودٍ وغيره، وجانبٌ يتعلَّقُ بالقلبِ من خشوعٍ وتعظيمٍ لأمرِ اللهِ -تعالى- وتوحيدهِ، وكما أنّ الصلاة تمنعُ المسلم من ارتكابِ السيّئاتِ، وتكفِّرُ عنه ذنوبه،[١٥] وما فُرِضَت الصَّلاة في اليومِ واللّيلةِ إلَّا لأهميّتِها، ولذلك فرضت من فوق السّماوات.[١٦]
المراجع
- ↑ محمد المقدم، لماذا نصلي، صفحة 4، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ موسى لاشين (2002م)، المنهل الحديث في شرح الحديث (الطبعة الأولى)، بيروت-لبنان: دار المدار الإسلامي، صفحة 122، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الصنعاني، في العدة على الإحكام، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 1/411، صحيح.
- ↑ ابن عبد البر (1421ه)، كتاب الاستذكار (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 69، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 59.
- ↑ شمس الدين السفيري (1425)، كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 11، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ عبدالسلام العامر، كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري، صفحة 8، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 4584. بتصرّف.
- ↑ دروس الشيخ سيد حسين العفاني، دروس الشيخ سيد حسين العفاني، صفحة 17، جزء 40. بتصرّف.
- ↑ ابن جبرين، كتاب شرح عمدة الأحكام لابن جبرين، صفحة 4، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ ابن عثيمين (1427)، كتاب فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (الطبعة الأولى)، مصر: المكتبة الإسلامية، صفحة 422، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد الله الزيد (1423)، كتاب تعليم الصلاة، السعودية: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 14، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ [محمد المقدم، كتاب لماذا نصلي - المقدم، صفحة 2، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد الله الرسي، دروس للشيخ عبد الله حماد الرسي، صفحة 1، جزء 29. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1433ه)، كتاب الموسوعة الفقهية - الدرر السنية، صفحة 64، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ صالح بن طه عبد الواحد (1428)، كتاب سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام (الطبعة الثانية)، الإمارات: مكتبة الغرباء الدار الأثرية، صفحة 193، جزء 1. بتصرّف.