الطاقة الإيجابية في الإسلام

كتابة:
الطاقة الإيجابية في الإسلام

مفهوم الطاقة الإيجابية في الإسلام

إنّ مصطلح الطاقة الإيجابيّة من المصطلحات الحديثة التي برزت مُؤخَّرًا، إلّا أنّ لها في الإسلام ظلالًا وآثارًا ذات صلةٍ، وفيما يأتي توضيحٌ للمعنى الاصطلاحيّ الطاقة الإيجابيّة:

  • الطاقة

هي نشاط يتسبّب بإحداث حركةٍ جسميَّةٍ أو ذهنيَّةٍ.[١]

  • الإيجابية

هي الحماس الذي ينتج عن الإيمان بحدوث الأشياء الجميلة، وذلك للتكيّف مع الواقع وتحسينه، وتمثل الإيجابية الحافز الذي يزيد طاقة الإنسان لأداء عملٍ بهدف الوصول إلى شيءٍ محدَّدٍ رغم الصعاب.[٢]

إنّ من خصائص وميِّزات الإسلام عقيدةً وشريعةً وثقافةً أنّه إيجابيٌّ؛ ذلك لأنّ الإنسان عبدٌ لله صاحب الأسماء الحسنى، والصفات العليا، وكلّ أسمائه وصفاته -سبحانه وتعالى- كاملة الإيجابية والفاعلية.[٣]

وتكتمل معاني الإيجابية حين يحقق المسلم في حياته قول الله -تعالى-: (قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّـهِ رَبِّ العالَمينَ* لا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرتُ وَأَنا أَوَّلُ المُسلِمينَ)،[٤] ونجدُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحثّ على الإيجابية في مواطن كثيرةٍ، منها قوله عليه الصلاة والسلام: (إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا).[٥]

صفات المسلم الإيجابي

يمكن استنباط صفات المسلم الإيجابيّ من آيات سورة العصر، قال الله تعالى: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)؛[٦][٧]فإنّ الإنسان خاسرٌ لا محالةً؛ إلا إذا التزم وتحلّى بالصفات الواردة في هذه السورة الكريمة، وهي في الحقيقة سمات الشخصية المسلمة الإيجابيّة، وآتيًا بيانها:[٧]

  • الإيمان بالله عزّ وجل

فالإيمان بالله هو أساس الطاقة الإيجابيّة؛ لأنّه يُخرج كلّ ما في القلب من طاقاتٍ سلبيَّةٍ وصفاتٍ سيِّئةٍ، ليحل محلّها كلّ ما فيه من سكينةٍ ورضًا.

  • العمل الصالح

ويُقصد به عموم الأعمال الصالحة على اختلافها، الظاهرة والباطنة منها، وما كان منها متعلِّقًا بحقّ الله تعالى أو بحقّ العباد.

  • التواصي بالحقّ

وهي صفةٌ تدفع الإنسان ليكون إيجابيًّا تُجاه غيره بأن يدعوه لما فيه خيرٌ ويعينه عليه.

  • التواصي بالصبر على طاعة الله

وبها تتمثل معاني تماسك المجتمع وتعاضده؛ فالكل يتشاركون في فعل كلّ ما هو جميلٍ وإيجابيٍّ؛ ويتناهون عن كلّ ما هو سلبيٍّ ومكدِّرٍ للدين والحياة.

الحث على الطاقة الإيجابية في الإسلام

حثّ الإسلام على الطاقة الإيجابية عن طريق غرس عدَّة مفاهيم وصفاتٍ في نفس المسلم والتي من شأنها أن تعلي همته، وتغير نظرته من مفهوم التشاؤم والسلبية اتجاه نفسه والأشخاص والأحداث، إلى الإيجابية والثقة والتفاؤل، وفيما يأتي ذكرٌ لجملةٍ من هذه الصفات التي دعا الإسلام إليها.

