الصورة الشعرية في الشعر الحديث

كتابة:
الصورة الشعرية في الشعر الحديث

بنية الصورة الشعرية في العصر الحديث

كيف اعتنت المذاهب الأدبية ببنية الصورة الشعرية؟

بدت الصورة عند الكلاسكيين تابعة لنظريتهم في المعرفة، والمعرفة العليا لديهم مُتمثّلة في الأفكار التجريدية، فالإدراك قوة تجريدية مستقلة عن صور الحس، وهو من سمات العقل وخواصه، ولهذا لم يكن للخيال والصورة تلك الأهمية الكبيرة في نظرهم،لأنها تؤدي إلى الفكرة الصحيحة البعيدة عن الزيف والاضطراب.[١]


أولى الرومانسيون الصورة اهتمامًا خاصًا، فقد قامت الرومانسية على أسس منها: تمجيد العاطفة التي راجت في أوروبا نصوص أدبية زاخرة بها، وكان ذلك في القرن الثامن عشر، والفهم الذاتي والشعور أساسان للادراك الخاضع للإحساس بالجمال عندهم، ومن هنا تفرعت مسائل عدة منها: ارتباط الجمال بالذوق، ونسبية الذوق وفرديته وتأثر الإبداع بعبقرية الفنان وذاتيته، وتحول الجمال من الموضوعية سمة الجمال الكلاسيكية إلى الذاتية عندهم.[٢]


أمّا الرومانسيون فقد اعتنوا بالخيال أيّما اعتناء، وكان هو الملهم الذي مدّ الشعراء بأجمل الصور الشعرية، فكانت صورهم عاطفية شاعرة أكثر من كونها عقلية فكرية، لأن الفكرة لا تظهر إلا من خلال الصور الشعرية التي تتضمنها القصائد، وتبدو الصورة الحية برهانًا وجدانيًا عليها، وأشد ما يحذره الرومانسيون أن تكون الصورة عقلية صرفة جافة، أو حججًا ذهنية منطقية، فالأفكار التجريدية تقضي على روح الشعر، إذ إنّ روحه في صوره.[٣]


كانت عناية البرناسيين بالصورة في الشعر أكبر من عناية الرومانسيّين بها، واشتركوا معهم في تسخيرها لنقل المشاعر من منطقة التجريد إلى التجسيد، واختلفوا معهم في طبيعة مصدرها، فأهملوا الذات ولم يعطوا العقل أي أهمية تُذكر لعدم مقدرته على إبداع صور شعرية جديدة، وقد رأى البرناسيون في الصور عالمًا موضوعيًا معبرًا عن مشاعر وحالات نفسية وأفكار عامة تختفي وراءها شخصية الشاعر.[٤]


مصادر الصورة الشعرية في العصر الحديث

من أين استقت المذاهب الأدبية صورها الشعرية؟

قد استمد الشعراء الحداثيون صورهم من أكثر من مصدر نذكر منهم:[٥]

  • الرمز: فالشعراء المحدثون اعتادوا أن يرمزوا بالمطر إلى الخير والتغيير والثورة كما فعل السياب، واعتادوا أن يرمزوا بالقحط والجفاف والخراب إلى القهر والتسلط والعبودية، وبالصحراء يرمزون إلى الخواء الروحي والفقر المادي، وبالأغنية يرمزون إلى الشعر الصادق.


  • الأسطورة: فقد اقتحم الشاعر الحداثي عالم الأسطورة من أوسع أبوابه المختلفة المتعددة، فمنهم من لجأ إلى خلق أساطير معاصرة تناسب التجربة الجديدة، ومنهم من لجأ إلى الأسطورة الإغريقية والمصرية القديمة والبابلية، فتكررت أسماء مثل: تموز وإيزيس وبرومثيوس، كما هو الحال عند أدونيس.


  • الفردية والذاتية: وقد تبدو الذات مصدرًا للصورة، فالحديث عن الذات يكون أكثر عمقًا وسيطرة على الأغوار النفسية البعيدة التي لا يصل إليها المنطق السطحي، والصورة الذاتية المثلى هي التي تستحضر غيب النفس والوجود، وهي التي توحي بها وتحتمها في النفس دون أن تقوى النفس على فهمه.


مستويات الصورة الشعرية في العصر الحديث

ما هي المستويات التي تمر فيها الصورة في البناء الشعري؟

الصورة في البناء الشعري من الممكن أن تمر في ثلاثة مستويات؛ أي أنّها من الممكن أن تؤدي ثلاث دلالات وهي:[٦]


  • الصورة الذهنية: وهو ما يحدث في ذهن القارئ نتيجة الاستجابة التي تولدها الصورة في ذهنه، وهي مُحدّدة الدلالة بكونها حسية تصف العلاقة بين العبارة المكتوبة والإحساس الذي تولده في الذهن.


