العلاقات الإنسانية في الإسلام

كتابة:
العلاقات الإنسانية في الإسلام


العلاقات الإنسانية في الإسلام

الإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه الذي فطره الله -عز وجل- عليه، فهو يميل إلى الاجتماع مع غيره من الناس، ولا يستطيع العيش بمفرده، وبحكم تشعب مجالات الحياة وتنوع حاجات الإنسان فيها تكونت كثير من العلاقات بين الناس حسب احتياجهم لها، فما حقيقة العلاقات التي يكوّنها الإنسان في حياته؟ وما مجالاتها؟ وما موقف الإسلام منها؟


تعريف العلاقات الإنسانية ومجالاتها

تنوعت اتجاهات الباحثين في تعريف العلاقات الإنسانية حسب المجال الذي يعمل فيه الإنسان والمكان الذي يوجد فيه، ولكن يمكن القول بأنَّ العلاقات الإنسانية مفهوم يشير إلى كيفية تعامل الناس فيما بينهم في شتى مجالات حياتهم، وكيفية تعامل الناس فيما بينهم تحكمه قوانين وأعراف تتسم بخصائص تختلف من علاقة إلى أخرى.[١]


وعلى الرغم من تداخل هذه العلاقات وتعقيدها يمكن فرزها إلى ثلاثة مجالات رئيسة:

  • علاقات القرابة القائمة على رابطة الدم أو رابطة المصاهرة، فرابطة الدم هي علاقات العبد بأسرته النواة والممتدة، ورابطة المصاهرة التي نشأت نتيجة الزواج مع الزوجة وأسرتها.
  • علاقات فرضها المكان المشترك بين مجموعة من الناس، مثل علاقة الجيران، وعلاقة زملاء العمل وزملاء الدراسة.
  • علاقات نشأت نتيجة للتوافق النفسي أو الفكري بين مجموعة من الناس، وهي علاقات الصداقة وزمالة الاهتمامات المشتركة كعلاقات المثقفين ببعضهم.


العلاقة الإنسانية القائمة على أساس الإسلام

عندما نزل الإسلام أنشأ علاقة جديدة بين الناس تقوم على أساس الدين، ولم يكن العرب يعرفونها من قبل، فقد كانت حياتهم تقوم على العصبية القبلية التي هي أساس العلاقات كلها،[٢]وهذه العلاقة الدينية هي: "رابطة ينشئها الإسلام بين أفراده بسبب إيمانهم به تقوم على أساس الولاء للمسلمين ولاءً قلبياً بمحبة الخير لهم وولاءً عملياً بتقديم الخير لهم".[٣]


موقف الإسلام من العلاقات الإنسانية

من أهم التعاليم التي دعا لها الإسلام رعاية حقوق الآخرين وتقديم الخير لهم، وعنما أراد جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- توضيح معالم الدعوة الإسلامية للنجاشي ذكر له ثلاثة أصول تُبيِّن حقيقة الدين الجديد، وهي: التوحيد، ومكارم الأخلاق، ورعاية حقوق الأقارب،[٤] وبهذا يتبين أن رعاية العلاقات الإنسانية المتمثلة بأخلاق الإنسان وأداء حقوق الآخرين عليه من أهم ما يميز الإسلام.


تضمن القرآن الكريم والسنة النبوية عدداً من المواطن التي تذكر العلاقات الإنسانية منها ما يأتي:

  • يكفي الإنسان شرفاً أن كرّمه الله -تعالى-، وفضّله على باقي المخلوقات، وسخَّر كل ما خلقه في هذا الكون من أجل مصلحته وراحته، فقال -تعالى-: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا).[٥]
  • قال -تعالى-: (اللَّـهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)،[٦]وقد كثرت النصوص الشرعية في القرآن التي تأمر بحسن رعاية حقوق الآخرين الذين يرتبط بهم المسلم بعلاقات القرابة أو الجوار أو الصداقة إلى غير ذلك من أنواع العلاقات الإنسانية التي يكونها المسلم في حياته.
  • وصل الأمر أن جعل القرآن برّ الوالدين مقرونا بالتوحيد الذي هو أساس الدين إيذاناً بأهمية علاقة الإنسان بوالديه، فقال -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا* وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا).[٧]
  • تكاثرت الأحاديث النبوية الشريفة التي تُعلي من شأن مراعاة المسلم لعلاقاته بالآخرين وأداء حقوقهم، وربطت ذلك بالإيمان رفعةً لشأنها، ومن هذه الأحاديث قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن حق الجيران والضيوف: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت).[٨]


منزلة العلاقة الدينية من العلاقات الإنسانية الأخرى

ليست العلاقة الدينية في الإسلام في منزلة العلاقات الإنسانية الأخرى، وإنما تأسست لتكون العلاقة الأساس التي تحتكم إليها جميع العلاقات الأخرى، فقد راعى الإسلام الحاجة الفطرية للإنسان فدعاه إلى مُراعاة علاقاته الإنسانية شرط ألا تتعارض مع العلاقة الأساسية وهي رابطة الإسلام.


وينظر الإسلام إلى هذه العلاقات بوصفها عامل وِحدة في المجتمع الإسلامي تجعل الفرد مرتبطاً بفئات المجتمع ارتباطاً يُعزز من انتمائه إليه، وإذا صارت هذه العلاقات عامل ضعف وانشقاق في المجتمع تحقق فيها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دعوها فإنها منتنة).[٩]

المراجع

  1. زرزار العياشي، تأطير مفاهيمي لإدارة العلاقات الإنسانية من منظور إسلامي، صفحة 6. بتصرّف.
  2. علي مصطفى، أثر الروابط الاجتماعية في تحقيق الأخوة الإسلامية في عهد النبوة، صفحة 5. بتصرّف.
  3. علي مصطفى، أثر الروابط الاجتماعية في تحقيق الأخوةالإسلامية في عهد النبوة، صفحة 5.
  4. أحمد بن حنبل، المسند، صفحة 266. بتصرّف.
  5. سورة الإسراء، آية:70
  6. سورة الجاثية، آية:12-13
  7. سورة الإسراء، آية:23-24
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:5672، صحيح.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:4622، صحيح.
3952 مشاهدة
للأعلى للسفل
×