حسن الظن بالله

ومعنى حسن الظن بالله -تعالى-؛ أن يغلب على تفكير المسلم وظنّه بأنّ الله تعالى سيرحمه، مع رجائه بنيل تلك الرحمة، وأن يتدبر ويتفكر في الآيات والأحاديث الواردة في رحمة الله وعفوه وكرم، وما وعد به المؤمنين، وما يمنحه لهم من الرحمة يوم القيامة، مع الأخذ بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه وقدره وثوابه وكرامته.[٨]

الصبر على البلاء والرضا بالقضاء

لم يحدّد الله -عزّ وجلّ- ثواب الصبر بل جعله بغير حسابٍ، فقال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)؛[٩] فإنّ المصائب مُقدَّرةٌ حتمًا، وستقع ما دام الله -عزّ وجلّ- قد قدر لها أن تقع، صحيحٌ أنّ هناك أسبابًا، وأنّ علينا أن نسعى قدر الإمكان لمنع الكوارث والمصائب؛ لأنّ الله -عزّ وجلّ- أمرنا بالسعي وبأخذ الأسباب.[١٠]

ولا شك في أنّ للصبر مقامًا رفيعًا، وطاعةً يحبّها الله -عزّ وجلّ- ويحبّ أهلها، كما قال -تعالى-: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)،[١١]والصبر واجبٌ حتماً، أما الرضا فهو أعلى رتبةً منه، وجزاؤه رضا الله -عزّ وجلّ- الذي هو أكبر من جنَّة الله عزّ وجلّ.[١٢]

الشكر عند الرخاء

قال الله تعالى: (وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم)،[١٣] وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له)؛ فالمسلم الإيجابيّ لا ينسى شكر ربّه في حالات الرخاء وكثرة النِّعم.[١٤]

الدعوة إلى الأمل والنهي عن اليأس

قال تعالى: (وَلا تَيأَسوا مِن رَوحِ اللَّـهِ إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللَّـهِ إِلَّا القَومُ الكافِرونَ)،[١٥] ودعا إلى عدم القنوط من رحمة الله -تعالى-؛ بسبب كثرة المعاصي؛ بل إنّ رحمة الله تعالى ومغفرته أوسع من معاصي العبد، كما قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).[١٦]

التفاعل الاجتماعي الإيجابي

قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)؛ فقد حرص الإسلام على بثّ روح التكافل الاجتماعيّ بين أفراده؛ لتعمّه الإيجابيّة، وليكون المسلم عضوًا فعّالًا في مجتمعه، تربى على أنّ جميع المسلمين إخوةٌ له، وأنّ إصلاح ذات البين واجبٌ، وبأنّ تفقّد الفقراء والمحتاجين ومساعدة الملهوف فيها أجرٌ عظيمٌ، كما حثّ على العمل وعدم الاتكاليّة، وعلى محاربة الفساد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وكل هذه أحوالٌ إيجابيَّةٌ تظهر فيها شخصية عباد الرحمن؛ والتي تجمع بين الإيمان والعمل، وهي بذلك تضمن سلامة القلب وحسن العمل؛ ممّا يعمل على تكوين الإنسان الصالح، وقد ذكر -سبحانه وتعالى- بعد ذلك ما يجب تجنّبه من صفاتٍ؛ كي لا يتعرّضوا لما يمنع الالتزام بهذه الأخلاق العالية.[١٧]

المراجع

  1. أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، صفحة 1424. بتصرّف.
  2. ياسر عبد الرحمن، موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق، صفحة 246. بتصرّف.
  3. نادية شريف العمري، أضواء على الثقافة الإسلامية، صفحة 35. بتصرّف.
  4. سورة الأنعام، آية:162-163
  5. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1424، حديث صحيح.
  6. سورة العصر، آية:1-3
  7. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 522. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الاسلامية، صفحة 217. بتصرّف.
  9. سورة الزمر، آية:10
  10. راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 25.
  11. سورة آل عمران، آية:146
  12. أحمد فريد، دروس الشيخ أحمد فريد، صفحة 10.
  13. سورة إبراهيم، آية:7
  14. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صهيب بن سنان الرومي، الصفحة أو الرقم:2999، حديث صحيح.
  15. سورة يوسف، آية:87
  16. سورة الزمر، آية:53
  17. محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، صفحة 5315.
6745 مشاهدة
للأعلى للسفل
×