  • الصورة بوصفها مجازًا: اهتموا باللغة التي صيغت بها الصور وما تؤدي إليه من دلالات؛ أي أنّ الصورة الوسيلة بعد أن أكدت الدلالة الذهنية أو النفسية النتيجة في إدراك الصور وتصنيفها.
  • الصورة بوصفها أنماطًا: تُجسّد رؤية رمزية أو حقيقية أو حدسية، وترتبط بوظيفة أنماط الصورة الفنية، سواء أكانت حقيقية أم مجازية أم كليهما معًا، باعتبارها رموزًا تستمد فعاليتها من التّداعي النفسي للشاعر المؤلف للعمل الإبداعي.


خصائص الصورة الشعرية في العصر الحديث 

ما هي أهم السمات التي تحدد الصورة الشعرية؟

هناك عدة سمات وخصائص تميزت بها الصورة الشعرية وأصبحت جزءًا منها وهي:[٧]

  • متعددة الأوجه: أي أنّ الصورة الشعرية بما تتضمنه من عناصر بلاغية وجمالية قد تؤدي من خلال الصورة الواحدة أكثر من معنى وقد تحمل أكثر من غرض، وهذا الذي جعل الشعراء يكثرون منها ويوظفونها بعناية في أشعارهم وقصائدهم.


  • المراوحة بين البساطة والتعقيد: فقد يغرق أحد الشعراء صوره بالإيهام والغموض حتى لا تكاد تفهم كما فعل درويش في آخر قصائده، فقد أصبحه فهمها عصيًا على القارئ، وقد يستخدم الشاعر صورًا بسيطة تؤدي غرضًا جماليًا واضحًا تهفو النفس إليه لحلاوته وعذوبته كما هو الحال عند نزار قباني.


  • معبرة: فالصور عند البنيويين لم تكن عشوائية بل وجدت لتحقيق غرض أراده الشاعر، لكنه لم يرد أن يقوله صراحة في شعره، وإنما اختار له صورة بديعة جميلة لتوصل هذا الغرض إلى نفس القارئ فيعلق في ذهنه ويُلامس سويداء قلبه.


  • قيّمة: فالصورة قيمة في ذاتها لا زينة أو أداة تعبير مجردة، بل هي التي تُوحّد بين عناصر المبنى الشعري وتمنحها قيمة جديدة، أي أنّها تُحدث التغيير في نظام التعبير عن الأشياء.


وظيفة الصورة الشعرية في العصر الحديث

أين تتحدد أهمية ودور الصورة الشعرية في بنية الشعر؟

للصورة أهمية مركزية انصبت عليها جهود النقاد المحدثين، وتبلورت هذه الأهمية أو القيمة بكونها التركيبة الفنية النفسية النابعة من حاجة إبداعبة وجدانية متناغمة يتخذها الشاعر أداة للتعبير الوجداني أو النفسي:[٨]


  • وسيلة الشاعر التي يهدف من خلالها إلى التجديد في طرق العرض الشعرية، والتي بها يحكم على العمل الشعري بالنجاح أو الفشل في الحكم على العلاقة بين العمل الشعري ونفس القارئ، وما أكسبته من تجربة متفردة إلى وعيه.
  • تُحقق الصورة التّوازن بين ما ترصده من مظاهر حسية وما يعادلها من الانفعالات والأبعاد النفسية.


  • تُعبّر الصورة عن أثر ذوقي مباشر أو تداعٍ وارتباط لا شعوري مُبهم لدى الشاعر تكشف عنه الصورة.
  • الصور الشعرية بمجموعها تتحد لتكون الحالة النفسية الموحدة لدى القارئ، وأي خلل يطرأ على واحدة من هذه الصور في البناء الشعري يظهر أثره جليًا على المعنى وعلى تفكك البناء.

المراجع

  1. محمد غنيمي هلال، دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده، صفحة 70. بتصرّف.
  2. محمد غنيمي هلال، الأدب المقارن، صفحة 36. بتصرّف.
  3. محمد غنيمي هلال ، دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده، صفحة 383. بتصرّف.
  4. محمد غنيمي هلال، النقد الأدبي الحديث، صفحة 416. بتصرّف.
  5. إيليا حاوي ، الرمزية والسريالية في الشعر الغربي والعربي، صفحة 116. بتصرّف.
  6. نورمان فريدمان ، الصورة الفنية، صفحة 33. بتصرّف.
  7. أحمد درويش ، في النقد التحليليّ للقصيدة المعاصرة، صفحة 127. بتصرّف.
  8. نعيم الباقي ، تطور الصورة الفنية في الشعر العربي، صفحة 239. بتصرّف.
15538 مشاهدة
للأعلى للسفل
×