العمل الصالح في القبر
ورد في الحديث الصحيح وجود ثلاثة أعمال لا تنقطع حتى بعد موت ابن آدم؛ حيث روى الصحابي أبو هريرة -رضي الله عنه- قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسانُ انقطَع عملُه إلا يدعو إلَّا مِن ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ أو عِلمٍ يُنتفَعُ به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له)،[١] وبيان هذه الأعمال الثلاثة فيما يأتي:
الصدقة الجارية
تعرف الصدقة الجارية على أنها المنفعة التي يستمر عطاؤها للغير، وقد قال العلماء إن الصدقة الجارية هي الوقف؛ والوقف في الفقه الإسلامي يعرف على أنه حبس الأصل وتسييل المنفعة؛ أي أن العين يتم إيقافها ولا يتم التصرف بها أبداً من الغير من خلال البيع مثلاً، بينما يتم الانتفاع من منافعها من قبل الفقراء وغيرهم.[٢]
وتجدر الإشارة إلى أن الصدقة الجارية يجوز أن يؤديها الشخص نفسه قبل وفاته، كما يجوز أن يؤديها عنه غيره بعد وفاته، ودليل ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وأُرَاهَا لو تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قالَ: نَعَمْ تَصَدَّقْ عَنْهَا).[٣][٤]
وللصدقة الجارية أشكال عديدة، نورد منها الآتي:[٥]
- مد شبكات المياه، أو وضع ثلاجات المياه في الطرق العامة؛ حيث تعد سقيا الماء من أفضل الصدقات الجارية لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رداً على سؤال سعد بن عبادة -رضي الله عنه-: (يا رسولَ اللهِ، إنَّ أُمِّي ماتتْ، فأتصدَّقُ عنها؟ قال: نَعَمْ، قُلتُ: فأيُّ الصَّدَقةِ أفضَلُ؟ قال: سَقيُ الماءِ، قال الحَسَنُ: فتلك سِقايةُ آلِ سعدٍ بالمدينةِ).[٦]
- بناء المساجد، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام: (من بَنى للَّهِ مسجدًا كمِفحَصِ قَطاةٍ أو أصغَرَ بنى اللَّهُ لَهُ بيتًا في الجنَّةِ).[٧]
- حفر آبار الماء الارتوازية، لقول رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (مَن حفَر بئر ماءً لم يشرب منه كبدٌ حَرَّى مِن جنٍّ ولا إنسٍ ولا طائرٍ إلَّا آجَرَهُ اللَّهُ يومَ القيامةِ).[٧]
- بناء المكتبات العامة.
- بناء المدارس.
- بناء الملاجئ للأيتام.
- طباعة الكتب العلمية ونشرها.
العلم النافع
الأمر الثاني الذي يصل ثوابه إلى الميت في قبره هو العلم النافع، وقد قال العلماء في بيان المقصود من العلم النافع إن العلم الوارد في الحديث الشريف عام؛ لذا فقد يدخل فيه أي علم ينتفع منه الإنسان؛ فلو مات الإنسان وانتفع غيره بعلمه حتى وإن كان دنيوياً فله أجر ذلك بإذن الله تعالى، ولكن لا شك أن العلم الشرعي أفضل هذه العلوم وأجلها وأعلاها أجرها.[٨]
وفي يومنا الحالي قد يشمل العلم النافع أيضاً العلم الذي يتم وضعه ونشره على المواقع الإلكترونية لإفادة طلاب المدارس والجامعات وغيرهم، فهذا كله داخل في العلم النافع والذي يصل أجره إلى الإنسان في قبره بعد موته.[٩]
دعاء الولد صالح
يعد دعاء الولد لأبيه وأمه بعد موتهما أحد الأعمال الصالحة التي تنفعهما في قبرهما، لذا يجدر بالأبناء الإكثار من الدعاء بالرحمة والمغفرة لمن توفي من والديهما، وقد دخل دعاء الولد الصالح في عمل الإنسان الميت لأنه كان سبباً في إيجاد هذا الولد، لذا كانت أعماله ودعاؤه نافعة له بعد موته،[١٠] قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ أطيبَ ما يأكلُ الرَّجلُ من كَسبِه ، وولدُه مِن كَسبِه).[١١]
المراجع
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان ، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3016 ، أخرجه في صحيحه.
- ↑ "الصدقة الجارية.. تعريفها.. وأنواعها"، إسلام ويب، 12/2/2015، اطّلع عليه بتاريخ 7/6/2022. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2760 ، صحيح.
- ↑ مصطفى العدوي، كتاب سلسلة التفسير لمصطفى العدوي، صفحة 18، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ حسام الدين عفانة (1430)، كتاب فتاوى يسألونك (الطبعة 1)، فلسطين:مكتبة دنديس، صفحة 422، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ رواه الرباعي ، في فتح الغفار ، عن سعد بن عبادة، الصفحة أو الرقم:765/2، بإسناد رجاله ثقات.
- ^ أ ب رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن جابر بن عبدالله ، الصفحة أو الرقم:1/155، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
- ↑ "ماهية العلم الذي ينتفع به صاحبه بعد موته"، إسلام ويب، 1/3/2015، اطّلع عليه بتاريخ 7/6/2022. بتصرّف.
- ↑ "ما هو العلم الذي يُنتفع به بعد الموت؟"، الإسلام سؤال وجواب، 7/12/2015، اطّلع عليه بتاريخ 7/6/2022. بتصرّف.
- ↑ ابن عثيمين (1413)، كتاب مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، السعودية:دار الوطن، صفحة 257، جزء 17. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو حاتم الرازي، في التلخيص الحبير ، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:4/130، صحيح.